ايران تنتقل من الدفاع الى الهجوم .. انتصار الحاج قاسم في الانتخابات الايرانية

نارام سرجون | كاتب سوري

يفكر الاميريكون وكأنهم يقرؤون عقل الله .. ويظنون انهم يحلون محل الله أحيانا عندما يتعلق الامر بالعرب .. فهم يقررون متى يموت العرب ومتى يعيشون .. متى يسعدون ومتى تنزل بهم المصائب .. ولكن يبدو انهم لايقرؤون عقل الله عندما يتعلق الامر بآيات الله .. فمنذ ان قامت الثورة الايرانية واميريكا تحاول ان تقرأ عقل الايات في ايران ولكنها لم تفك الشيفرة ولم تتوصل الى نتيجة .. اميريكا قرأت عقول العرب وصارت خبيرة بعقولنا اكثر منا .. ترسم بدقة مصائرنا وردود افعالنا .. وتعرف نسبة الغباء والذكاء وتركيز الخيانة ومساحة الله ومساحة التراث في العقل الباطن العربي .. تحفر اي بقعة في العقل العربي وتخرج منه مواد خام كما تفعل في النفط وتعيد تصنيعها ونشتريها من اميريكا .. فالجهاد في عقولنا كان لمئات السنين ضد الروم والبيزنطيين والغزاة والفرنجة والصليبيين والتتار والمغول والاتراك والاستعمار الاوروبي .. ولكن اميريكا حفرت في اعماق اعماق دماغنا كما تنقب عن النفط وأخرجت الجهاد وغسلته بالكوكاكولا وقامت بطلائه بألوان اسرائيلية وباعته لنا في سوق افغانستان كما تبيع البنزين .. ثم وزعت هذا الجهاد الجديد فصار الجهاد مفصلا على مقاس الناتو ضد الليبيين .. ومع اسرائيل وتركيا وبريطانيا وفرنسا ضد السوريين .. ومع ايران المسلمة بدل اسرائيل .. فحاربناها 8 سنوات نيابة عن اميريكا في معركة سخيفة سميناها القادسية وكأننا عدنا لنحارب كسرى ..

