ترجمات

بغداد تقترب بسرعة من أنقرة

علي ديني تركماني، موقع الدبلوماسية الإيرانية

هل سيصبح العراق أذربيجان أخرى لتركيا؟

لقد وقع حدث مهم في العلاقات بين تركيا والعراق في الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي لم يلق اهتماماً كبيراً في إيران بسبب تداعيات قضية قراءة أردوغان لقصيدة “أراز أراز”[1] في جمهورية أذربيجان، في حين أن هذا الحدث مهم جداً ويتوافق مع قضية القصيدة تماماً. وبعدها سافر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على رأس وفد إلى أنقرة، واستقبله أردوغان باحتفال صاخب على مستوى رئيس دولة مهمة. وأبرمت خلال هذه الزيارة الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية، وما ينبغي التعبير عنه كخطوط للتعاون الثنائي الاستراتيجي بين البلدين، تم التطرق إليه في مؤتمر صحفي مشترك.

أردوغان: “إن تركيا تولي أهمية خاصة للحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، وهي مستعدة لتقديم أي مساعدة لعملية إعادة إعمار هذا البلد… نحن نعد أطياف الشعب العراقي كافة أشقاء لنا بغض النظر عن الطائفة أو العرق، ويمكننا تحقيق هدف رفع حجم التجارة الثنائية إلى 20 مليار دولار سنوياً… ومن خلال إصلاح خط الأنابيب الذي دمره داعش، نريد ضخ المزيد من نفط كركوك في الأسواق العالمية…. وينبغي أن تكون قضية المياه أرضية للتعاون بين الجانبين، وليس سبباً للصراع”.

الکاظمي: “إن الشركات التركية لها حصة مهمة بالاستثمارات في العراق، ولا نسمح بأي عمل يهدّد تركيا من الأراضي العراقية….. نتطلع إلى مزيد من تطوّر العلاقة مع تركيا ونريد زيادة الشراكة الاقتصادية مع هذا البلد، ولقد وقع العراق اتفاقيات عديدة مع تركيا.” (وكالة أنباء إيسنا، 22 كانون الأول).

إن تركيا -بقيادة القادة السابقين والحاليين إلى جانب السلوكيات غير المقبولة مثل القمع الدموي للأكراد، من حيث تأمين المصالح الوطنية لهذا البلد وتوسيع نطاق نفوذه الإقليمي- أبلت بلاء حسناً جداً دون التورط في أي حرب.

وإذا كان بإمكانها حل قضية المطالب الكردية ديمقراطياً من خلال اجتياز الأيديولوجية الكمالية والقومية المتطرفة، فليس من المستبعد أن تصبح نموذجاً ناجحاً جداً للعالم الإسلامي وغير الإسلامي.

وكانت تركيا في قضية الصراع المسلح الدائر حول إقليم ناغورنو كاراباخ، بالتنسيق مع روسيا، أجبرت أرمينيا على الاستسلام، ووضعت جمهورية أذربيجان تحت سيطرتها أكثر من ذي قبل. وحان الآن دور العراق؛ فهي تعطي العراق امتيازاً حول مياه دجلة والفرات وتحصل على ثلاثة امتيازات مهمة كالآتي:

1- بسط النفوذ الاقتصادي والسياسي في العراق.

2- استدراج العراق للسيطرة على الشريط الحدودي.

3- تقليص النفوذ الإيراني في العراق.

حتى أن السوق العراقية -التي كانت قبل انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي في امتلاك إيران إلى حد كبير وجعلت من الممكن التحايل على بعض العقوبات- من الآن فصاعداً، ستبتعد عن إيران بسرعة أكبر، وسيسيطر عليها منافسون إقليميون، هما: السعودية وتركيا.

وفي آذار عام 2019، ذكرتُ في مقال بعنوان “تحرك العراق البطيء نحو الجبهة السعودية وآفاق العلاقات القطرية السورية مع السعودية”، أن العراق أخذ يفصل ببطء مساره الاستراتيجي عن مسار إيران.

إن تركيا -نظراً للهيكل المتنوع لمنتجات مصانعها ذات الميزة التنافسية العالية- ستفعل الشيء نفسه مع صادرات إيران كما فعلت في آسيا الوسطى. وإذا كان لدى السعودية القدرة على تقديم الدعم المالي المرتفع وتأسيس البنية التحتية وتوفير الملاعب والمستشفيات المتبرع بها، وبإمكانها أيضاً التأثير على الرأي العام العراقي، فإن تركيا قادرة على تلبية احتياجات العراق في مجال السلع الهندسية والخدمات الفنية والمشاركة في المشاريع الاستثمارية لهذا البلد، على وفق المعايير الأوروبية، وهو الأمر الذي ربما سيخلق حلم تحويل العراق إلى تركيا في الرأي العام لهذا البلد، وسيخلق المزيد من الفجوات في العلاقات العراقية- الإيرانية.

تتمتع تركيا ببعض الفهم للسلطة والأمن القومي، بغض النظر عن الانتقادات الموجهة إليها، وقدر الإمكان، لا تقع في فخ المواجهة العسكرية. حيث عندما أسقطت المقاتلة الروسية، اعتذرت رسمياً ومنعت تحول هذه القضية إلى حرب بين البلدين. وهي توجه انتقادات لاذعة لإسرائيل، لكنها لم تذهب بعيداً بما يكفي لقطع العلاقات الدبلوماسية معها. وتتحدى الولايات المتحدة في مختلف القضايا، لكنها تظهر المرونة في الوقت المناسب. وتتدخل في جميع الجبهات والصراعات الدائرة في دول الجوار، لكنها لا تتسبب بصراع مباشر، وتسعى إلى ضمان توفير وحماية مصالحها الوطنية بالاعتماد على نتائج مكونات القوة الوطنية (الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية).

إن حزب العدالة والتنمية هو أنموذج لحزب يمثل الإسلام السياسي، ولكنه على عكس الأصوليين، الذين يتحيزون ضد المعتقدات، وليس لديهم القدرة على الفهم الصحيح للقضايا والتواصل مع مختلف القوى وراء المعتقدات الدينية.

والمشكلة الوحيدة لهذا الحزب وأردوغان، وهي ناتجة عن إرث الهيمنة الكمالية، هي عدم القدرة على التفاعل بنحو صحيح مع الأكراد، حيث إنها تنبع من الارتباط بين الأمن القومي والعرق المناهض للأكراد، وليس الحدود العقائدية.

وفي آفاق العلاقات التركية العراقية، هل يمكن أن نرى العراق على أنه أصبح أذربيجان آخر؟ بالنظر إلى ما قيل، ليس من المستبعد أن تزيد تركيا من نفوذها في هذا البلد بسرعة أكبر وتستقطب العراق معها من خلال تحقيق الرفاهية للشعب العراقي بنحو أفضل.

المصدر: موقع الدبلوماسية الإيرانية

http://irdiplomacy.ir

[1] – “أراز أراز” بيت الشعر الذي قرأه أردوغان للشاعر الأذربيجاني الشهير محمد إبراهيموف، وهو ضمن قصيدة تتحدث عن نهر “أرس” وقيمته التاريخية لدى الشعب الأذربيجاني، وخاصة عند سكان منطقة “أرس”.

الكاتب : قسم الترجمة والتحرير
الموقع :www.bayancenter.org
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2021-01-16 13:04:27

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى