أنيس نقاش | منسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الإستراتيجية.
يلجأ البعض أثناء البحث عن اهداف ومصالح الدول وخاصة العظمى منها للعودة إلى التاريخ لدراسة ورصد مواقفها وكيف تصرفت تجاه الاحداث، للحفاظ على مصالحها ولتحديد العلاقة مع دول الجوار ولتحالفاتها الإقليمية والدولية، والأهم دوافعها لشن الحروب من عدمها.
الدراسة التاريخية مفيدة للعبر ولكن لا يمكن أن تكون محددا للسلوك في كافة المراحل التاريخية الحاضرة والمستقبلية.
أولا كل قرار له علاقة بموازين القوى ، ومن البديهيات أن موازين القوى تتبدل وبالتالي لا يمكن اجترار المواقف بناء لما حصل وما كان عليه سلوك الدول في الماضي.
ثانيا تتبدل مصالح الدول عبر الحركة التاريخية بناء لعدة عوامل ومؤثرات لها علاقة بالديموغرافيا وقوى الإنتاج ووفرة أو شح الموارد الطبيعية. وهذه المتغيرات لا تؤخذ فقط في الحسابات ضمن نطاق البلد الواحد، بل مقارنة وقياسا لما يحيط بهذا البلد أو على الصعيد الدولي من مؤثرات ومؤشرات قابلة للقياس لتحديد موازين القوى.
كانت الهند مصدرا للتوابل للاسواق العالمية وكانت شركة الهند الشرقية مسيطرة على هذه التجارة. لذلك كانت الهند هي درة التاج البريطاني والشركة اقوى من الدولة البريطانية في أحيان كثيرة. ما أهمية التوابل اليوم وهي متوفرة ولم تعد سلعة صاعدة نادرة تجلب الثروات لأصحابها.كما كانت.؟
بعد التوابل ومع ظهور الثورة الصناعية والبواخر التي تعمل على الوقود الاحفوري أصبح النفط هو السلعة الإستراتيجية الأولى في العالم. النفط أعطى للدول النفطية أهمية خاصة وزاد ثرواتها بعد أن كانت في كثير من الأحيان دول طرفية تعيش على الهامش لا أهمية لموقعها الإستراتيجي. وهنا مناورة النفط وأثره في تحديد مراكز الثروة وقوة العملة وخاصة الدولار.
كل هذه الأدلة النموذجية أين كانت في الماضي في التاريخ؟
المؤثر الثالث يتعلق بامتلاك الصناعة المتميزة أو ما يعرف اليوم بالتكنولوجيا الحديثة. أوضح مثال على ذلك في التاريخ الحديث، هو نقل فنلندا من بلد مصدر فقط لمواده الاولية من خشب وورق، وعندما قرر رئيس وزرائها أن الاتصالات هي التكنولوجيا العصرية وعمم علومها في الجامعات أخرجت فنلندا افضل ما عندها وهي شركة نوكيا، التي تعتبر بناء لحجم بلد كفنلندا الصغير ومداخيل نوكيا بمثابة الاكتشافات النفطية في بلدان اخرى.
لذلك فإن دراسة توجهات الدول وأهدافها يجب أن تكون بناء لديموغرافيتها المستقبلية وبناء لمواردها المستقبلية إن كانت طبيعية أو صناعية متوفرة لها أو تشكل حاجة ماسة لها، وبناء عليه يتم التعاطي مع السلوك الحاضر والمستقبل لأي دولة أو قوة محلية ، إقليمية أو دولية.
نحن ندعوا الى دراسة حقائق ومعطيات الحاضر والأهم دراسة معالم المستقبليات . لأن فيها المؤشرات الدالة على السلوكيات وإمكانية التطبيق وتأمين الأهداف.