سامي كليب | رئيس تحرير موقع خمس نجوم
في 16 آذار/ مارس 2003، كان القلق السوري قد بلغ ذروته جراء المخططات والإشارات والتهديدات الأميركية بشأن غزو العراق.
ذهب الرئيس السوري بشّار الأسد للقاء المسؤولين الإيرانيين في طهران. كان اللقاء مع مرشد الثورة السيد علي خامنئي حاسماً وواضحاً في الذهاب صوب مقاومة أميركا في العراق. يتبين من محضر تلك الجلسة أن الأسد قال لمضيفه الإيراني: «لم نكن في بداية الأمر راغبين في الحرب لمعرفتنا بضررها الكبير، لكننا لا نستطيع أن ننتظر مجيئها إلينا، وتعلمون أننا وإياكم الوحيدون في المنطقة الذين نملك قرارنا، وباعتقادنا أن إطالة أمد الحرب هي أهم ما يمكن أن نعمل عليه لأن ذلك سيؤدي إلى إنهاك أميركا وإغراقها أكثر في الوحل العراقي. صحيح أن الكثير من الشعب العراقي لا يحب صدام حسين، لكنه لن يقبل احتلالاً أميركياً على أرضه، ونحن على اقتناع بأن مقاومة ستنطلق ضد هذا الاحتلال ولا بد لنا من التنسيق قبل الحرب لأنه في حال نجحت أميركا في العراق فستصبح إسرائيل هي التي تقرر مصير جميع الدول بما فيها سوريا وإيران وسوف تنتقل الحرب ضد الفلسطينيين وتستهدف القضاء على المقاومة. ونحن نعتقد أنه علينا الآن التركيز على المواطن العراقي غير المرحب بالأميركي وغير المرتبط بواشنطن ولا ينتمي إلى أي جهة، يجب أن نعمل على إفشال أميركا في العراق، وإن لم نستطع هزمها يجب أن نساهم في إبقاء الوضع متفجراً وأن تحصل عمليات استشهادية، ذلك أن أكثر شيء يرعب الأميركيين هو أن نقول لهم إن أبناءكم سيقتلون في العراق».
كان لسان حال الأسد في كل اللقاءات مع خامنئي وذكل مع الرئيس محمد خاتمي، أن الحل هو فقط بالإعداد للمقاومة. وهو إذ وجد بعض الحذر الدبلوماسي عند الرئيس محمد خاتمي حول التركيبة الداخلية العراقي والمعارضة، وفق ما تظهر محاضر الجلسات، فإن مرشد الثورة وافقه تماماً على ضرورة المقاومة.
اعتبر المرشد خامنئي أن المقاومة ودعمها في العراق هما الأساس على الرغم من أن سوريا وإيران كانتا آنذاك على طرفي نقيض مع بعض المعارضة، كما أن دمشق كانت قد بدأت بإقامة علاقات مع العراق حتى ولو أن التقارب مع صدام كان فاتراً أو شبه معدوم بسبب أحقاد الماضي.
معروف أنه قبيل الحرب بفترة قصيرة ذهب رئيس الوزراء السوري محمد مصطفى ميرو إلى بغداد وقدم لصدام حسين سيفاً دمشقياً تعبيراً عن التضامن وطي صفحة الماضي. وما لم تقله الهدية، أوضحه ميرو بقوله لصدام: «إن العدوان على العراق هو عدوان على سوريا»، ثم إن الأسد نفسه استقبل من كانوا بالأمس القريب أشد خصومه في العراق: علي حسن المجيد وطه ياسين رمضان وغيرهما، وفتحت دمشق أبوابها لقادة العشائر ومسؤولين من المعارضة والكرد.
واللافت منذ تلك اللقاءات بين الأسد والمسؤولين الإيرانيين أو التي قام بها أيضاً نائب الرئيس عبد الحليم خدام آنذاك إلى بغداد، أن القلق من الفتنة المذهبية كان الشاغل الأول. كان الأسد يقول لمحادثيه في معظم اللقاءات إن أميركا قد تنجح فقط إذا ما خرقت النسيج الداخلي العراقي ولذلك علينا جمع العراقيين والتواصل مع كل المعارضة. وهو ما كان يقوله أيضاً الإيرانيون وخدام. وهو ما ردده لاحقاً وفي أكثر من خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله معتبراً أن “إسرائيل وأميركا عجزتا عن ضرب المقاومة بالقوة وأنهما ستلجآن إلى تفخيخ العرب والمسلمين بالفتنة السنية الشيعية”.
