محمود بري | كاتب وباحث سياسي
حوالى عشرة أشهر هي المدة الاعتيادية التي تحمل فيها الأتان (أنثى الحمار) قبل أن تضع مولودها “الكُرّ”. لذا يُقال عنها في حالة الحمل إنها “مُعشِّرة”.
عشرة أشهر هي المدة التي عذّبنا خلالها الرئيس سعد الحريري (والعرض يتواصل) وهو يزعم العمل على تأليف الحكومة، ولا أحد يصدّقه… غير الرئيس بري.
عشرة أشهر عجفاء ــ أي بالغة السوء ــ والحريري “يعمل”، تارة بالحضور وغالباً عن بُعد، يتنقّل من ملاذ إلى آخر وعينه على مملكة الخير التي لفظته وترفض مجرّد ذكر إسمه …إلا حين تود بث جرعة تذكيرية بإحدى مساوئه التي تُشبه عدم الأمانة، فيُقال على لسان الرياض إنها منحته مبلغ كذا وكذا (بمليارات الدولارات-كما منحت وليد جنبلاط وسمير جعع…) لكي يُنعش ساحته، فإذا به يُكرّسها لإنعاش حساباته الشخصية في المصارف خارج لبنان، ويدفع منها ما حكم القضاء الفرنسي عليه بدفعه، حقاً لشقيقته عليه (وهو مبلغ 75 مليون دولار)، وما قيل إنه سيدفعه إلى أحد أشقائه أيضاً (بقيمة 150 مليون دولار) وبموجب حكم قضائي كذلك، هذا من دون أن يضطره القضاء بعد، أيّ قضاء، للتعويض على عشرات ألوف العاملين السابقين في شركته التي أعلن إفلاسها الهروبي (أوجيه)، ومثلهم مئات العاملين الآخرين في مؤسساته الإعلامية التي اختنقت بفعل حسِّه الربحي البليد.
عشرة أشهر وبلدنا الذي هبطت عليه هذه العائلة من غامض علمه، يواصل تدحرجه الانتحاري الطائش، والحريري يواصل جهوده في تأليفٍ لا يتحقق، والرئيس بري، باسم الثُنائي الشيعي، يواصل تأييده المُجهِد الذي لا يُثمر. وهنا نقطة الاهتمام الرئيسة التي لم تنل حقّها من الاهتمام والتمحيص.
الرئيس الحريري اشتهر بصفات إيجابية وسلبية كثيرة، ليس الذكاء من بينها. والرئيس بري اشتهر أكثر ما اشتهر بشدّة ذكائه وبُعد نظره إضافة إلى ملكة نادرة تتمثّل بمقدرة فائقة على حَوي الأفاعي حين يلزم الأمر.
المؤكد أن مساندة الرئيس بري للحريري، بهذا الصبر الذي لا ينفذ والتصميم الذي لا يلين، له من دون شك أسبابه الموجبة ومبرراته المثبتة، مما لا أدّعي معرفته ولا يمكنني افتراضه.
كل ما يمكنني تأكيده هو أن الحريري لا يريد تأليف حكومة إلا بما يفرض طقوساً تأليفية جديدة (يُسمونها قوانين وأعراف) تجعله شبه ملك يأمر ليُطاع… وهذا ما لا يمشي في لبنان، وما لا يمكن للحريري بحكم منشئه وتربيته، أن يستوعبه أو يتفهّمه أو يقبل به، على الرغم من أنه سبق له “ابتلاعه” غير مرة في تأليفه الحكومات التي ترأسها.
وما أعرف جزأه الصغير عن الحريري بحكم متابعتي، يعرف كامله الرئيس بري الذي لا أبالغ إن اعتقدتً أنه يعرف عن سعد أكثر مما يعرفه سعد عن نفسه.
بالطبع ومن دون أيّ شك ولا ريب، فإن لعبة الحريري التسويفية لا تمر على الرئيس بري. لكن ما الذي يدفعه، وهو مترنيخ هذه الأيام، إلى مواصلة رقصة الفالز النشاز مع الحريري المُتعثّر بخُطاه؟
لماذ إصراره على تأييد سياسي خسر كل أوراقه من منبعه ــ الرياض إلى مصبّه ــ باريس، بينما لبنان موشك على الذهاب على طريق بولندا التي “اختفت” كدولة مستقلة في أوروبا (العام 1759) ولم تعد للظهور إلا عام 1815 بموجب مؤتمر فيينا…؟
السؤال أكبر من أن يُترك من دون إجابة… وبالطبع فإن الحديث عن مصالح شخصية وأنانية وراء موقف بري، لا معلومات تؤكده ولا يُعتّد به.
فماذا وراء الأكمة إذن…
الجواب في جُعبة السيد نصرالله الذي بات ما بين قلبه وفمه أطول من عُنق زرافة.
ولعل “اعتذار” سعد الحريري عن التأليف، حين يعتذر، سيضع نقطة بداية لمسيرة من نوع آخر… هي ما كان يتجنّبه سُعاة الخير.