شهد لبنان احداثا عديدة أدت إلى الفوضى فيه سياسيا واقتصاديا، وخاصة مع تعسر تأليف الحكومة التي باتت حلما يتطلع إليه اللبنانيون، وما زالت واشنطن رغم هذه الفوضى تسعى لتعقيد الأمور اكثر وخلق فوضى اكبر للإمساك بـ لبنان و إخضاعه لما لـ الاستقرار فيه من دور كبير على المنطقة عموما ولبنان خصوصا، كما تسعى من خلال هذه الفوضى لضرب حزب الله، الذي يشكل الجهة الوحيدة التي تستطيع الحفاظ على تماسك لبنان من الانهيار الاقتصادي.
حزب الله كان ومازال شريكا لروسيا في مكافحة الإرهاب، وربما هذه العلاقة تؤثر على المنطقة بشكل عام، وخاصة أن روسيا طرحت مبادرة لتفعيل عدة حلول تحفظ لبنان من التشرذم، ونقل الفوضى إلى سوريا، فالدور الروسي كبير في سوريا وحربها ضد الجماعات الإرهابية المسلحة لذلك تعمل واشنطن أيضا على إضعاف الدور الروسي في المنطقة بمحاولات عديدة لإخراجها من سوريا بأي ثمن، لتفرض وجودها كقوة وحيدة في المنطقة معتمدة ربما على الوجود الإسرائيلي.
نقاط عدة وقضايا هامة يطرحها اليوم موقع المراقب ومركز الاتحاد للأبحاث والتطوير حيث استضافا السفير الكسندر زاسبيكين والذي يعتبر مرجعية مميزة في التوصيف والتحليل في لبنان والمنطقة، لبحث هذه القضايا وكان لهما معه الحوار التالي الذي أجراه رئيس تحرير موقع المراقب : عمر معربوني
الإجابة: من المستبعد إخضاع لبنان وإمساك أميركا به، بسبب وجود أنصار المقاومة وحلفائها ، وسوف يبقى لبنان ساحة للصراع، هذا الصراع يجري على كافة الأصعدة بما في ذلك المحلية والإقليمية والعالمية، والأمريكان يسموها المواجهة ما بين العالم الديمقراطي والأنظمة الديكتاتورية
في الواقع تستخدم هذه المصطلحات لتشويه الصورة، وفي الحقيقة يجب أن نقول أن اميركا تسعى الى توحيد صفوف حلفائها وعملائها تحت قياداتها أو بالعبارة الأخرى تعرقل انتقال المجتمع الدولي من نظام القطب الواحد الى توازن الأقطاب واحترام سيادة كافة الدول.
الإجابة: لا نعرف الى أي مدى تريد الإدارة الأمريكية أن توتر الأوضاع الدولية، بما في ذلك من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذه الظاهرة منتشرة وأصبحت أحد الأساليب الأساسية لممارسة أمريكا سياساتها، وهذا الجزء أساسي من استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة .
بالنسبة للبنان أظن إذا اشتعلت الحرب سوف تؤدي ليس فقط الى كارثة للشعب اللبناني وللبلد، بل إلى نتائج سلبية على أميركا نفسها وعلى ” أصدقائها ” اللبنانيين، فقد تفقد وجودها ونفوذها وقد ينتهي لبنان كبلد توازنات للقوة السياسية، وسوف يتم إعادة النظر بموازين القوى
وهذا ليس بمصلحة المعسكر الأمريكي، وبالتالي ما هو حجم التدخل الأمريكي في الوضع اللبناني وإلى أي مدى يريد زعزعة الأوضاع، فاليوم هذا غير واضح.
هناك رأي منتشر أن حزب الله يسيطر في لبنان وأنا لست موافق على هذه الفكرة، لأنه توجد مجالات حيوية تعمل فيها الأحزاب والقوى السياسية المختلفة.
في نفس الوقت صحيح إذا حصل تفجير الأوضاع، في هذه الظروف يزداد دور القوى السياسية الأساسية وخاصة حزب الله، الذي يمتلك قدرات كبيرة وتنظيم.
كل هذه العوامل الذي يساعد كل القوى السياسية في ظروف الطوارئ، وفي الاستنتاج فإن الفوضى ليست من مصلحة أميركا
وإذا تحدثنا عن الأفاق اللبنانية، لا بد من الإعراب عن القلق مجددًا لأن الانفجار يمكن أن يحصل تلقائيًا بسبب تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي المستمر وامتناع الدول عن تقديم المنح والمساعدات ومواصلة العقوبات.
