بين روسيا وتركيا موعد في ادلب
رفعت ابراهيم البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص
يتعزز حضور روسيا في حوض البحر الأبيض المتوسط، وصار حضوراً ثابتاً مستفيداً من الانكفاء الأميركي من المنطقة الأمر الذي أفسح المجال أمام تعزيز نفوذ روسيا على الساحة الدولية وخصوصاً بعدما نجح الكرملين «بوتين» في امتلاك مفاتيح إدارة الملفات الساخنة والمعقدة في المنطقة الاقتصادية منها والسياسية وحتى العسكرية.
القرار الروسي في عام 2015 أكد على ضرورة تعزيز الوجود العسكري في سورية والمساهمة في محاربة الإرهاب الموجود على الأرض السورية، أسهم وبفعالية في الحفاظ على ركائز الدولة السورية وخصوصاً بعدما لجأت روسيا في مجلس الأمن إلى استعمال حق النقد «الڤيتو» 8 مرات وذلك لمنع تنفيذ المشروع الأميركي الصهيوني الذي حظي بمشاركة 85 دولة وأكثر من 200 ألف إرهابي بهدف النيل من وحدة الدولة السورية وتفتيت مجتمعها والاستيلاء على ثرواتها.
مما لا شك فيه أن روسيا ومن خلال تثبيت حضورها في سورية ومنعها تنفيذ المشروع الأميركي فيها أعطاها دفعاً مهماً حققت من خلاله قفزة نوعية مكنتها من كسر أحادية القطب الأميركي، الأمر الذي أعاد روسيا بثقلها إلى المسرح الدولي وجعل منها شريكاً لا يمكن تجاوزه وخصوصاً في مواجهة التحديات الأميركية واستطراداً مواجهة التوسع التركي في سورية ومحاولات حلف الناتو الهادفة إلى تطويق روسيا وإرباكها من خلال تركيا «أردوغان» العضو في الناتو وصاحب الحدود المشتركة مع روسيا.
العلاقات الروسية التركية مرت بمطبات أميركية خطرة لكن حنكة ودهاء روسيا «بوتين» شكلت صمام أمان لكلا البلدين.
في أعقاب دخول روسيا إلى سورية 2015 عمدت تركيا أردوغان وبطلب أميركي إلى إسقاط طائرة السوخوي الروسية التي كانت بمهمة استكشافية فوق الأرض السورية، الأمر الذي دفع بوتين إلى اتخاذ إجراءات عقابية اقتصادية قاسية ضد تركيا أردوغان تمثلت بمنع السياحة الروسية عن تركيا ومنع الشركات الروسية من الاستثمار فيها الأمر الذي حذا بأردوغان إلى تقديم اعتذار رسمي وشخصي للرئيس الروسي بوتين خوفاً من تفاقم الأوضاع بين البلدين وخصوصاً على الأرض السورية.
في عام 2016 جرت في تركيا محاولة فاشلة لانقلاب أميركي وبمساعدة بعض الدول العربية لكن المخابرات الروسية كان لها الكلام الفصل في إفشال المحاولة الانقلابية الأميركية في تركيا، واستطاعت روسيا بوتين إعادة الأمور في تركيا إلى نصابها لمصلحة أردوغان الذي كافأ روسيا بصفقة صواريخ روسية من نوع «إس 400» وذلك رداً على المحاولة الأميركية الفاشلة ولمعاقبة الاتحاد الأوروبي على قرار حرمان تركيا من دخول الاتحاد.
