بهاء الخزعلي | كاتب عراقي
بعيدا عن التنجيم والتنبؤات أصبح حلم الكيان الصهيوني ودولته المزعومة تحت التهديد الوجودي، ولا اقصد بتلك النهاية أن يخوض الكيان حربا عسكرية تؤدي إلى ذلك، لكن جل ما في الأمر هو الانهيار والتفتت المجتمعي للبنية الاجتماعية لذلك الكيان الغاصب، ويتجلى ذلك الانهيار بعدة أمور أهمها…..
*ارتفاع نسبة الهجرة العكسية: حيث ذكر مكتب الإحصاء “الإسرائيلي” في تقرير أن عدد المستوطنين الذين غادروا منذ ستينات القرن الماضي وحتى نهاية عام 2015 بلغ نحو مليون شخص، وأوضح التقرير أن حجم الهجرة المعاكسة ارتفع بشكل ملحوظ منذ بداية الألفية الثالثة، خاصة في فترة أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتحديداً خلال السنوات 2001-2003، ثم هبط بعض الشيء، ليرتفع مرة أخرى في عامي 2006 و 2007 في أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان، فيما استمر الاتجاه عام 2012 نحو ميزان الهجرة السلبي، وسجل عام 2020 تفوقًا في ميزان الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج ب74.9% مقابل 73.4% لمهاجرين يهود قادمين من الخارج، وهذه النسبة قد ترتفع في هذا العام بعد أن ضربت المقاومة الفلسطينية مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، ووفقًا لأرقام الوكالة اليهودية، فقد غادر إسرائيل 720 ألف مستوطن، واستقروا في الخارج بصورة رسمية، بينما يقيم 530 ألفًا آخرين في الخارج بشكل متنقل، ما يعني أن المزيد من اليهود يفضلون الانسلاخ عن الكيان الإسرائيلي والعيش خارجه.
*نوعية المهاجرين من الكيان الصهيوني: ووفقاً لتقرير صادر عن دائرة “الإحصاء المركزية الإسرائيلية”، فإن 2340 إسرائيلياً يحملون شهادة الدكتوراه يعيشون ويعملون في خارج “إسرائيل”، ويضيف التقرير: “11% من حملة شهادات الدكتوراه الإسرائيليين يعيشون ويعملون اليوم خارج “إسرائيل”، بينما كانت النسبة 9.9% في العام 2013. كذلك، فإن 24.2% من خريجي الجامعات الإسرائيلية في الرياضيات يعملون خارج البلاد، ومثلهم 20% من خريجي علوم الحاسوب، و17.5% من حملة الدكتوراه في الصيدلة، وبين 16% و17% من حاملي شهادة هندسة الطيران والهندسة الطبية الحيوية”، ووفقاً لصحيفة “ذي ماركر” الأميركية، فإن ظاهرة هجرة الأدمغة في “إسرائيل” آخذة في الاتساع، وأضافت الصحيفة: “في العام 2017، كان 1725 باحثاً إسرائيلياً يعملون في الجامعات الأميركية، بزيادة 5.6% عن العام 2016″، أما دائرة “الإحصاء الإسرائيلية”، فتؤكد أن “هروب الأدمغة متواصل منذ العام 2003، وقد ارتفع بنسبة 26% منذ العام 2013. وفي السنوات الثلاث الأخيرة، تراجع عدد الأكاديميين الإسرائيليين في الخارج ممن يعودون إلى “إسرائيل”، والاتجاه بين الباحثين الإسرائيليين نحو الهجرة أكبر من العودة. ففي العام 2017، عاد 601 أكاديمي إلى “إسرائيل”، بينما عاد حوالى 700 في العام 2016، و900 في العام 2014، وكان عدد الأكاديميين الذين غادروا “إسرائيل” في العام 2017 أعلى بـ2081 أكاديمياً من الذين عادوا إليها. وفي استخلاص لافت، حذرت دراسة لمؤسسة “شورِش” للأبحاث الاقتصادية الاجتماعية قائلة: “رغم أن عدد هؤلاء لا يزيد على 130 ألفاً، ويشكلون 1.4% فقط من السكان في إسرائيل، ورغم عددهم القليل، فإن التفوق النوعي للاقتصاد الإسرائيلي يستند إليهم، وحجم الهجرة بينهم ينبغي أن يثير قلق صناع القرار”.