الإجابة: لا أظن أنه من الممكن اعتبار العلاقة بين روسيا وحزب الله عملًا مستقلًا عن العلاقة الروسية مع سوريا و حلفائها بمحور المقاومة، لأن التعاون يجري على الساحة السورية ويؤثر على الوضع في المنطقة في هذا الاطار.
أما الحوار السياسي بين روسيا وحزب الله فهو تطور على أساس تفاهمات مشتركة بخصوص القضايا المطروحة دوليًّا وإقليميًّا ولبنانيًّا بما في ذلك الإقرار المتبادل بضرورة وقف الحروب وإنقاذ الأجواء وإيجاد الحلول السياسية للنزاعات في الدول العربية والرفض القاطع للأطماع الأمريكية التوسعية.
الإجابة: تعتبر روسيا لبنان بلدًا يعيش على أساس التوافق بين الأحزاب بالرغم من المواقف السياسية المختلفة وحتى المتناقضة في بعض الأحيان، لكنه يتطلب منها إيجاد قواسم مشتركة ، وخلال السنوات الأخيرة تعمقت الخلافات ما أدى الى ازمة داخلية شبه مستمرة، والتدخل الأمريكي لعب دورًا تخريبيًّا من خلال العقوبات وخلق مناخ القلق في النظام المصرفي.
أما روسيا فحاولت اجراء تواصل مع جميع الأطراف اللبنانية داعية الى التوافق خاصة في ما يخص تشكيل الحكومة في الآونة الأخيرة.
ما حصل من تطور في الموقف الروسي من شكل الحكومة سياسية أو تكنوسياسية أو تكنوقراط، فلم يتمتع هذا بطابع سياسي، بل هذا ادراك ما هو أنسب في الظروف المعينة.
ونفس الشيء فيما يتعلق برئيس الحكومة حيث تم تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، ويجب تحقيق هذا الهدف برأي روسيا:
أما احتمال طرح المبادرة الخاصة فهذا غير وارد لأن المعطيات الداخلية واضحة فروسيا لا تضغط على أحد لمصلحة الآخر.
و أما الاتفاق الخارجي فالتناقضات الروسية –الأمريكية تتعمق باستمرار ولا أتصور الوصول الى أي تفاهم في الظروف الراهنة.
الإجابة: لدى أميركا مشروع كبير ضد روسيا وفي كافة الأماكن على الكرة الأرضية وحتى يسعون الى تخريب روسيا من الداخل، فلذلك طبيعة المواجهة أهم وأوسع من مسألة وجود روسيا في سوريا.
أما من الناحية العملية فلا أرى إمكانية لإخراج روسيا من سوريا لأن الوضع ممسوك عسكريًا وأمنيًا ولأن هناك قرار لدى السلطة الوطنية السورية حول العلاقة مع روسيا ثابت ولن يتغير في المستقبل المنظور.
من جانبها تؤيد روسيا طلب سوريا لانسحاب أمريكي من أراضيها، فهذا الانسحاب أكثر واقعية من خروج روسيا.
الإجابة: إن هدف التنسيق الروسي الأمريكي في سوريا هو عدم التصادم وبالتالي هذا التنسيق سوف يستمر وأظنّ أن التصعيد الأمريكي ضد روسيا في الوقت الراهن لن يؤثر عليه.
الإجابة: لم يعد الذهاب الى ” إسرائيل ” للإقامة فيها أو تنقل اليهود بين روسيا وإسرائيل مسألة ملموسة أو هامة من حيث العدد أو الأهمية السياسية، أعرف أن الناس يعيشون نصف سنة في روسيا ونصف آخر في ” إسرائيل ” ، كما أنه لا توجد مؤشرات بعودة اليهود من ” إسرائيل ” الى روسيا بالعدد الكبير.
الإجابة: إن ” إسرائيل ” شريك أو حليف أساسي لأمريكا خلال عشرات السنين في المنطقة وتبقى هذه الحالة بغض النظر عن وجود إدارة ديمقراطية أو جمهورية في البيت الأبيض، وأعتقد أن حماية ” إسرائيل ” لن تتقلص لا بل قد تزداد بسبب التطبيع بين بعض الدول العربية و ” إسرائيل ” الذي يفتح مجالًا أوسع للنفوذ الأمريكي و الإسرائيلي في المنطقة.
الإجابة: إن المشكلة في الدرجة الأولى هي داخلية أوكرانية، وتعود الى الانقلاب الذي حصل في كييف عام 2014، ونتيجة له تغيرت طبيعة النظام في الدولة الأوكرانية وأصبح نازيًا متطرفًا راديكاليًا ومعاديًا لروسيا وأهالي دونباس الذين لن يقبلوا تغيير السلطة في كييف
ولعبت أمريكا وألمانيا و بولونيا دورًا سلبيًا جدًّا أثناء التطورات الدرامية في كييف، أما شعب شبه جزيرة القرم فقد اتخذ قرارًا خاصًا في تقرير مصيره وعادت القرم الى روسيا، ومن ذلك الوقت تستمر المواجهة بين قوات كييف والمدافعين عن دونباس .
