تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية .
بدأت الدلائل تزداد يوماً تلو آخر على وجود سياسة أميركية ممنهجة لفرض حرب باردة جديدة تقودها إدارة جو بايدين ضد الصين وروسيا، وتستند إلى مبدأ فرض العقوبات على بعض شركات وكيانات هاتين الدولتين بحجة عدم خضوعهما للشروط الأميركية أو بسبب منافستهما لصناعاتها وخدماتها في السوق العالمية.
وكعادتها لا تتورع الإدارة الأميركية عن توظيف كل ما يمكن من وسائل التحريض والتشهير بمؤسسات الصين وروسيا لتبرير سياستها هذه وهي لم تختلف عن إدارة الرئيس دونالد ترامب السابقة في هذه الإجراءات، فعلى سبيل المثال استند بايدين إلى قانون تبناه ترامب وأقره الكونغرس في عام 2019 وقرر بايدين بموجبه فرض عقوبات على خمس شركات صينية متخصصة بإنتاج معدات وخدمات تكنولوجية للاتصالات واتهمها بتشكيل «خطر على الأمن القومي الأميركي».
وسارعت إدارة بايدين إلى استغلال مؤتمر سيعقد في ألاسكا في 18 آذار الجاري لمدة يومين تشارك فيه الصين وهددت بأنها ستقوم بتصعيد حملاتها في مؤتمر ألاسكا على الصين وتتهمها «بإبادة شعب» زاعمة أنها تشدد إجراءات أمنية على حركة وحياة جالية الإيغور الصينية المسلمة.
ويبدو من الواضح أن إدارة بايدين تسعى إلى تشكيل عدد من التحالفات الدولية بقيادة أميركية لزيادة الحشد الدولي ضد الصين وروسيا في الساحة العالمية، فقد عملت على تمتين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا بحماية أميركية لتطويق الصين في القارة الآسيوية والجوار الصيني، وفرضت على غرار ما فعله ترامب زيادة المبلغ الذي تدفعه كوريا الجنوبية مقابل حماية القوات الأميركية المنتشرة على حدودها مع كوريا الديمقراطية.
وبالمقابل يجد بايدين أن الباب مفتوح لتصدير الأسلحة الأميركية والتكنولوجيا العسكرية للهند لكي تنشغل الصين وباكستان بنزاع مع الهند من دون أي اهتمام بحقيقة أن باكستان كانت تعد من الدول الحليفة لواشنطن أثناء الحرب الباردة السابقة على الاتحاد السوفييتي وكتلة الدول الاشتراكية، فهو سيقوم باستغلال تناقض المصالح الهندية مع الباكستان لتجنيد الهند ضد الصين التي تتمتع بعلاقات جيدة مع باكستان، وهذه العملية لن تقتصر على تلك المنطقة فقط بل هناك من يرى في الولايات المتحدة أن على بايدين الاستناد إلى الدول الإسلامية في آسيا وإفريقيا في استعداداته المتسارعة لتطويق الصين وتهديدها، وسوف يستعين لهذا الغرض بدور منظمة دول التعاون الإسلامية ومقرها في السعودية التي تتمتع بنفوذ فيها، ولن تتردد إدارة بايدين في توظيف أموال السعودية ودول النفط الثرية في استخدام أموالها من أجل إيجاد جبهة دول إسلامية تتبنى الخطاب التحريضي ضد الصين تحت شعار حماية المسلمين الصينيين من السلطات الصينية إضافة إلى ذلك ستتعاون الدول الأوروبية مع واشنطن في هذه السياسة وخاصة بريطانيا التي ستتطلع إلى استعادة نفوذها الإمبريالي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وبالمقابل من المؤكد أن تدفع هذه السياسة الأميركية على الساحة العالمية الصين وروسيا إلى تعزيز متانة ودور منظمة شانغهاي للتعاون الاقتصادي وتوسيع عدد أعضائها لقطع الطريق على واشنطن وإحباط خطتها في توظيف الهند ضد الصين وباكستان وروسيا.
ويزداد في هذه الأوقات دور الدبلوماسية التي تديرها روسيا والصين في الشرق الأوسط ومنطقة آسيا بين عدد كبير من الدول وتشجيعها على إدارة سياسة مستقلة عن الحرب الباردة التي تنوي واشنطن جر دول كثيرة إلى دائرتها على حساب مصالح شعوب هذه الدول، ومن الواضح أن هذه الدبلوماسية لا يمكن الاستهانة بها لكونها مستندة إلى تزايد القدرات الاقتصادية والعسكرية للدولتين العظميين وقدرتهما على حماية السلم العالمي وتفويت الفرصة على واشنطن وسياستها في فرض العقوبات والأحكام الأحادية الجائرة على دول العالم.
ويبدو أن واشنطن بدأت تعد حساباتها العسكرية للصين حين قرر بايدين زيادة الميزانية العسكرية لدرء خطر القوة البحرية الصينية وخصص 100 مليار دولار لتعزيز القدرات الصاروخية النووية، ولا شك أن هذه الاستعدادات المعلنة ستحمل معها مضاعفات على منطقة الشرق الأوسط التي تشكل فيها أطراف محور المقاومة القوة المناهضة للهيمنة الأميركية ولسياسة الحروب العالمية الإمبريالية، وهي تمتد من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط إلى حدود دول آسيا الوسطى المتاخمة للصين وروسيا، ولذلك من الطبيعي أن تشكل سياسة محور المقاومة في موضوع الصراع العالمي والحرب الباردة الجديدة دوراً مهما في حصانة هذه المنطقة والمحافظة على مصالح شعوبها من أخطار سياسة عدوانية تريد بوساطتها إدارة بايدين توظيف الدول الإسلامية والمجموعات الإرهابية كعادتها على الساحة العالمية ضد الصين وروسيا وحلفائهما في العالم بعد أن أحبط محور المقاومة الحرب الإرهابية على سورية وإيران وحلفائهما في المنطقة، وهل ينسى العالم الإسلامي أن واشنطن وافقت على ضم القدس لإسرائيل متحدية جميع المسلمين في العالم؟