كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
بعدما خلع كلّ من الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل آخر «القفّازات»، وصارت المواجهة بين العهد والرئيس المكلف مكشوفة ومنقولة على الهواء مباشرة… تلاحقت التساؤلات عن مصير التكليف والحكومة، ومستقبل العلاقة بين أطراف النزاع؟
بعد فيديو بعبدا الذي تضمّن اتهاماً صريحاً للحريري بالكذب، وبعد تأكيد باسيل أنّ الرئيس المكلف لا يؤتَمن وحده على الإصلاح، بَدا واضحاً انّ كيل العهد ورئيس ««التيار الوطني الحر» قد طفح، وانهما قررا استخدام أظافرهما للخروج من الزاوية التي حاول الحريري ان يحشرهما فيها، عندما رفع تشكيلته الوزارية الى رئيس الجمهورية ووَضَعه، وفق تقديرات بعبدا، بين خيارين أحلاهما مر، فإمّا رفضها وتحمّل تبعات ذلك أمام الداخل والخارج، وإمّا قبولها والخضوع الى الأمر الواقع.
على المقلب الآخر، يتهم القريبون من الحريري رئيسي الجمهورية والتيار بأنهما «يحتجزان» الحكومة في زنزانة المصالح الشخصية والفئوية، ويفتعلان أزمة صلاحيات وحقوق من دون أي مبرر، مؤكدين انّ الحريري مصرّ على عدم التراجع، لا عن التكليف ولا عن مقاربته للتركيبة الحكومة، مهما اشتدت الحملة عليه.
وهكذا، غادر الحريري، غداة الفيديو المسرّب، الى دولة الإمارات العربية المتحدة محتفظاً بورقة التكليف في جيبه، وكأنّ لسان حاله يقول: «ما رَح خلّيكم تاكلولي راسي».
في المقابل، تعتبر اوساط بارزة في التيار انه لا يجوز أن يتعاطى الحريري مع «فيديو المصارحة» على قاعدة وجوب تحصيل كرامة شخصية، بل يجب أن يتصرف كمسؤول مُطالَب بالترفّع عن مزاجه الفردي وإعطاء الاولوية للمصلحة اللبنانية العليا.
ومن المعروف انّ ««التيار الوطني الحر» لم يكن يؤيّد أصلاً تكليف الحريري، ولذلك امتنع عن تسميته خلال الاستشارات النيابية الملزمة. وبالتالي، لم يكن هناك داعياً لانتظار إطلالة باسيل الأخيرة حتى يفترض البعض انه استطاع ضَبطه بجُرم عدم الاقتناع بأهلية الحريري لتولّي رئاسة الحكومة، وفق أوساط ميرنا الشالوحي، التي تلفت الى انّ «كل التجارب مع رئيس تيار «المستقبل» أثبتت انه لا يمكن ائتمانه على الإصلاح، فهو لم يهتم بتنفيذ موجبات سيدر عندما كان رئيساً للحكومة، ولم يطبّق ورقة الإصلاحات التي تلاها بنفسه بعد انتفاضة 17 تشرين قبل أن يعود ويوجّه اليها ضربة قاضية مع استقالته».
وحتى المبادرة الفرنسية التي يتسلّح بها رئيس «المستقبل» في مواجهة عون وباسيل، تَلقّت صفعة وانتكاسة بمجرد تكليفه، تِبعاً لاستنتاج أوساط التيار، «إذ انها تلحظ أساساً تشكيل حكومة اختصاصيين من رأسها الى أعضائها، فلا يكون رئيسها سياسياً بامتياز، بينما وزراؤها تكنوقراط «خام»، مقطوعين من شجرة وغطاء، خصوصاً انّ هذه الحكومة ستواجه تحديات مصيرية تتطلّب ان تحظى التشكيلة بمظلة حماية سياسية من الكتل الاساسية».
مع ذلك، تشير الاوساط البارزة في التيار الى انه «وعلى الرغم من اعتراضنا المبدئي على تكليف الحريري، فإننا أعطيناه فرصة وسَعينا الى إنجاحه، ولم نُنكر شرعيته، من دون أن نتوقف كثيراً عند معاني امتناع الكتلتين المسيحيتين الكُبريين، الممثلتين بـ”التيار الحر” و”القوات اللبنانية”، عن تسميته”.
وينفي القريبون من باسيل ان يكون في صدد إحراج الحريري لإخراجه، لافتين الى انه لا يدفعه في اتجاه الاعتذار عن التكليف، بل يحاول إقناعه بتغيير سلوكه والاعتذار عن النهج الذي يعتمده في تشكيل الحكومة، من خلال تصويبه.
والصحيح بالنسبة إلى هؤلاء انّ «الحريري هو الذي يحاول إحراجنا لإخراجنا من المعادلة السياسية عبر تهميش موقع رئاسة الجمهورية والتمثيل الشعبي للتيار، في حين انه نسجَ تفاهمات تحت الطاولة مع المكونات الاخرى».
من هنا، تعتبر القيادة البرتقالية انها تخوض حالياً معركة ميثاقية، لا معركة سلطوية، للدفاع عن صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المكوّن المسيحي الذي «نرفض تصنيفه درجة ثانية، وما انتَزعناه عبر مواجهات سياسية قاسية من تصحيح للتوازن الوطني واستعادة للحضور الوازن لن نفرّط به الآن، ولن نقبل بأن تعود عقارب الساعة الى الوراء».
وفي حين انّ رئيس الجمهورية كان يسمّي الوزراء ويختار منهم رئيساً للحكومة خلال حقبة الجمهورية الاولى، فقد أصبح له بموجب اتفاق الطائف، شريكاً في صلاحية التأليف هو الرئيس المكلّف الذي أصبح يشاركه في هذه المهمة، ولكنه لا يحلّ مكانه ويلغي دوره، كما يريد الحريري ان يفعل، تبعاً للقريبين من باسيل الذين يلاحظون انّ رئيس تيار «المستقبل» تجاوز في سلوكه ما كان يحصل تحت الوصاية السورية، «إذ انه ذهب أبعد منها في تشويه الطائف وتفسيره وفق ما يناسبه بعيداً من جوهره الحقيقي».
ويتساءل هؤلاء: أيّهما أقرب، المسافة بين بيت الوسط وقصر بعبدا ام بين بيت الوسط والإمارات وتركيا؟ وأيّهما أهم، ما شُبِّه للحريري انه دور إقليمي خارج الحدود ام دور داخلي إيجابي لتشكيل الحكومة بالتفاهم مع رئيس الجمهورية؟