مرصد العدو .
د. فرانك مسمار | خبير في الشؤون المالية والإدارية وباحث غير مقيم في مركز السادات – بيغن.
يبدو أن الجمهورية الإسلامية وصلت إلى خلاصة مفادها أن رغبة الإدارة الأميركية الجديدة في إعادة إحياء الاتفاق النووي يمنحها تفويضاً للقيام بعمليات استفزازية عنيفة. على سبيل المثال، في 16 شباط/فبراير 2021 شنت طهران هجوماً صاروخياً على مطار أربيل الدولي أدى إلى مقتل متعهد أميركي وجرح عدد من الأميركيين والمدنيين العراقيين. في 25 شباط/فبراير هاجمت إيران باخرة شحن يملكها إسرائيلي في الخليج الفارسي.
السعودية التي تتخوف من التحول في السياسة الخارجية الأميركية تبذل جهودها من أجل تحسين علاقاتها مع إدارة بايدن. فقد أنهت خلافها مع قطر، وأفرجت عن عدد من الناشطين المعتقلين، بينهم لجين الهذلول التي قادت حملة للسماح للمرأة السعودية بالقيادة، وكانت اعتُقلت في سنة 2018.
على الرغم من هذه الجهود لا توفر إدارة بايدن انتقاداتها للسعودية. فقد أعرب مسؤولون في الإدارة عن قلقهم إزاء تورُّط ولي العهد محمد بن سلمان في عملية إسكات خصومه من العائلة المالكة، وتوقيف عدد من رجال الدين والنشطاء، ومشاركته في أعمال قتل محددة. وذكرت الناطقة بلسان البيت الأبيض جين باسكي أن الولايات المتحدة تتوقع من السعودية تحسين سجلّها في الدفاع عن حقوق الإنسان، والذي يجب أن يشمل إطلاق سراح ناشطات من النساء ومعتقلين سياسيين.
كما قررت إدارة بايدن الكشف عن تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية بشأن مقتل جمال الخاشقجي، التقرير الذي رفضت إدارة ترامب الكشف عنه. وجمّد بايدن موقتاً بيع أسلحة للسعودية قيمتها 478 مليون دولار، وانتقال الطائرات الحربية المتطورة والسلاح الدقيق إلى المملكة. وفرض وزير الخارجية أنتوني بلينكن قيوداً على تأشيرات 76 شخصية سعودية متورطة في تهديد المنشقّين ما وراء البحار، بينهم جمال الخاشقجي.
إن رغبة إدارة بايدن في إعادة الحوار مع إيران بشأن الاتفاق النووي تتطلب دعماً إقليمياً، لكن تجميد بيع السلاح يبعث برسالة غير صحيحة إلى السعودية وسائر دول الخليج. فقد جمّدت الإدارة الأميركية صفقة بيع الإمارات خمسين طائرة من طراز أف-35 و18 مسيّرة من طراز Reaper بمبلغ 23 مليار دولار، كان الرئيس دونالد ترامب وافق عليها في الخريف الماضي لتشجيع أبو ظبي على تطبيع علاقتها مع القدس كجزء من اتفاقات أبراهام التي تُعتبر من أهم إنجازات الرئيس ترامب.
بدأ التراجع في العلاقات مع السعودية بسحب الدعم الأميركي للعمليات العسكرية التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية ضد حركة الحوثيين في اليمن المدعومة من إيران. تلا ذلك رفع اسم تنظيم الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي قامت به إدارة ترامب كجزء من حملة الضغوط التي تمارسها على إيران.
بات من الواضح أن الرئيس بايدن يحاول جاهداً العودة إلى الاتفاق النووي الفاشل في خطوة دبلوماسية غير صحيحة. ويبدو أنه يتفق مع إيران على رفع الحظر عن الأسلحة، تطوُّر من شأنه أن يشكل انتصاراً كبيراً لطهران على الولايات المتحدة وحلفائها، بينهم إسرائيل والدول السنية والقوى الإقليمية. إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران (2015)، فإن هذا سيقوض التقدم الذي حققه تطبيع العلاقات بين الدول العربية والقدس.
الحصيلة المباشرة لمحاولات بايدن التقرب من طهران كانت تصعيد أعمال العنف والاستفزازات الإيرانية. في تقدير مسؤولين أمنيين إسرائيليين أن الحرس الثوري هو وراء الهجوم الصاروخي على الباخرة هيليوس راي في الخليج الفارسي. استهداف باخرة إسرائيلية هو رسالة واضحة من طهران موجهة إلى القدس وواشنطن: إيران ستجعلهما يدفعان الثمن معاً إذا لم تحصل على ما تريده من إدارة بايدن.
يقول مسؤولون إسرائيليون أنه بغض النظر عمّا ستفعله واشنطن بالاتفاق النووي فإنهم سيبذلون كل ما في استطاعتهم لمنع حصول إيران على سلاح نووي. في مقابلة أجرتها محطة 13 مع رئيس الحكومة قال نتنياهو: “أخبرت بايدن أنه مع اتفاق، أو من دونه، واجبي كرئيس حكومة للدولة اليهودية الحؤول دون حدوث الفظائع التي تعرّض لها شعبنا.”