*ظاهرة امتلاك الجنسية المزدوجة: تعد ظاهرة امتلاك الكثيرين من اليهود جنسية مزدوجة جزءاً من الشعور بالنفي الداخلي الذي يميز قطاعات كثيرة من التجمع الاستيطاني الإسرائيلي، إذ هناك إحساس بـأن هذا الكيان في طريقه الى التفكك ولا سبيل لمنع ذلك.
*انعدام الأمن في داخل الكيان: انتشار الجريمة داخل الكيان الإسرائيلي، وتغلغل التيار المتطرف في الوسط الإسرائيلي وتحكمه في مسارات الحياة وسيطرته على نحو 80% من الحركات السياسية والمجتمعية، خوض حروب عسكرية كالتي شنّت على قطاع غزة في معركة (سيف القدس) ومع ملاحظة تنوع الرد العسكري للمقاومة وغزارة الصواريخ التي امطرت في سماء (تل أبيب)، أسهم في انعدام الأمن الذي يؤرق المستوطنين داخل كيان الاحتلال، مما ساهم كذلك بالهجرة العكسية أو التفكير بها بجدية أكثر من السابق.
*الإخلال بمفهوم الأمن القومي للكيان الصهيوني: اعتبر الإسرائيليون أن التطور الميداني في الجولة العسكرية في معركة (سيف القدس)، ذو أهمية كبيرة بالنسبة لضرب المقاومة مفهوم الأمن القومي لدولة الاحتلال، فلم تعد أي بقعة جغرافية آمنة داخل حدود فلسطين المحتلة، الأمر الذي قد يعيد النظر بصورة إسرائيل النمطية، التي رسختها في الوعي الإسرائيلي والإقليمي والدولي بأنها دولة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، ما يعزز هذه الفرضية ما كشفت عنه صحيفة هآرتس بأن نسبة كبيرة من سكان غلاف غزة وهي (المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة بعمق 20 كيلومترًا)، نزحوا بشكل جماعي إلى مناطق الوسط والشمال خلال الأيام الثلاثة نتيجة فقدان الشعور بالأمان، ما جعلها مناطق أشباح، نظرًا لفرض حظر التجوال فيها تنفيذًا لتعليمات الطوارئ من الجبهة الداخلية.
*تنامي قوة محور المقاومة بالعمل السيبراني: الهجوم السيبراني من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي ردت على الهجوم السيبراني الإسرائيلي على محطات الوقود الإيرانية، وفي نفس اليوم وبعد ساعات من يوم 26/10/2021 اخترقت ايران المنظومة الامنية للجيش الاسرائيلي ومكتب وزير الدفاع الاسرائيلي وأسرار صفحة وزير الدفاع الاسرائيلي ونشرت اسماء وعناوين وأرقام الهواتف وأسرار إحدى اهم الوحدات والالوية الإسرائيلية وبالتفصيل، مما سبب إحباط نفسي للمجندين من قوات الكيان الصهيوني و اصابهم بالرعب والذهول والريبة والخوف.
*تصريحات المحللين والمسؤولين في الكيان الصهيوني: حي كتب احد المحللين السياسيين الإسرائيليين، في مقالة له بصحيفة هآرتس يوم 13 مايو قائلا «وجهتنا يجب أن تكون لأوروبا، وعليهم أن يستقبلونا كلاجئين. أعتقد أن هذا أفضل من أن نؤكل أحياء من قِبل العرب»، كما أعلن المؤرخ الإسرائيلي (بيني موريس) أنه «خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون، ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض (فلسطين)، إما مطاردين أو قتلى ، وصاحب الحظ من يستطيع الهرب إلى أمريكا أو أوروبا».