نبشت اميريكا كل شيء في عقلنا وخربت كل شيء .. كل شيء .. القيم .. المثل .. البطولة .. الوطن .. الحب .. والتسامح .. ومانراه من أنقاض في الربيع العربي هو في الحقيقة ليس انقاضا لمبان بل أنقاضا للعقل العربي الذي تم نبشه وتحويله الى أنقاض .. بحيث صار التكبير على ذبح البشر .. والتكبير والتهليل لقصف اميريكا واسرائيل للجيش السوري .. وصار افقار الشعب وتدميره هو طريق المعارضة الى السلطة .. لايهم ان يسحق الشعب بالحذاء الامريكي كما تسحق الحشرات .. طالما ان الطريق الى السلطة تعبد بعظام الفقراء ودمائهم ..
ولكن في ايران حاولت اميريكا ان تقرأ العقل الايراني .. وظنت ان قراءة عقل ايات الله مثل قراءة عقل مشايخ النفط وشيوخ الوعظ الساذج .. و تبين لها أن ايران هي التي تقرأ عقل اميريكا اكثر مما أميريكا تقرأ عقل ايران ..
ايران تفهم ان وجع اميريكا ليس السعودية ولا قطر .. بل وجعها هو اسرائيل .. فلذلك فانها تجاهلت كل فخاخ اميريكا للاشتباك مع السعودية .. وانتقلت للاشتباك مع اسرائيل وانتقلت الى حدود فلسطين عبر تحالفها مع سورية حزب الله .. وايران ادركت ان روسيا هي الحليف الذي يمكنها ان تعتمد عليه في السياسة الدولية لان ذلك سيوجع اميريكا ..
ولذلك فكرت اميريكا انها يجب ان تساعد التيار الاصلاحي ليخلصها من تاثير التيار المحافظ .. فقامت بالتخلص من قائد فيلق القدس قاسم سليماني .. لأن غيابه كما تظن اميريكا سيحرر الايرانيين الصامتين في الدولة الايرانية من هيبة الدولة التي انكسرت بقتل الرجل الثاني في ايران .. وكأنها دعوة لهؤلاء لنفض غبار الصمت والجمود ..وانها بالقضاء عليه ستكسر الحلقة القوية التي تضغط على القرار السياسي للتيار الاصلاحي في ايران التي يمثلها ظريف .. وبذلك سيتنفس المعارضون الايرانيون الصعداء وسيحسون ان الاقتراب من اميريكا صار اسهل باهتزاز الحرس الثوري وهيبته .. كما حدث في السيناريو المصري .. كسر هيبة عبد الناصر بقتل جيشه في حرب 67 .. لدفع قيادات جديدة لتغيير انتمائها الى النظرية الناصرية في الصدام مع اميريكا .. وعندما تم التخلص من جمال عبد الناصر بالسم كان حليف اميريكا الصامت جاهزا لرمي كل الحقبة الناصرية وانهاء اللعبة القومية ..
في الوقت الذي مهدت اميريكا المسرح للتغيير الداخلي عززت معسكر الاصلاحيين بالدعوة غير المشروطة الى جزرة الاتفاق النووي كي يتعلق الشعب الايراني بالامل ويعطي الدفعة للاصلاحيين وتغيير السياسة الخارجية لأنها وصلت الى استناج غريب وهو ان السياسة الخارجية الايرانية مصادرة من قبل آيات الله الذين يمثلهم الشهيد قاسم سليماني وتياره ..
اي ان قتل سليماني سيقوي التيار الاصلاحي وتجار البازار الذين يرون – كما في مصر- ان مصالحهم مع اميريكا وليست مع مغامرات المحافظين .. قتل سليماني كان رسالة الى فريق داخل ايران تشجعه على التمرد والدفع باتجاه خيار أقل تشددا او رسالة تهديد ان هذا الاتجاه الذي قاده سليماني سيدفع ايران الى حرب مع اميريكا لامبرر لها .. وسيرتفع صوت هؤلاء أكثر بعد ان تكسر هيبة المحافظين بقتل كبيرهم .. وايقونتهم ..
الوقت قال كلمته وهو ان المسافة بين ايران واميريكا قد ازدادت .. وأن الايرانيين قرروا تغيير اتجاههم من التصالح أو الاقتراب من اميريكا .. فامريكا لم تفهم 8 سنوات من سياسة روحاني الهادئة والتي ابتلعت الكثير من الاهانات والصدمات وفضلت ان تداوي اكثر من ان تجرح .. ولذلك قرر الايرانيون في رد فعل واضح خيار مواجهة شرسة مع اميريكا .. وان زمن الهدوء قد ولى .. وكان انتخاب رئيسي هو بمثابة اعلان لاختيار نهج قاسم سليماني ومدرسته السياسية في الالتحام مع كل المحور ..
الرئيس الجديد لاينتمي الى مدرسة روحاني او خاتمي .. بل هو أقرب الى خيارات خشنة مع اميريكا .. ولذلك سيشهد الوجود الاميريكي في المنطقة لهزة كبيرة .. فأصحاب هذه المدرسة سيصعدون عسكريا ضد الوجود الامريكي انتقاما لمرحلة الديبلوماسية ذات النفس الطويل لروحاني .. واعادة قاسم سليماني الى الواجهة كقائد غائب ..
ولاشك ان السياسة السورية ستفيد من هذه النقلة النوعية في ايران التي أظهرت ان الشعب الايراني لايريد النأي بالنفس عن هموم المنطقة العربية التي سحقها الجشع .. وان شعار ايران أولا لايتحقق الا بخروج اميريكا اولا .. الوجود الاميريكي في التنف والعراق ومع قسد سيمر بأيام عصيبة لأن هذا التيار الايراني مؤمن ان وجود اميريكا في المنطقة لاخير فيه .. وهو خطر .. ويجب ان ينتهي ..

محور المقاومة ينتظر .. والمنطقة تنتظر .. مشروع قاسم سليماني لم يمت بعد ..

Exit mobile version