إضافة يوجد إطار دولي لمناقشة الأزمة يضم روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا والاطار المحلي يضم سلطات كييف وقيادة دونباس، وتوجد وثيقة للحل السياسي باسم وثيقة اتفاق مينسك ولكن كييف ترفض تطبيقه.
مؤخرًا تم تصعيد الأوضاع نتيجة القصف الأوكراني للمدن وقرى دونباس، وحشد الدبابات والمعدات الأخرى تمهيدًا للهجوم والذبح، وتحركت قوات الناتو تأييدًا لأوكرانيا
وبالمقابل تحركت القوات الروسية في المناطق الروسية القريبة من الحدود، وكان من الواضح اذا هاجمت القوات الأوكرانية دونباس سوف يؤدي الى ذلك الى نهاية الدولة الأوكرانية.
زاد التوتر بشكل هستيري في أمريكا وأوروبا على مستوى غير مسبوق بسبب التحرك الروسي في الأراضي الروسية، ولمواصلة الحملة ضد روسيا وقعت فضيحة انفجار مستودع السلاح في تشيكيا الذي حصل منذ عدة سنوات والآن اخترعوا اتهامات ضد روسيا ، وكما حصل في بلغاريا اتهمت روسيا دون أي ادلة مثل العادة،.
حاليا نشهد تحقيق مخطط طويل الأمد ضد روسيا بمشاركة دول أوروبا الشرقية الحاقدة حيث تسعى الى تنفيذ المخطط الأمريكي بحماس يفوق ما هو مطلوب منهم.
كما لا بد من الإشارة الى تنشيط الطابور الخامس في روسيا، حيث يوجد فئة معينة تريد ان تعود روسيا للتبعية للغرب كما كان الحال في التسعينات، ويراهنون على العقوبات والضغوطات الغربية خلال السنوات القادمة.
نحن نعيش مرحلة خطيرة ومن الواجب على القوى الوطنية الروسية أن تتلاحم وتتوحد لحماية سيادة وأمن واستقرار روسيا كما يجب تطوير التعاون والتعامل مع كل القوى الدولية بما في ذلك الشرق الأوسطية التي ترفض الأطماع التوسعية الأمريكية والمحاولات الغربية لتثبيط سيطرتها في المجتمع الدولي.
الإجابة: منذ بداية الأزمة في اليمن لم يكن لروسيا إمكانيات أن تلعب دورًا مميزًا فلا تزال أحد الأطراف المشاركة من خلال الاتصالات السياسية وتتابع التطورات في اطار الأمم المتحدة وليس من خلال طرح أي مبادرات.
لمحة ذاتية عن السفير الروسي السابق في لبنان:
بدأ السفير الروسي السابق في لبنان حياته الديبلوماسية سنة 1972، ديبلوماسي فوق العادة، خريج معهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية، كما معظم الديبلوماسيين الروس من أبناء جيله الذين يخدمون في العالم العربي.
بدأ زاسبيكين عمله الديبلوماسي في العام 1972 وخدم في سوريا، وزار لبنان مرارا وتعرف اليه منذ مطلع سبعينات القرن الفائت .
كان ولا يزال من المهتمين بملفات المنطقة وكل ما يتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي ، وقد اضطلع وتابع ملفات خاصة بعملية السلام .
خدم في اليمن وكان اول قائم للأعمال في المملكة العربية السعودية. جاء الى سورية بعد تخرجه مباشرة وعمل بنشاط طيلة الفترة بين السبعينات حتى تعيينه سفيراً في لبنان وكانت زياراته الى لبنان دورية ودائمة حتى وهو يزاول عمله في سورية، حيث كان يعمل أيضا في القسم السوري – اللبناني في وزارة الخارجية الروسية.
امتاز السفير زاسبيكين بمواقفه الحاسمة وبمرونته العالية وحفاظه على الرصانة واللياقة خلال فترات عمله كافة ويمكن القول انه خلال عمله في لبنان كان على علاقة ممتازة بكل الشخصيات والأفرقاء وعبّر تعبيراً واضحاً عن سياسة بلاده الداعمة للحوار والسلام.
ورغم مغادرته للبنان بعد خدمة استمرت ل 10 سنوات الا انه لا يزال حاضراً بقوة في الإعلام اللبناني والعربي باعتباره مرجعية مميزة في التوصيف والتحليل.