كمال خلف | كاتب واعلامي فلسطيني .
سلطنة عمان تلك الدولة الخليجية الوادعة المطلة على ثلاثة بحار “بحرالعرب وبحر عمان والخليج” من مضيق هرمز شمالا حتى حدود اليمن، بالكاد نسمع باسمها في يوميات الاخبار والازمات المتلاحقة في منطقتنا، الهدوء والاستقرار والسواحل الراكدة كصفحة في كتاب والصمت في العمل الدبلوماسي والانجاز الهاديء في الداخل والخارج بدون ضجيج او اعلام او تفاخر، ومن اللافت ان اسم “عمان” يعني لغة كل ذلك، اي “الارض المستقرة الامنة”.في السنوات الماضية لعبت السلطنة ادوارا هامة على صعيد الازمات الدولية الكبرى، ابرز ما ظهر للعلن من جهود هو انجازها البنية التحتية الفعلية للاتفاق الدولي المعروف “باتفاقية العمل الشاملة المشتركة” بين ايران والدول الكبرى عام 2015، مالم يظهر للعلن ابعد من هذا الاختراق الدولي الهام، لكنهم لا يتحدثون عن انفسهم او عن دورهم، المرجح انهم اليوم يلعبون الدور الاهم في اغلاق ملف الحرب في اليمن، ولا نستبعد انهم شرعوا بالمرحلة العملية للتواصل بين ايران والولايات المتحدة.قد تكون الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية السورية “د فيصل المقداد” والوفد المرافق له والذي ضم نائب الوزير “د بشار الجعفري” ودبلوماسيين اخرين فرصة لاختراق مهم في جدار الازمة السورية، فمسقط لها نوافذ كثيره على جهات مختلفة، وهي تعرف تماما حدود الممكن والمتاح، وبذات الوقت تحترف بناء مسارات جادة ومنتجة، الاهم انها محل ثقة لدى الاطراف المتناقضة والمتصارعة، ان وصف سلطنة عمان بصندوق البريد او مجرد وسيط او جغرافية مناسبة لعقد المفاوضات غير المعلنة فيه اجحاف للدور العماني، فهم وفق التجارب والنماذج السابقة وما اطلاعنا عليه من تفاصيل في حينها تجاوزوا محدودية هذه الادوار الى فضاء اوسع في كيفية التعامل مع الازمات الدولية.ويمكن الجزم دون مبالغة ان هذه الزيارة للوفد السوري هي اهم تحرك دبلوماسي سوري على الصعيد الخارجي منذ سنوات طويلة. التشاور وبحث العلاقات الثنائية هو لازمة كل الزيارات بين الدول وتبدو كليشة جاهزة عند التحدث لوسائل الاعلام، لذلك لا تعكس هذه العبارات حقيقة ما يدور على طاولات الاجتماعات ومن المؤكد ان ما دار بين المسؤولين السوريين ونظرائهم في مسقط يتجاوز هذه العناوين التقليدية. وبمناسبة الحديث عن الدبلوماسية هناك تشابه بين الدبلوماسيتين العمانية والسورية لجهة انتهاج سياسية التحرك بصمت وبناء استراتيجيات وفتح مسارات بدون ضجيج اعلامي وباحتراف ودهاء، لذلك لا نتوقع ان يتحدث السوريون عما قالوه او فعلوه خلال الزيارة، ولن نسمع عما قام به العمانيون او سيقومون به بعد هذه الزيارة، ولكن يمكن اعتماد مؤشرات، ولن نستغرب حال وصول مبعوث عماني بشكل مفاجئ الى دمشق.زيارة المقداد الاخيرة وما سبقها من زيارات لموسكو وطهران، ومتابعة الخارجية السورية للاحداث العالمية والتعليق على ما يخص سورية منها، وابراز موقف دمشق حيالها، كلها مؤشرات على قرار سوري من اعلى مستوى لتفعيل دور الخارجية السورية والبحث عن ثقوب وممرات غير تقليدية لجدار الوضع القائم في سورية. الفريق القائم الان في الخارجية عال الهمة ويملك تصورات واضحة لما يجب فعله في هذه المرحلة الحاسمة من تطورات الداخل السوري والإقليم، ولا نستغرب ابدا ان نشهد حراكا دبلوماسيا سوريا هاما خلال الفترة القريبة، ونتوقع تحركات خارجية مدروسة ومفاجئة في الوقت عينه على الصعيد العربي والاقليمي وحتى الدولي اعتمادا على مدرسة عريقة في العمل السياسي والسياسية الخارجية، فما هي الخطوة السورية التالية بعد مسقط؟نعتقد ان دمشق طرقت بهذه الزيارة الباب الاهم، وذهبت للعنوان للصحيح، وقد يكون ما لدى السوريين من مقترحات وتصورات وربما رسائل كاف لبناء مسار جديد بحياكة عمانية جادة ومحترفة تفتح مسارا جديا خاصا بالحل في سورية مع القوى المعنية مباشرة بالازمة.هل ستكون هناك مفاوضات سورية امريكية سرية لن نسمع بها الا بعد سنوات وبعد ان تنجز كما حصل بين ايران والولايات المتحدة في مسقط قبل توقيع الاتفاق النووي في فيينا؟هل ستكون مفاوضات سرية سورية مع اطراف دولية متعددة في مسقط لوضع قواعد للحل وانجاز تسوية في سورية تعيد الامن والاستقرار وتفك عزلة البلاد وتكسر الحصار المفروض عليها؟ هل ذهب السوريون الى مسقط اعتمادا على متغيرات ومعطيات جديدة في السياسيات الدولية. طالما اختارت دمشق مسقط بالذات لفتح الطريق نحو الحلول فهذا يعني ان السوريين جادون في ايجاد المخارج واجتراح تسويات على المستوى الدولي. لكن ماذا عن الاخري؟طوال عقود لم تعمد الدبلوماسية السورية اسلوب العمل السري في التفاوض السياسي، لكنها في الوقت عينه تفضل العمل بصمت بعيدا عن ضجيج التفاصيل في الاعلام، لكن البلاد اليوم بعد عشر سنوات من الحرب وصلت الى سؤال المصير.. ماذا بعد؟ وهذا السؤال قد نجد الاجابات الواضحة عليه في المستقبل القريب.