روسيا تعد من أكبر المصدرين التجاريين لتركيا وتحتل الطاقة أهم مادة للتبادل بين البلدين، فتركيا تعتمد على الغاز الروسي للاستهلاك ولإعادة التصدير إلى أوروبا، وما خط Turk stream تورك ستريم إلا دليل على أهمية العلاقة بين البلدين كما أن روسيا ساهمت في بناء مفاعل akkuyu النووي التركي، ولطالما أكد الروس استعدادهم لمساعدة أنقرة في التنقيب عن مصادر الطاقة في شرقي المتوسط، فالعلاقة بين البلدين أضحت تقوم على التعاون والتنافس في الوقت عينه كما هو الحال في سورية وليبيا، ويحاذر الدخول في عراك فعلي بينهما فيما يخص أوكرانيا والقرم وقبرص وبتفاهم مبطن في ملف أرمينيا أذربيجان، ويتضح أن الدولتين الجارتين ترغبان في إيجاد أرضية مشتركة وتوازن دقيق يجنب فرض إرادة أي كان على الآخر وصولاً إلى صياغة علاقة إستراتيجية من المنظور الروسي.
مؤخراً صرح أردوغان بأن تركيا تسعى لإقامة حزام أمني في سورية بحجة منع الأكراد من إقامة دولة كردية على الحدود التركية، ما أثار انزعاجاً روسياً واضحاً ترجم برفض واضح لتجديد العمل باتفاقية إدخال المساعدات الإنسانية حصراً من منفذ باب الهوى على الحدود التركية السورية، مقابل إصرار روسي سوري بضرورة دخول المساعدات الإنسانية حصراً عبر المنافذ التي تسيطر عليها الدولة السورية.
ترجع تحليلات كثيرة أسباب دفع تركيا مطلب إقامة «المنطقة الآمنة» في هذا التوقيت إلى التوتر الحاصل في علاقاتها مع روسيا، إذ يبدو أن تقييماً روسياً جديداً للعلاقة مع أنقرة وضعته الأجهزة العسكرية، بات يرى في تركيا خصماً وخطراً على المصالح الروسية.
وقد تبلور هذا التقييم بعد معارك ناغورني قره باخ، ونية تركيا في إقامة قاعدة عسكرية ثابتة في أذربيجان لملء الانسحاب الأميركي إضافة إلى عزم تركيا تزويد أوكرانيا بطائرات مسيّرة، وهو ما ترى فيه روسيا لعباً في مجالها الأمني، يصعب التغاضي عنه.
حاولت روسيا إبلاغ تركيا انزعاجها من مواقفها عبر طرق متعدّدة، سواء من خلال تصريحات دبلوماسييها، التي أكدت جميعها الامتعاض من السياسات التركية المتضاربة مع المصالح الروسية.
تدرك تركيا حجم الانزعاج الروسي، وتراقب عن كثب التحرّكات العسكرية للجيش السوري وتصريحات مسؤولي قاعدة حميميم وخصوصاً بعد إقدام روسيا على تعزيز وجود قطعها البحرية قبالة السواحل السورية، إضافة إلى تزويد الجيش العربي السوري بأحدث أنظمة الصواريخ الروسية ورادارات متطورة وآليات مخصصة تمكن الجيش العربي السوري من خوض معركة فاصلة لاكتساح التنظيمات الإرهابية الموجودة في إدلب، واللافت في الأمر هو أن روسيا أنهت العمل بإنشاء مدارج مخصصة لاستقبال الطائرات الحربية الروسية الحديثة من نوع ميغ 31 والتي تعد درة القوة الجوية الروسية.
روسيا حاولت إفهام أردوغان أن التنسيق مع روسيا هو أفضل السبل للوصول إلى تفاهمات تضمن مصالح البلدين، لكن يبدو أن أردوغان فضل الاستمالة لرغبات أميركا وبتنفيذ سياسات حلف الناتو الهادفة إلى محاصرة روسيا، الأمر الذي سيجعل الدب الروسي متأهباً وفي حالة انتظار ساعة الصفر لإظهار مخالبه والانقضاض على مكامن خطر الإرهاب المدعوم من تركيا في سورية وانتزاع آخر أوراق الحزام الأمني التركي في سورية.
منطقة إدلب على موعد قريب مع الجيش العربي السوري، أما روسيا فقد قررت إشهار البطاقة الحمراء بوجه أميركا والناتو واستطراداً أردوغان معلنة عن انتهاء زمن التوازنات القائمة على حساب الدولة السورية والمخلة بأمن روسيا الإستراتيجي.