بطرس الحلاق وزيراً للاعلام السوري
نبيه البرجي | كاتب وباحث لبناني
لم يسبق أن التقينا بالرجل الآتي من العالم الأكاديمي. سألنا زملاء، وطلاباً، له. قالوا فيه الشخصية الخلاقة، والديناميكية، والدمثة. الأهم أن باستطاعته الدخول الى العقل الآخر، كضرورة سورية قصوى في مسار الصراع الاستراتيجي مع برابرة القرن ان أتوا من ناطحات السحاب أو أتوا من الأقبية.
اذ واجهت سوريا حرباً عسكرية قد تكون الأكثر عتواً، والأكثر تعقيداً، والأكثر ضراوة، في التاريخ، واجهت، وما زالت تواجه حرباً اعلامية انفقت عليها المليارات ان من قبل الأشقاء، أو من قبل الأعداء، وبعدما كان هناك من يراهن على أن ترفرف نجمة داود على ضفاف بردى، وعلى أن تنغرز الراية العثمانية في صدر محيي الدين بن عربي.
كصحافي لبناني تعنيني سوريا، وأهل سوريا، كما يعنيني الدور السوري في التصدي لتلك الظواهر التي طالما قلنا انها الآتية من ليل الصفيح، ومن قاع الصفيح. وبعيداً عن ثقافة التزلف، وثقافة الزبائنية، الشائعة هذه الأيام، نقول، ونقلاً عن الاساتذة والطلاب اياهم، ان وزير الاعلام الجديد بعيد، كلياً، عن الضحالة، وعن الانغلاق، وعن المزاجية الفارغة (والكاريكاتورية)، وايضاً عن اللغة الخشبية التي لم تعد، في أي حال، لغة العصر…
المهم أن الدكتور الحلاق، وتبعاً لم نقل الينا، يتابع ما يكتب، وما يقال، عن بلاده، وعن المنطقة، كما أنه على تماس مع النظريات الحديثة ان في تطوير البنية الفلسفية، أو في تطوير البنية التقنية، للاعلام، في قرن قد نشهد فيه الانتقال من الزمن الى … ما بعد الزمن !
ومن الموقع الذي يعرفني به الرئيس بشار الأسد، أشير الى أن هناك في العالم العربي، وحتى في الدول التي شاركت في صناعة ذلك السيناريو الجهنمي على الأرض السورية، اعلاميون بارزون يتعاطفون مع الدولة السورية ومع الدور السوري، لا بل أنهم يتعرضون للملاحقة وللتنكيل، وبطبيعة الحال لقطع الأرزاق، ما دام المفهوم القبلي (والببغائي) للاعلام يتقدم على المفهوم الرؤيوي والابداعي للاعلام.
لا ريب أن سوريا عرفت وزراء للاعلام أدركوا حساسية التواصل ليس فقط مع الصحافيين على امتداد القارة العربية ، وانما أيضاً في عمق العالم الغربي، لكنها عانت من وزراء آخرين (وزراء الصدفة ؟) الذين لا يطلّون حتى على الشارع من نوافذ مكاتبهم. حالات بشرية هجينة في زمن قد يتجاوز مفعول الكلمة فيه مفعول القنبلة.
هذا ما نأمله من الدكتور الحلاق. نعلم ما هي امكاناته قبالة الأرمادا الضاربة لدى الآخرين، بأدمغة، وألسنة، الأفاعي. ما نقل الينا أن الرئيس الأسد قرر أن يتجاوز التوصيات، والاقتراحات، وأن يبحث بنفسه عن وزير للاعلام لا يقتصر دوره على الدفاع عن المواقف السورية بجرأة، وعقلانية، وبقوة، وانما يعلم كيف ينقل القضية السورية الى من هم جاهزون للاصغاء، وللبحث عن الحقيقة.
ألا نلاحظ كيف أن العديد من وسائل الاعلام العربية، والعالمية، تضج بتلك الوجوه التي أقرب ما تكون الى … القباقيب البشرية.
سوريا، بما تمثل، التي لو سقطت لسقطت قضايا العرب، وآفاق العرب، الى الأبد. الآن تتعرض لحصار اقتصادي مروع ويتوخى احداث تصدع دراماتيكي داخل المجتمع السوري الذي تحمّل، ويتحمل، ما لا تستطيع الجبال تحمله، لأنه رفض أن يلتحق بالراقصين (حفاة الرأس، وحفاة القلب) حول حائط المبكى.
ألسنا في لبنان، وقد رفضنا «صفقة القرن» التي هي «صفقة الأبالسة»، ندفع الثمن حصاراً لا يقل هولاً عن حصار سوريا. هكذا قيل لنا «اما سوريا والخراب، أو اسرائيل والازدهار». يا للغباء حين نراهن على الانسان (وعلى الله) لدى «الحاخامات» !
اخترنا سوريا لأنها الشقيقة، ولأن أهلها أهلنا، ولأنها القضية، ولأنها الدور …
من هذه النقطة بالذات، اذ ندرك أي نوع من الأيدي يمسك بالاستراتيجية السياسية، والاستراتيجية العسكرية، يبقى أن نعلم أي استراتيجية اعلامية يضعها الوزير بطرس الحلاق. ليس رهاناً دونكيشوتياً على المستحيل. ألم يكسر السوريون …
المستحيل ؟!