بين العرض الروسي وإدارة التسوّل .. ماذا ستختار حكومة الرئيس ميقاتي ؟
عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب
لم يعد خافياً على أي لبناني حقائق العروض العديدة التي تقدمت بها الصين في الجانب الاقتصادي وروسيا وايران في الجانبين الاقتصادي والعسكري .
فالصين تقدمت بعروض
يمكن لها ان تقلب الاقتصاد اللبناني رأساً على عقب بما يرتبط بتحويله من اقتصاد ريعي الى اقتصاد انتاجي في كل الجوانب .
وابرز العروض الصينية كانت في الكهرباء حيث أبدت الشركات الصينية استعدادها لإنشاء ما يلزم من معامل انتاج كهربائي خلال فترة وجيزة لا تتجاوز السنة تكفي لبنان بحاجاته الحالية وباحتياطي يلبي الحاجة لسنوات قادمة .
في الكهرباء يتضمن العرض الصيني جلب مولدات ضخمة تبدأ بإنتاج الكهرباء الى حين الإنتهاء من بناء المعامل وإبقاء هذه المولدات كاحتياطي يمكن تشغيلها في أي لحظة تتعرض فيها المعامل لأي مشكلة .
إضافة الى الكهرباء تتضمن العروض الصينية حفر النفق الذي يُعرف باسم نفق ضهر البيدر لوصل البقاع ببيروت وتحديداً بالمرفأ وتالياً بالطريق العربي وما يشكله ذلك من انقلاب في حركة النقل وتأثيراتها الإيجابية التي توفر الوقت والمال حيث ستتقلص المدة الزمنية لقطع المسافة بين مرفأ بيروت ومعبر المصنع الى 20 دقيقة فقط بينما تستغرق حالياً بين ساعة ونصف الى ساعتين للشاحنات في أيام الصيف وتتراوح بين ثلاث ساعات الى اربع ساعات في الشتاء بسبب احول الطقس وإيقاف الشاحنات عن السير لأسباب مختلفة من قبل القوى الأمنية حفاظاً على السلامة العامة .
إضافة الى مشاريع ترتبط بإعادة تأهيل الأنهار اللبنانية وعلى رأسها مجرى نهر الليطاني وغيرها من العروض المرتبطة بالبنية التحتية والجانب الزراعي والصناعات التحويلية وغيرها .
بالنسبة لإيران
فإنّ ما تم تقديمه من عروض مشابه في الجانب الاقتصادي لما تقدمت به الصين في الكهرباء والبنية التحتية ، إضافة الى مشاريع تتعلق بالتنمية المستدامة وغيرها .
الى جانب العروض الاقتصادية تقدمت ايران بعروض لتسليح الجيش اللبناني وتزويده بما يلزمه من أسلحة بينها مضادات للدروع واسلحة مضادة للطائرات تراوحت بين المحمولة على الكتف وصولاً الى صواريخ متوسطة المدى يمكنها ان تلبي حاجة الجيش اللبناني في التصدي للطيران الصهيوني نظراً لمساحة لبنان الصغيرة وعدم حاجته لصواريخ مضادة للطائرات بعيدة المدى ناهيك طبعاً عن أسلحة مختلفة في البر والبحر تستجيب لحاجة لبنان الدفاعية يطول شرحها .
بالنسبة لروسيا
تقدم الإتحاد الروسي بعروض مختلفة لتزويد الجيش اللبناني بلائحة متنوعة من الأسلحة بدأت بتقديم هبة من عشر طائرات ميغ – 29 تم استبدالها لاحقاً بسرب حوامات هجومية مي – 24 بطلب لبناني بسبب عدم قدرة لبنان على تشغيل الميغ – 29 نظراً للكلفة العالية لتشغيلها مع الإشارة الى ان الحوامات الهجومية لم تدخل الخدمة في سلاح الجو اللبناني ولن تدخلها على ما يبدو .
إضافة الى الحوامات تقدمت روسيا بعرض لتزويد لبنان بلواء دبابات ت – 72 المحدثة والتي تقارب في مواصفاتها دبابة ت – 90 إضافة الى لواء مدفعية ثقيلة من عياري 130 ملم و152 ملم .
العرض العسكري الروسي تضمن منصات لإطلاق صواريخ مضادة للدروع من طرازي كورنيت وكونكورس واسلحة متوسطة وكتيبة عربات شيلكا وغيرها ، إضافة الى عشرات الآف القذائف العائدة للدبابات والمدفعية ومئات الصواريخ المضادة للصواريخ وأجهزة مراقبة ليلية وأجهزة اتصالات ومعدات لوجستية .
