الدكتور طلال حمود | منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود
تقول القصة ان رجلاً ذهب لمقابلة جحا ليشكو اليه مشكلته الإجتماعية المُستجدّة فقال له:
«يا جحا انا أسكن مع زوجتي وأطفالي الستة وأمي وحماتي في غرفة واحده وهي ضيقة علينا والعيش فيها صعبٌ للغاية فماذا أفعل؟»
فقال له جحا:
«اذهب الى السوق واشترِ حماراً وأسكنه معك بالغرفة وعُد بعد يومين.»
عاد الرجل بعد يومين وقال له:
«يا جحا الامر أصبح أسوء»
فقال له جحا:
«اذهب مرة ثانية الى السوق واشترِ خروفاً وضعه معكم في الغرفه وعُد بعد يومين.»
عاد الرجل بعد يومين ووجهه شاحب وهو غاضبٌجداً وقال له:
«اﻷمر أصبح لا يطاق يا جحا»
قال له جحا:
«اذهب المرّة الى السوق واشترِ دجاجةً وضعها معكم في الغرف وعُد بعد يومين.»
عاد الرجل وقد أوشك على الإنهيار والانتحار من التوتر والقلق وقلّة النوم والخوف على المستقبل..
وطلب من جحا ان يجد له الحلّ السريع لمعضلته التي تؤرقه!؟
فقال له جحا:
«اذهب الى السوق وبِعِ الحمار وأخبرني ماذا سيحدث معك بعدها»
عاد الرجل بعد ايام وقال له:
«لقد تحسّن الأمر قليلاً وخفّ منسوب التوتر في منزلنا نسبيّاً»
ثم اتاه يستفتيه بعد ايام فقال له:
«اذهب وبِعِ الخروف وأخبرني كيف ستتغيّر احوالك نحو الأفضل»
عاد الرجل بعد ايام وقال لجحا:
«الوضع اصبح تقريباً تمام»
فقال له جحا:
«اذهب وبِعِ الدجاجة وأخبرني عن اوضاعك بعد ذلك»
رجع الرجل بعد ايام قليلة وقال له:
«أنا بأفضل حال أشكرك من القلب يا جحا لقد حُلّت مشكلتي من الأساس وانا جداً مُمتن لك واطال الله في عمرك وحفظك الربّ وسدّد خطاك لقد انقذتني من الدمار المحتوم»
وقد سردت لكم هذه القصة عن جحا لكي نتعرّف جميعاً كيف تُدار الازمات السياسية والإقتصادية في مختلف بلاد العالم ومنها تحديداً لبنان وكيف يستخّفون بأمور العباد والبلاد لدرجة الإستغباء الكامل للشعب عن طريق خلق الأزمات تلو الأزمات ثم يخخترعون لها الحلول المُعدّة سلفاً لكي يشعروننا انهم يسهرون لتأمين راحتنا ورفاهنا! فهم يخلقون لنا مشاكل جديدة كل يوم وازمات جديدة كل ساعة ويتلاعبون منذ بأسعار الدولار وقد رفعوا الدعم عن السلع الأساسية بطريقة تدريجية خبيثة ادّت بالناس الى نسيان كل طوابير الذّل والقهر والى الخضوع الكامل للأسعار الجنونية الجديدة دون ان يتفوّهوا بأية كلمة انستهم مشكلة الغلاء الفاحش بعد ان روّضونا تدريجياً على تقبّل المتغيّرات. وها هم اليوم يُحاولون قبل الإنتخابات النيابية وللأسف الشديد “إلهاء” بعض الموظفين في القطاع العام وبعض العسكريين وغيرهم من شرائح الشعب الذي مسحوا بهم الأرض ومصّوا دمّهم واذاقوهم اعتى انواع الأذلال والقهر والتجويع والتشريد والدفع للهجرة….ان يرضونهم بحفنة من “الدولارات الطازجة” (الفريش دولار) لكي يتفرفشوا بها خلال فترة أعياد رأس السنة وعيد الميلاد المجيد ولكي ينسوهم مصيبتهم الكبرى بتطيير كل ودائعهم في المصارف وتفقيرهم الغير مسبوق في تاريخ لبنان ولكي يلتهوا عن التفكير للحظة واحدة بغلاء الأسعار وجنون الدولار وحوادث العنف والتعتير والشحار والإنتحار التي ضربت كل منطقة ومدينة وحيّ ودار…
وحتى يشكروا الله على نعمة حلّ مشاكلهم عن طريق ارانب الحاكم بأمره ومن يساعده ويدعمه وينسّق معه في الخفاء ولكي ينسى الناس أصل المشكلة وهي كما قلنا ضياع كامل الودائع وجنى العمر والحلم بالوطن وبالعيش الكريم العزيز في وطنٍ حُكَامه بلا ضمير! وهكذا يبقى الموالون لهم وبعض المستضعفين مَدينين لهم بالولاء وبالعرفان والجميل وسيذهبون صاغرين للتجديد لهم في المحطة الإنتخابية القادمة ودون اي تحليل او تفكير او إلتفات لأساس المشكلة …
وفي قصتي هذه وفي كل القصص التي تحكي عن “جحا” يقولون او يُصوّرون جحا بأنه كان شخص مجنون او “ابله” او “فاقد للعقل” ؟! لكن المُحزن في قصة وطننا لبنان ان حجا الذي يسرقنا وينحرنا كل يوم هو امّا مسؤول كبير مُعتّق إرتدى ربطة العنق بعد البدلة المزركشة الكاكية الميليشياوية التي طالما ارتداها طيلة ايام الحرب الأهلية، وركب على ظهورنا منذ اكثر من اربعين سنة ولا يزال! او رئيس او وزير او نائب او حاكم لمصرف مركزي مُتسلّط وحاقد على كل الفقراء والمساكين والمقهورين والمحرومين في هذا البلد، او انه قد يكون عضو في نادي اصحاب المصارف وجمعية المصارف اللبنانية الماكرة التي لم تترك وسيلة للنيل من كرامة هذا الشعب وإذلاله إلا وحاولت إستعمالها بدعمٍ وتوطؤ وتسهيلات من كل اركان السلطة الفاسدين الذين ذكرناهم والذين لا زالوا حتى الساعة يتدارسون مشاريع قوانيين “كابيتال كونترول” لطرحها في العام القادم او الذي بعده!؟ بعد ان يكونوا قد هرّبوا كل قرش ونهبوا كل دولار في “خزينة هذا الوطن المركزية” او في مصرفه المركزي عفواً سهوت : اقصد “مغارة على بابا هذا الوطن” الذي اكلها ونهبها حُماتها والمُولجون اصلاً تأمين حراسة ابوابها المُخلخلة بسبب نهمهم وجشعهم وحبّهم للمال والبنون والعقارات والشركات والطائرات واليخوت الخاصة وللقناطير المُقنطرة من الذهب والفضّة!
وكم كانت قصة ذلك الرجل سهلة مع جحا ذلك الزمان الجميل وكم هي علقتنا وسخة جداً مع جحا هذا الزمان الذي يُدعى “رياض سلامة”!؟