بين انتخابات إيران وسورية

رفعت ابراهيم البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص

منذ 42 عاماً نجحت الثورة في إيران بالإعلان عن قيام الجمهورية الإسلامية التي وضعت دستوراً جديداً أفضى بضرورة إعطاء الشعب الإيراني مساحة واسعة للتعبير عن رأيه وتطلعاته عبر إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وخبراء القيادة ومجالس محلية، وبمعدل مرة واحدة في السنة، كوسيلة ديمقراطية متاحة تستنبط توجهات وتطلعات الإيرانيين، وقد التزمت الجمهورية الإسلامية بإجراء العمليات الانتخابية حتى في أصعب الظروف.
لا شك أن إيران نجحت في تطوير نظامها السياسي وهو القائم على أساس «الهوية الإسلامية» المتلائم ومبادئ الجمهورية، الأمر الذي مكّنها من مواجهة الضغوط الخارجية ومحاولات العبث بشؤون إيران الداخلية.
مجلس صيانة الدستور في إيران يُعد من أهم المجالس الضامنة للالتزام بدستور الجمهورية إضافة إلى استقرار نظام الحكم فيها، خصوصاً لجهة تحديد المؤهلين لتولي منصب رئاسة الجمهورية والتي حددها بين أربعة مرشحين وهم: إبراهيم رئيسي ومحسن رضائي وعبد الناصر همتي وأمير حسين قاضي زاده.
نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لهذا العام جاءت مختلفةً عن سابقاتها من حيث نسبة الاقتراع، إذ بلغت أكثر من 50 بالمئة بقليل على عكس الانتخابات السابقة والتي بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 73 بالمئة.
ليس خافياً أن قرارات مجلس صيانة الدستور في إيران تبقى فوق كل اعتبار انطلاقاً من الاستقلالية التي يتمتع بها، وتكفي إشارة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي إلى ظلم لحق باستبعاد بعض الشخصيات عن خوض الانتخابات ولكن مجلس صيانة الدستور ثبَّت قراره بغض النظر عن رؤية المرشد الأعلى، داحضاً الادعاء بأن المرشد الأعلى هو مهندس نتائج الانتخابات بما ينسجم ورؤيته.
حصلت الانتخابات الرئاسية قي إيران في وقت تشهد فيه المنطقة إعادة رسم خريطة القوى الفاعلة فيها خصوصاً بعد متغيرات لافتة في معادلة الصراع بين قوى محور المقاومة والعدو الإسرائيلي في فلسطين مع الأخذ بقرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن القاضي بالانكفاء المتدحرج عن المنطقة بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق ودول الخليج والتوجه نحو الصين ومحاصرة روسيا، واللافت أن توقيت الانتخابات الرئاسية في إيران صادف بعد لقاء قمة جمع بين الرئيسين بايدن والروسي فلاديمير بوتين الذي تخلله البحث في مصير الملف النووي الإيراني.
ترقب العالم عموماً والغرب خصوصاً، الإعلان عن الشخصية الفائزة بالانتخابات الرئاسية كون الفلسفة الغربية والأميركية ترتكز على شخص الرئيس وتوجهاته السياسية الاقتصادية وذلك لسبر أغوار الطالع ومدى إمكانية التعاون مع الفائز بمنصب الرئاسة.
الربط بين مصير الاتفاق النووي وشخصية الرئيس الإيراني أمر مبالغ فيه، يعبر عن جهل في معرفة مرتبات النظام في إيران، فالتفاوض مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية لا يرسم خطوطه الرئيس مهما كانت توجهاته السياسية، فيما وضع المحددات العريضة لأي مفاوضات نووية كانت أم اقتصادية، هي من صلاحية المرشد الأعلى كون هذه القضايا تقع ضمن دائرة إستراتيجية الدولة الإيرانية، أما الرئيس الإيراني وبغض النظر عن شخصه واسمه، فهو ملزم بالتوجيهات الإستراتيجية للمرشد الأعلى.
جميع المناظرات الرئاسية بين المرشحين في إيران لم تشهد إقدام أي منهم على مناقشة مسألة الاتفاق النووي أو التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، التزاماً منهم بالمحددات التي رسمها المرشد علي خامنئي.
إذاً أغلقت صناديق الاقتراع وأعلن عن فوز المرشح إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن الجولة الأولى وبأغلبية 60 بالمئة من الأصوات الناخبة.
انتخاب رئيسي وبشكل سلس وديمقراطي رسخ مفهوم تداول السلطة في إيران مما يجعلها دولة مميزة عن دول المنطقة التي تعاني غياباً تاماً عن ممارسة الديمقراطية أو عن مبدأ تداول السلطة فيها.
اللافت أن فوز رئيسي بمنصب رئاسة إيران أصاب أميركا والدول الغربية بالصدمة والرهبة ذاتها التي أصابتهم وقت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في سورية والتي أسفرت عن فوز الرئيس بشار الأسد بنسبة 95.1 بالمئة.
كعادتها سارعت الولايات المتحدة إلى التشكيك بنتائج انتخابات إيران تماماً كما حصل فور الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في سورية، وهذا دليل بأن أميركا خصوصاً وقوى الغرب عموماً لا علاقة لهم بالديمقراطية ولا يألفون معنى إرادة شعب ولا يفقهون معنى حق الشعب بانتخاب رئيس للجمهورية وإيلائه ثقة الجماهير، خصوصاً في تلك الدول المناهضة للسياسة الأميركية، والمحسوبة بدول محور المقاومة.
فوز رئيسي المتشدد المحسوب على المحافظين، بعثر أوراق أميركا فيما خص عودتها إلى الاتفاق النووي، فالأسابيع الستة الفاصلة عن موعد تنصيب رئيسي رسمياً، ستكون فترة اشتداد الضغط الإيراني على إدارة بايدن، وربما تكون الفرصة الأخيرة، فإما رفع العقوبات عن إيران والعودة للاتفاق، وإما انقضاء الفرصة المتاحة، لأن بعد استلام رئيسي منصبه رسمياً لن يكون كما قبله فإذا لم يحصل أي تقدم ملموس على صعيد رفع العقوبات الأميركية يمكن للمرشد الأعلى تدشين عهد رئيسي بالإعلان عن انسحاب إيران من الاتفاق وبشكل نهائي واعتباره لزوم ما لا يلزم.
العدو الإسرائيلي مرعوب وأصيب بالهلع جراء نجاح العرس الرئاسي الإيراني والإعلان عن فوز رئيسي، ما دفع خارجية الكيان الصهيوني لإصدار بيان عبرت فيه عن الصدمة والخوف واصفة رئيسي بأنه الأكثر تطرفاً في إيران وأنه يشكل خطراً على وجود الكيان الصهيوني، أما وزير خارجية العدو الإسرائيلي يائير لابيد فقد عبّر عن مخاوف الكيان وبصراحة واصفاً انتخاب رئيسي بالحدث الكارثي على إسرائيل لأنه سيمنح إيران فرصة إنتاج القنبلة النووية، في محاولة من لابيد إثارة الرأي العام العالمي ضد إيران.
بين نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران ونتائج الانتخابات الرئاسية في سورية، يمكننا التأكد من رسوخ ركائز محور المقاومة سياسياً وعسكرياً على أمل إيجاد السبل الآيلة إلى ترسيخ التعاون الاقتصادي بين دول المحور من أجل بناء مستقبل أفضل لأجيالنا بعيداً عن تأثير العقوبات والضغوط.

Exit mobile version