الدكتور عمران زهوي | كاتب وباحث سياسي لبناني .
إرهاصات الحرب الباردة بدأت تطل برأسها وصوت طبولها، وصل الى كل العالم ليس بداية من الاقطاب التي فرخت في انحاء العالم (روسيا والصين) وأصبحت متجذرة في بعض الأقاليم بصوره جلية خاصة نتيجة سياسات ترامب الغبية والإستبدادية، فاينما أخفق الأميركي أطل الروسي والصيني ومدوا شرايينهم بغطاء إقتصادي صيني ونفوذ عسكري روسي، وطوراً بتقاطع المصالح مع بعض الدول.
فلنقرأ خطاب بايدن الذي اتخذ من منبر وزارة الخارجية الأميركية أول خطاب له بعد توليه سدة الرئاسة، وذكر في خطابه أمرين اساسيين وهما:
الأول: لمّ الشمل على صعيد الساحة الداخلية لإعادة ترتيب البيت الداخلي وإعادة الثقة بين المواطنين والحكومة المركزية، وبدأ هذا جلياً، إذ أن تركيبة فريقه لم تخلو لا من الهنود الأميركيين الأصليين واللاتين والعرب والافارقة، بل كانت يده ممدودة حتى إلى أخصامه من الحزب الجمهوري.
الثاني: لحل الأزمات سيتّبع مبدأ الدبلوماسية وكرر الكلمة اكثر من عشرين مرة، وإعادة إحياء دور الحلفاء الذين همش دورهم ترامب.
من هنا يظهر الرئيس الأميركي جو بايدن عدائية حادة لنظيره الروسي، ولا يمكن التعامل مع هذه العدائية على أنها مزاجية عابرة. وبعد اتخاذ الرئيس السابق دونالد ترامب الصين كعدو رئيسي له، عاد بايدن «إلى التحديد التقليدي للعدو الجيوبوليتيكي على أنه روسيا. أميركا سلطانة البحار وبالتالي خصمها الأساسي موجود في العمق القاري لأوراسيا». وقال بايدن ايضاً على لسان وزير خارجيته انتوني بلينكن أن «الصين تشكل التحدي الأكبر للولايات المتحدة وأن الأخيرة ستعتمد تجاهها نهجاً أكثر صرامة» من النهج الذي اتبعه الرئيس السابق دونالد ترامب، وما يعنيه ذلك المزيد من العقوبات الإقتصادية والحروب التجارية والخلافات والاستقطاب على الساحة العالمية.
إنطلاقاً مما ذكر وبما أن الأمن القومي الاميركي يهدده فقط الصين وروسيا وليست ايران، قام الأميركي بإعادة التموضع من غرب آسيا وسحب جيشه إلى بحر الصين الجنوبي ومضيق ملغا والمحيط الهادئ والهندي، وحول منطقة اوراسيا.
بقراءة موضوعية لهذا التحرك والخطاب نرى أن الأميركي لم يعد يستطيع أن يحكم العالم كقطب أوحد، لا بل اليوم وانطلاقا من الهجوم الإعلامي والعقوبات على روسيا وبعض الكيانات أو الشركات الصينية ما هو إلاّ دليل ضعف لعدم قدرته على فرض ما يريد، وفي ظل مشاكل المنطقه من اليمن والعراق وسوريا والخوف من القوة الكبيرة (صواريخ بالستية) لدى المقاومة في لبنان والقوى الصاروخية والتوحد لدى بعض الفصائل الفلسطينية والمناورات (الركن الشديد) خير دليل على ما نقول. لم يستفق بايدن من هول المشاكل التي ورثها من ترامب في الداخل والخارج حتى جاءت جوله لافروف وقوله ان على الدول ان تتعامل تجارياً بعملاتها المحلية، ما لبث أن يتنفس حتى أتته القنبلة النووية الجديدة وهي الاتفاق بين الصين وإيران بمبالغ وصلت لأكثر من 450 مليار دولار لمده 25 عاما، والذي يجعل من كل العقوبات الأميركيه مجرد حبر على ورق وغير مؤثرة، وبداية انطلاق حلف جديد بين الصيني والروسي والإيراني وما هو إلا إعلان واضح بأننا أيضا كأقطاب لدينا استراتيجياتنا واهدافنا وقرع طبول الحرب ومن جهة أخرى فقدان وخسارة الأوروبي لكل هذه الاستثمارات التي منعه عنها ترامب ومن هنا على ماذا سيندم الاوروبي؟ وهل سيعيد التفكير في المستقبل الاقتصادي؟ مما سيضطره لإعاده تموضع بعيدا عن المظلة الاميركية؟ الروسي فرض نفسه لاعباً أساسياً في المنطقه، وها هي الدول الأكثر تشددا لسوريا تتحدث عن عودة سوريا الى الحضن العربي وإعادة إعمارها ومشاركة دول الخليج أيضا والامتيازات النفطية للروسي في سوريا ودعوة حزب الله الى موسكو وجلوسه مع الدوما وما يجري في اليمن والعراق، أليست كلها مؤشرات بأن الحرب بدأت وسيعمل الروسي مع الحلفاء على ضرب الأميركي في المنطقة لإحراجه وإخراجه من غرب آسيا، وصولا إلى المحافظة على حلفائه والأهم هو الكيان الغاصب والذي يتماشى مع الروسي اذ لديه مليونا يهودي سوفياتي… فهل سيعمل الروسي على انهاء ملف الجولان مثل (ناغورني كاراباخ)! يعني الحرب بدأت بتشكيل قوة لا يستهان بها روسية، صينية، وإيرانية في وجه الأميركي؟! عداك عن دور التركي الذي هو حليف الاميركي والصهاينة وليس بعيدا عن الايراني والروسي خاصة مصالحه بالملفات المتشعبة من سوريا الى العراق وليبيا، ويريد حصة بالنفط والغاز وخاصة ان يكون نقله الى اوروبا من خلاله. فالنفوذ والسيطرة على منابع النفط والغاز ونقله الى اوروبا مستعد ان يدفع الروسي ما يستطيع ليستحوذ عليه. لذلك على الجميع التفكير جيداً بمصالحهم وتموضعهم في هذا المعسكر أو ذاك.