أما الرئيس الأسبق لجهاز الموساد (شبتاي شافيت)، وهو أعلى منصب أمني في إسرائيل، فقال أنه «قد يجد نفسه يومًا ما يحزم أمتعته، ويغادر إسرائيل»، كذلك(روني دانيئيل) المحلل العسكري الإسرائيلي، وهو الأكثر قربًا لقيادة الجيش الإسرائيلي، لم يتردد في القول إنني «غير مطمئن أن أولادي سيكون لهم مستقبل في هذه الدولة، ولا أظن أنهم سيبقون فيها»، فيما أكد (يارون لندن)، أشهر مقدمي البرامج التلفزيونية الإسرائيلية، قائلا«انا أعدّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأقول له إن نسبة بقائنا في هذه الدولة لن يتعدى 50%، ولمن يغضبهم قولي هذا فإنني أقول له إن نسبة 50% تعتبر جيدة، لأن الحقيقة أصعب من ذلك».
*تغير وجهات النظر في داخل الكيان الصهيوني: فبعد ما كان اليهود ينظرون إلى إيران بأنها عدو بعد قيام الثورة الإيرانية، أصبح البعض من اليهود يؤمن بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الدولة الوحيدة التي تهتم بحقوق الأنسان بشكل حقيقي، مما دفع طائفة كاملة من اليهود، للهرب إلى كندا ثم غواتيمالا لتقديم طلبات اللجوء السياسي في إيران، حيث تفيد ملفّات كشفتها محاكم أمريكية بأن “أبناء الجالية اليهودية التي تدعى ليف طهور (القلب الطاهر) وجّهوا رسائل باللغة العبرية والإنجليزية والعربية إلى السلطات في إيران، طالبين منحهم اللجوء السياسي، وتوفير الحماية لهم، ومنحهم الحقّ في أداء الشعائر الدينية، والحماية من السلطات الصهيونية التي تسيطر على الأرض المقدسة”، في إشارة إلى الكيان الصهيوني، وأظهر اليهود أنفسهم في الكتاب الموجَّه إلى المرشد الأعلى السيد (علي الخامنئي) بأنهم “يهود على ولاء تامّ للرب ولتعاليم التوراة الحقيقية، وهم يحملون لواء الحرب على الصهيونية وسيطرتها على بيت المقدس وعلى الشعب اليهودي، وأنهم يُلاحَقون بسبب إيمانهم هذا”، وذكرة صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن أبناء الجالية تَلقَّوا ردّاً باللغة العربية بأنهم “مدعوُّون إلى إيران”.
وبذلك نفهم إن ظاهرة الهجرة العكسية من إسرائيل نابعة من مجموعة من العوامل، منها أزمة السكن، وسوء الخدمات الصحية التي لوحظة في فترة انتشار فايروس كورونا، وكذلك العامل الاقتصادي فخلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي احتل العامل الاقتصادي النسبة الأكبر للمساهمة في الهجرة، فيما سيطر فقدان الشعور بالأمن على نسبتها الأكبر خلال العقدين الأخيرين، حيث اصبح المجتمع الإسرائيلي ناقما من لغة التهديد لحكومته التي تستخدمها ضد إيران، وهو يرى عجز حكومته عن التعامل مع التهديدات الأمنية من غزة، فمنذ الانسحاب منها زادت قوة المقاومة الفلسطينية، وباتت تشكل تهديدًا وجوديًا للإسرائيليين، ما يدفعهم للهجرة بحثًا عن الأمن، كما أن أحد العوامل الأساسية التي تشجع على الهجرة الخارجية العكسية من إسرائيل يتمثل في عدم القدرة على دمج الهوية الثقافية والقومية ليهود الشتات داخل المجتمع الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال لا يعد يهود (الفلاشا) الإثيوبيين مواطنين من الدرجة الأولى، أسوة بيهود أوروبا أو الولايات المتحدة، مما يخلق صراعًا داخليًا يتطور في كثير من الأحيان إلى اشتباكات مباشرة بين هذه الهويات، ويساهم في زيادة معدلات الهجرة.