كان لافتاً أيضاً أنه في خلال لقاءات الأسد في إيران، كان الطرفان على اقتناع بأن المشاريع التفتيتية والتقسيمية تستهدف السعودية إضافة إلى إيران والعراق وسوريا، ولو بنسبة أقل.
كانت تلك الفترة قد شهدت اغتيال محمد باقر الحكيم في آب 2003 وهو ابن السيد محسن الحكيم المرجع الشيعي البارز وهو أيضاً مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. اغتيل بتفجير بعد خروجه من ضريح الإمام علي في أعقاب خطبة الجمعة. راحت الشكوك الإيرانية آنذاك تقول إن خلف الأمر ربما إسرائيل أو أميركا، وهو ما سمعه أيضاً بشار الأسد من المسؤولين الإيرانيين في تلك الزيارة وفق ما تظهر محاضر الجلسات والمحادثات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى محاولة اغتيال الزعيم الكردي جلال طالباني ( أصبح لاحقا رئيسا للعراق) الذي كانت دمشق تنظر إليه بثقة أقل من تلك التي تمنحها لمسعود بارازاني، إضافة إلى عملية اغتيال المبعوث الدولي سيرجيو دي ميليو في عملية تفجير في الشهر نفسه، وهو ما دفع طهران إلى اليقين بأن من اجتاح العراق لا يريد شهوداً على ما جرى وسيجري.
رواية خدّام :
يقول عبد الحليم خدّام نائب الرئيس السوري سابقا في كتابه ” التحالف السوري الايراني والمنطقة” :
توجّهنا، الرئيس الأسد وأنا في 16 آذار عام 2003 الى طهران وأجرينا فور وصولنا مباحثات مع الرئيس الأيراني محمد خاتمي، وهذا أبرز ما ورد في تلك المحادثات:
· الأسد: ماذا نستطيع أن نفعل قبل الحرب بوقت قصير؟ وماذا سنفعل في حال وقوع الحرب، والتي ستدوم لفترة طويلة، وربما لسنوات، ولا أقصد انها ستستقر وأن استقرت الولايات المتحدة الاميركية وحققت الأمن فستنتقل الى ايران وسورية؟
· خاتمي: هذه أسئلة صحيحة وبوقتها. نحن في إيران نفكر دوما بهذه النقاط ودائما مبعوثي ، وخاصة السيد خرازي، خلال اتصالاته مع الأصدقاء، وخاصة السيد خدام، نأتي على ذكر ذلك. اسمحوا لي أن أشرح لكم عدة امور، فحول الموضوعين كان لي لقاءان: الأول مع إيفانوف، والثاني : اتصال مع شيراك. السيد شيراك هو الذي بادر، ودام الاتصال نصف ساعة، والملاحظ من كلا الرجلين أن لديهما قلقا بأن يتم الاعتداء على العراق، وكلا الرجلين كان يذهب بقلقه الى حد الجزم بأن الحرب واقعة قريبا. الرئيس الفرنسي قال اننا مستعدون لاستخدام الفيتو، ولكن أميركا استعدت للحرب وموقفهم ان هذا الاتجاه المعارض سيجعل الحرب اذا وقعت غير مشروعة ولنا الحق بالتصرف بعد ذلك، وقد استند شيراك الى رأيي حيث قلت ان الغارات الجوية قد تكبد العراق وشعبه خسائر جسيمة، ولكن لا تؤدي الى سقوط صدام، لذلك سيكونون مرغمين على خوض حرب ذرية، وانا اخمّن واقدّر ان الجيش العراقي والحرس الجمهوري سيقومان بالدفاع عن المدن.
اعتقد انه اذا قصُر أمد الحرب، فان اميركا ستربح، واذا طال فهي ستخسر، يكفي ان يعود الجنود الأميركيون الى بلادهم فينقلب الرأي العام الأميركي ضد بوش وسياسته، لذلك انا لا اعتقد ان هذه الحرب يُمكن انهاؤها أميركيا، لكن هناك نقطة غموض باقية، ذلك اننا لا نعرف مدى استعداد العراقيين للمقاومة والصمود. أنا لا أريد ان نسمح بوقوع الحرب، لكن اذا وقعت فلا بد من منع أميركا من الانتصار . فماذا علينا أن نفعل؟
وهنا أكرر سؤالي : كيف ترون الوضع في حال وقوع الحرب بالنسبة لصمود الشعب العراقي، وبخاصة حرب المدن لأنه ان طالت ستكون الاضرار أكثر ؟
الأسد: لو كان من يُحارب غير الأميركان، لكان سقوط صدّأم اسرع، لكن الحماقة تحكم الأميركيين، فهم قالوا بأنهم سيحسمون الحرب خلال أيام أو أسابيع، لقد حصروا انفسهم بهذا الزمن دون داعٍ، فلو سألنا العراقي من تكره أكثر أميركا أم صدّام؟ ثمة من يقول صدام ولكن الاحساس العام هو ان الشعب العراقي سيقاتل مع صدّام، لذلك اعتقد ان مجموعة العراقيين يهتمون بجانب وآخرين في جانب آخر.