في الجانب الاقتصادي وهو العرض القديم الجديد تقدمت الشركات الروسية بعروض تضمنت التالي :
- إعادة تأهيل مصفاتي الزهراني على ان يبدأ العمل بمصفاة الزهراني لتبدأ بعد ستة اشهر بإنتاج 20 الف برميل يومياً أي ما يوازي 4 ملايين ليتر من المشتقات النفطية وهي تقريباً نصف حاجة لبنان اليومية من البنزين والمازوت ، وعلى ان تبدأ المصفاة بإنتاج 150 الف برميل يومياً بمرور 18 شهر على بدء إعادة تأهيلها ما يعني ثلاثة اضعاف حاجة لبنان من البنزيت والمازوت يومياً وهذا يعني توفير لبنان لمبلغ 4 مليارات دولار واضافة مبلغ يوازي 500 مليون دولار سنوياً حصة لبنان من أرباح الإنتاج الى حين استعادة لبنان المنشأة التي ستًدخل الى الخزينة مبلغاً يوازي مليارين الى ثلاثة مليارات دولار سنوياً .
- إعادة تأهيل مصفاة طرابلس خلال سنة ونصف وهي ستتولى انتاج المشتقات النفطية للتصدير والتي ستًدخل للخزينة اللبنانية حوالي مليار ونصف المليار دولار سنوياً اوهي حصة الدولة خلال مدة العقد مع الشركات الروسية .
- انشاء معملين لتوليد الكهرباء باستطاعة تكفي لبنان مع ما هو موجود ويمكن إعادة تأهيله .
- إعادة تأهيل مرفأي بيروت وطرابلس وتطويرهما بما يلبي حاجات لبنان وإعادة الربط في تجارة الترانزيت خصوصاً ان مرفأ بيروت يمكنه ان يشكل مع مرفأ طرابلس محطة أساسية وهامة في إعادة اعمار سورية والتي ستستمر لسنوات إضافة الى أهمية مرفأ بيروت كعقدة ربط بين أوروبا والصين في مشروع الحزام والطريق .
- بناء اهراءات لتخزين القمح الروسي في مرفأ طرابلس وجعلها محطة لبيع هذا القمح الى الدول التي تحتاجه وما سيترتب على ذلك من نتائج مالية للبنان
الجدير ذكره ان العروض الروسية لا تضع اية شروط وتعقيدات فهي لا تحتاج لضمانات من البنك الدولي ولا صندوق النقد الدولي وسيتم تقديمها بصيغتين :
- الشراكة بين الشركات الروسية والدولة اللبنانية لمدة يتم تحديدها تؤمن الجدوى الاقتصادية للجهتين .
- نظام ال BOT ( BUILD – OPERATE – TRANSFER ) أي بناء – تشغيل – إعادة ( لملكية الدولة الكاملة ) بعد انتهاء مدة العقد .
في كلا الصيغتين لا تحتاج الشركات الروسية اية ضمانات سوى الضمانة السيادية للدولة اللبنانية وعدم تكليف الدولة اية أعباء او تكاليف مالية مترتبة على الإنشاء والتشغيل مع هامش أرباح للدولة طيلة فترة العقد في صيغة ال BOT وارباح بالمناصفة في صيغة الشراكة .
مع الإشارة الى ان العروض الصينية والإيرانية تشابه الى حد بعيد العروض الروسية في الكثير من التفاصيل .
مقابل هذه العروض المرفوضة حتى اللحظة يتجه لبنان مجدداً لربط مصيره ومستقبله بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي عبر الإستدانة بشروط قاسية منها على سبيل المثال لا الحصر :
- خصخصة القطاع العام وبيع أملاك واصول الدولة وعلى رأسها الكهرباء والاتصالات والتي قال الرئيس ميقاتي مؤخراً انها غير واردة حالياً ولكنها بالتأكيد ستكون واردة مستقبلاً .
- تخفيض عديد موظفي القطاع العام عبر انهاء خدمات عشرات الآف الموظفين .
- إعادة هيكلة المصارف وإقرار موازنة خالية من الهدر ( وهو مطلب محق ولكن السؤال المركزي كيف سيتم ذلك وعلى اية أسس ؟ ) .
على الرغم من ان المقارنة بين العروض الروسية والصينية والإيرانية مقابل شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا تحتاج الى ادنى تفكير من المرجّح ان تختار الحكومة مجدداً خيار الإستدانة وهو له اسم واحد فقط ” إدارة التسول ” الذي بدأ يترسخ كنمط بديل في الدولة وعلى المستوى المجتمعي ( البطاقة التمويلية والمساعدات مثال على ذلك ) .
والسؤال المنطقي : هل من قوى تعارض نهج التسول ويمكنها الضغط للذهاب باتجاه قبول العروض التي يمكنها انتشال لبنان من ازمته ؟
سؤال برسم القوى السياسية الحريصة بمواجهة الطبقة السياسية المستشرسة في الدفاع عن مكتساباتها .