غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
تسلّط وسائل الإعلام العالمية الأضواء على أي صعوبات أو مشاكل تعترض طريق الدول النامية الحرّة مهما كان حجمها أو تأثيرها، وتفرد لها مساحات هائلة من التغطية، وتحيطها بالضجيج. ويمثل التعامل مع الاقتصاد الإيراني في وسائل الإعلام عيّنة نافرة لأخطر عملية تزييف وتشويه وتحريض عالمية، تستهدف بلدا مناهضا للهيمنة الأميركية الصهيونية في الشرق.
أولا: سمع العالم كلّه بأزمة الوقود والمشتقات النفطية في ايران، لكن وكالات الأنباء والوسائل الإعلامية العالمية نفسها، لم تقل كلمة واحدة عن انتهاء الأزمة، التي لم تعش لفترة طويلة، وتلاشت بتدابير طارئة وعاجلة، اتخذتها الحكومة الإيرانية دون الحاجة إلى أي مساعدة خارجية من الأصدقاء في العالم. والمفارقة أنه وسط الصخب العالمي المتواصل، كانت ناقلات النفط الإيرانية العملاقة تنجد فنزويلا الحرّة، ولم تؤثر تلك الأزمة، التي علكت الصحافة الغربية وأبواق الاستخبارات حولها الكثير في التزامات ايران العابرة للحدود، لدعم حكومات حرّة وحركات مقاومة وتحرّر في الشرق العربي. ولم يسمع العالم أو يشاهد عبر أي بوق إعلامي كيف اختفت الطوابير وعادت الحركة إلى طبيعتها، بفضل ديناميكية الإدارة الإيرانية ودقة التخطيط وإتقان التنفيذ، وسط تكتّم عالمي، يقارب الفضيحة الدولية لكذبة العالم الحرّ والصحافة الحرّة.
هذا التكتم ليس فحسب فعل غباء، بل هو خوف من تفوّق نموذج تحرّري استقلالي في العالم الثالث وفي الشرق، يكرس الاعترافُ بإنجازاته صفعةً لركام الأكاذيب والخرافات، التي ساقها الإعلام الأميركي وأبواق الرجعية والاستعمار الغربي لتشويه صورة الجمهورية، التي استطاعت إعداد جيوش من الخبراء والعلماء، حصدوا انجازات مبهرة، وسطّروا صفحات مضيئة.
ثانيا: تكرّست نجاحات إيران في كسر الحصار، وواصلت الجمهورية مسارها الاقتصادي الصاعد بعد تفكيك منظومة العقوبات وانحلالها، بفضل ما طرأ من تغييرات في معادلات القوة، أكسبت الجمهورية مزيدا من الحصانة، وهيبة متعاظمة على المسرحين الإقليمي والعالمي. واللافت المشين أن الأبواق والمنابر العربية، التي تتصيّد أي شبهة تأزّم أو معاناة داخل إيران تطمس الإنجازات والانفراجات، وتتغافل عن الوقائع الحية، في بلد يلتزم تقاليد متواضعة بعيدة عن الاستعراض، لدرجة التقصير في كسر طوق التشويه الإعلامي الغربي البشع، ودحض الأكاذيب بالوقائع العنيدة. وعلى الرغم من كثافة الجهود الإيرانية في تنشيط الحملات والجهود الإعلامية المكرسة للدفاع عن حركات المقاومة في الشرق العربي الإسلامي، قلّما تشنّ طهران حملات لترويج صورة الاقتصاد النامي والانجازات التي تحققها الجمهورية داخليا، على مستوى التنمية والتصنيع والتكنولوجيا الحديثة. وواقعيا تثير الصروح والمنجزات الإيرانية دهشة من يعاينها عن كثب، في سائر مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي والصناعات الدوائية وغيرها من مجالات، تضيق بها الصفحات عن بنيان متقدّم تقنيا وحضاريا وعلميا، يظهر قدرة متجدّدة على هضم المشكلات وتخطي المصاعب. بينما يواصل بتكتّم شديد تطوير قدرة دفاعية مدهشة في فاعليتها وحداثتها.
ثالثا: يرى العديد من الخبراء أن المسار الإيراني يماثل التجربة الصينية في التنمية، ويوازيها، مع فارق الحجم والزمن. وكما شقّت الصين طريقها، وصعد نجمها، يتوقعون لإيران مستقبلا واعدا في طريق النمو، ولاسيما وقد أفلحت في إدارة الموارد، وقيادة تنمية مكثّفة زراعية وصناعية، ونقل التكنولوجية واكتسابها بسرعة، وتطوير ابتكارات، ومكتشفات جديدة من خلال جيش المهندسين والخبراء، الذي يضم عشرات آلاف النساء والرجال من خريجي الجامعات والمعاهد العليا، يعملون في جميع مجالات وفروع التصنيع والبحث العلمي والتطوير الزراعي، ويحصدون إنجازات باهرة، تفتح مسارات نمو وتطوّر اقتصادي كثيف متنوع الموارد. وكل ذلك بهدوء وصمت، ونادرا ما ينتقل إلى الإعلام العالمي رغم اهتمام الجمهورية بعرض مسار تجربتها الاقتصادية ووجوه تميّزها.
إن البناء الاقتصادي الإيراني يقدّم نموذجا خاصا لتنويع الموارد، انطلاقا من مبدأ رفض الوقوع في فخّ الاقتصاد الأحادي على طريق سائر البلدان النفطية في المنطقة. وهذا الوعي الاستباقي يتيح لإيران تطوير موارد متنوعة في مختلف المجالات، ومراكمة الثروة الوطنية على قاعدة تعزيز القدرات المنتجة، رغم الأعباء الدفاعية والالتزامات الهائلة اتجاه شركاء محور المقاومة، الذين تُخصِّص لهم ايران الكثير اقتصاديا ودفاعيا وماليا، من موقع شراكة المبادئ الاستقلالية التحرّرية، ونادرا ما تكون مجالات تلك الشراكة مجزية اقتصاديا، مع أملنا أن يتطور حلف التحرّر، بمبادرة ايرانية سورية مرجوة ومنتظرة، إلى منظومة اقتصادية مشرقية ناهضة ومتكاملة، تعزّز فرص التنمية، وتدعم البنية المادية الاستقلالية في المنطقة.