ثم هناك شيء آخر، فالأميركيون سيقتلون أعدادا كبيرة من العراقيين، عندها سينسى الشعب ان هناك صدام حسين. اما بالنسبة للحرس الجمهوري والحزبيين المحيطين بالنظام، وانا أتكلم هنا عن الحرس القريب، فيوجد عدد كبير من القيادات السياسية والعسكرية يمكن تقسيمها الى نوعين: الأول مستفيد من النظام ، والثاني مرتكب لجرائم وإعدامات. أميركا لم تترك لأحد من هؤلاء فرصة، فهي أصدرت لائحة تضم 1700 معارض يُمنع دخولوهم الى العراق، وتكلمت عن حاكم عسكري للعراق ، ولكن بعد أيام سيكون الجميع ضد أميركا.
خاتمي: كل المعارضة تقف اليوم ضد أميركا، علينا دفع السنة والشيعة الى تجاوز الخلافات.
الأسد: نحن أكثر دولة تقف مع صدّام، وهو أقل دولة تنسق معنا، وهو نظام غريب يعيش في عالم آخر…. لكن نحن كسوريين وإيرانيين كيف نتعامل مع المعارضة؟ من الضروري استيعاب المعارضة في الخارج، ولكن لا نستطيع أن يكون لها دور، نحن بحاجة لعلاقات أوسع في داخل العراق، بالنسبة لنا في سورية العلاقة ضعيفة بسبب عدم وجود الثقة بين نظامينا ولكن هناك علاقة مع المعارضة .
خاتمي : ان أكبر رهان على المعارضة الآن هو أن أميركا عاملتهم بطريقة سيئة، والكل أبدى انزعاجه من تصرفاتها بمن فيهم أحمد الشلبي، القريب جدا من أميركا، هذا الأمر ساعد في عودة الجميع الى رشدهم والتقليل من العمل في الاتجاه الطائفي. ان لتركيا دورا كبيرا في هذه المرحلة، رغم التزاماتها تجاه أميركا، الا أنني الاحظ من الجماعة التي تحكم انها تميل للعمل معنا ومع العالم الاسلامي ، يجب علينا ان نكون حذرين من قيام دولة كردية ولا بد من تكريس الفكرة القائلة بأن أكراد إيران هم إيرانيون، وأكراد العراق عراقيون، وأكراد تركيا أتراك، وفي هل المجال لا بد من طمأنة الاتراك وتبديد مخاوفهم.
الأسد : في المعارضة العرقية حالتان، واحدة وصلت لمرحلة النضج ولن تتعامل مع أميركا والثانية هرولت باجاه أميركا عندنم أومأت واشنطن لها ، هؤلاء ان وصلوا الى الحكم لن يتعاملوا مع سوريا وايران ، بل سيكونون في الجانب الأميركي ضدنا، لذلك لا بد من توسيع العلاقات وخلق عناصر اخرى للتنسيق.
خاتمي : برأيك ماذا ستفعل السعودية؟
الاسد: الأمير عبدالله قبل قمة الشيخ وقبل انعقاد الاجتماع ، ارسل مبعوثا قال ان السعودية لا ترغب بعقد القمة لأن الوقت غير مناسب، وعندما طلبت أميركا من مصر الدعوة للقمة ذهبت وكان اسم الأمير عبدالله على جدول الكلمات ولكنه لم يلق كلمته لأنه لا يريد ان يتحدث ، أراد الحضور فقط
خاتمي: نعم، فقبل ثمانية أشهر كان هناك اجتماع رفضته السعودية. وانا أرى ان عقد اجتماع ثلاثي على مستوى وزاري وبعده قمة سيكون له أثر كبير سواء وقعت الحرب أم لا ، وسواء انتصرت أميركا أم لا ، وعلينا التفكير بالموضوع من الآن. سبق لنا واقترحنا موضوع 5+6 أي اجتماع يضم خمسة اعضاء من مجلس الأمن وست دول مجاورة للعراق، وقد رحّب الأمين العام بهذه الفكرة ولكنها لم تتحقق، هل يمكن طرح فكرة اليوم وخاصة بعد المواقف التي تتخذه كل من فرنسا وروسيا والصين؟
(هنا يتدخل السيد خرازي ليقول) : الرئيس خاتمي طرح فكرة الوفاق الوطني .
خاتمي: المشكلة ان هذه الفكرة لم تُعجب أحدا.
الأسد: ان كان الطرح هو المفاوضات بين الأطراف فالوقت غير مناسب ذلك أن كل واحد سيسعى ليأخذ أكثر، وسيتم التناحر بين القوميات، وسيظهر للعالم ان الموضوع داخلي وليس موضوع عدوان، نحن نريد التركيز على العدوان.
خاتمي : بالنسبة للحرب ، فان اميركا تتعامل بقوة ، وربما لديها مشاريع وخطط، هل انتم مطمئنون الى امكانية قيام الجيش بعمل ما في الداخل؟ ان انتصرت أميركا بسرعة سيكون الأمر صعبا.
الأسد : الحل هو في المقاومة .
خاتمي : اذا وقعت الحرب؟
الأسد : يجب الاعداد للمقاومة قبل الحرب .
خاتمي : لا بد من وجود عدة اهداف : أولا لا نريد وقوع الحرب، ثانيا ان وقعت فلا نريد ان تنتهي بسرعة، وثالثا علينا التفكير بمستقبل العراق، يجب العمل والتنسيق لتحقيق هذه الأهداف ، ولا بد من التباحث حول كيفية التعامل مع المعارضة.
الأسد: ما هي علاقتكم بالعشائر .
خاتمي : لو توجد علاقات بيننا لكني اعتقد ان للمعارضة اتصالات مع العشائر ولها ارتباطات بها .
الأسد : سيكون التعامل صعبا الى حد ما . اننا لا نريد الحرب لانها ضارة للجميع ولكن من غير المعقول ان نجلس وننتظر مجيئها الينا لاحقا.. الشعب العراقي لا يقبل الاحتلال الاميركي وبغض النظر عن صدام فان المقاومة المسلحة ستبدا، ولا بد من البدء بالتنسيق قبل الحرب، لان نجاح أميركا في العراق يعني انتقالها الى فلسطين والقضاء على المقاومة هناك، وهذا يعني ان اسرائيل هي التي ستقرر مصير جميع دول المنطقة.
خاتمي : أشكركم على هذا التحليل الصادق والعميق، لقد استفدت منه، ودائما آراؤكم صادقة وموضوعية. أميركا تشكل خطرا دائما علينا، ويتزايد هذا الخطر عندما تتواجد في المنطقة، ولا سيما ان أيادي الصهاينة واسرائيل موجودة بوضوح ، وذلك عبر وجود حملة اميركية صهيونية ضد سورية وايران والى حد ما ضد السعودية. لذلك يجب انهاء الاحتلال واقامة نظام حر في العراق. اميركا ستعمل على اثارة الفتنة والفرقة بين الشرائح الدينية والمذهبية في العراق.
هذا مختصر لقاء الأسد خاتمي ، وهو يشير بوضوح الى أن الرئيسين كانا يعتقدان بان الحرب ستطول وبأن المقاومة العراقية ستتفاعل وان الجيش والحرس الجمهوري سيصمدان ولن يسقط صدام. لكن تبيّن ان كل هذا التحليل سقط بسبب سرعة اسقاط صدام حسين والقبض عليه، فربحت أميركا الحرب وتحقق القلق من الفتنة الكبرى التي ما تزال تُمعن تفتيتا في الجسد العربي حتى اليوم.
يقول عبد العزيز الخيّر المعارض الماركسي ( الذي ما يزال حتى اليوم مُعتقلا) : «جاء احتلال بغداد في سياق مشروع الشرق الأوسط الكبير ليرفع المخاطر والتهديدات إلى مستوى شديد السخونة، وليتبعه بلا إبطاء تفاهم أميركي-فرنسي على تغيير الوضع في لبنان ومباشرة الضغوط والحصار على النظام لإخضاعه سياسياً واقتصادياً للمشروع الجديد بلا قيد أو شرط، كحلقة يتعين إسقاطها لإسقاط سائر حلقات المحور الذي يندرج فيه مع إيران وحزب الله وحماس، ذلك المحور الرافض لمشروع الشرق الأوسط الكبير. وقد استمرت تلك الضغوط حتى نهاية العام 2008 عندما فشل العدوان على غزة في إسقاط حماس كما فشلت محاولة استئصال حزب الله في لبنان عام 2006».