رغم تفوقه العسكري عدّة وعتاداً، وفي مقدمها سلاح الطيران الذي استباح كل شيء في اليمن، إلا أن تحالف العدوان الأميركي – السعودي فشل في تحقيق أي من أهدافه المباشرة وغير المباشرة لعدوانه على اليمن الذي دخل عامه السابع ، بفعل الصمود الأسطوري والاستثنائي للشعب اليمني.
أن فشل العدوان في تحقيق أهدافه يُعد هزيمة له، واستمراره في عدوانه يعني دخوله مرحلة المواجهة العبثية بسبب العقلية الثأرية الانتقامية التي تطبع المواجهة، لكن بالمقابل فإن اليمن استطاع تحقيق إنجازات عسكرية، أهمها تطوير عدد من الأسلحة مثل الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنّحة والدفاع الجوي والطائرات المسيرة ، التي أرست معادلات ردع متصاعدة خلقت توازناً في المواجهة سيثمر نتائج هامة مستقبلاً .
هذا الفشل يتمثل يومياً بتنامي قدرات الجيش واللجان حيث التصاعد في وتيرة الإنتقال من الدفاع السلبي الى الدفاع الإيجابي وصولاً الى الدخول في الهجوم الإستراتيجي .
وقد يأخذ البعض علينا وصف المرحلة الحالية بالهجوم الإستراتيجي لكنها الحقيقة الثابتة التي تدل عليها تطورات وتحولات الميدان التي اذا ما استمرت على النحو الحالي المتصاعد فإننا بالتأكيد سنكون امام نتيجة حتمية وهي هزيمة قوى العدوان وانتصار الشعب اليمني .
التحول الأكبر في مسار الحرب على اليمن كان عندما بدأت الصواريخ اليمنية تخترق حائط الصد السعودي والإماراتي وتضرب في العمق البنى الاقتصادية الإستراتيجية وهو أمر يتعارض مع كل القواعد العسكرية بالنظر الى ميزان القوى في العديد والوسائط حيث تتفوق قوى العدوان بنسب عالية سواء بعدد القوى العسكرية الموضوعة في الخدمة او بالوسائط القتالية .
وفي استعراض سريع وموجز لمسار العدوان على اليمن يمكن القول ان الجيش واللجان الشعبية في اليمن يثبتون بالوقائع تفوق الذكاء البشري على الذكاء الصناعي ، فاختراق منظومة الدفاع السعودية المتطورة التي صُرف عليها عشرات مليارات الدولارات ، ووصول صاروخ واحد وليس رشقة صواريخ الى هدف حيوي هو محطة توزيع ارامكو في جدة دون ان تتمكن الدفاعات السعودية من التعامل معه يؤكد ما يلي :
١- اختيار اسم قدس ٢ للصاروخ المجنح هو تعبير عن الالتزام بالقضية الأم للأمة رغم الألم والضغوط على الشعب اليمني .
٢- الدقة في اختيار زمان ومكان الضربة دليل على نجاح منظومة القيادة والسيطرة اليمنية .
٣- نجاح منظومة الاستطلاع والاستخبارات اليمنية في جمع المعلومات ومعالجتها بحرفية عالية ووضع نتائج المعالجة بتصرف القيادة العامة .
٤- القدرة المستدامة على نقل المعركة الى العمق السعودي وضرب اهداف حيوية بموازاة الضغط في المعركة البرية سيؤدي الى تثبيت التحولات النوعية في مسار الصراع لمصلحة اليمنيين .
٥ – ترسيخ اهمية عامل الارادة كاحد اهم عوامل الثبات والانتصار وهو ما ساهم في نقل المواجهة من مرحلة تلقي الضربات والصبر الاستراتيجي الى مرحلة الضربات الاستراتيجية للعمقين السعودي والاماراتي .
٦ – التأثير في حركة وحجم الصادرات النفطية الى العالم واقتصار الاستهداف على الأهداف العسكرية والإقتصادية وعدم ضرب اية اهداف مدنية هو انتصار اخلاقي بمواجهة منطق العدوان والتوحش .
وفي مقاربة لعوامل النصر اليمني يبدو :
1- عامل الإرادة المنبثق من العقيدة الراسخة في مقدمة العوامل التي كانت ولا تزال بمثابة الأساس الصلب الذي انطلقت منه القرارات الصائبة للقيادة اليمنية في اتخاذ قرار الدفاع عن اليمن ، فالقيادة المشتركة للجيش واللجان كانت تُدرك من البداية تفوق قوى العدوان في الجانب العسكري وان المعركة ستكون صعبة ومعقدة ، لكنها ارتكزت على مسألتين :
– اولاً : معرفة القيادة بطبيعة المقاتل العقائدي المتمسك بعقيدته وبارضه واستعداده لبذل الغالي والرخيص بمواجهة طغيان قوى العدوان ، حيث مثّلت برأيي ولا تزال هذه العقيدة على المستويين الفردي والجماعي الأرض الصلبة والدافع الأكبر والمثال الظاهر لهذه الشجاعة والإقدام التي يبديها المقاتل اليمني ولنا في ذلك الآف الأمثلة لا بل عشرات الآف الأمثلة على مدى سنوات الحرب وهو ما اربك وافشل كل خطط العدوان .
– ثانياً : السلوك الإبداعي في تأطير الشجاعة الفردية ضمن إطار المجموعة من اصغر التشكيلات الى اكبرها ، وهو عامل ابرز مدى مستويات الإلتزام والطاعة ضمن منظومة الإنضباط العالي والطاعة الواعية والتناغم الكبير بين القيادة ومقاتلي الميدان .
– ثالثاً : التنسيق العالي بين الجيش واللجان وعمليات الدمج بين أساليب وتكتيكات القتال ما انتج مستوى عالياً من الروح المعنوية على الرغم من حجم التوحش غير المسبوق لقوى العدوان والذي تمّ استثماره في تحشيد اليمنيين للإصطفاف الى جانب قيادة المواجهة ( الجيش واللجان ) ، فقد شكلّت المجازر المتنقلة والإستهداف الواسع للبنية التحتية دافعاً للتمسك بالحقوق اليمنية ما قوّض اهداف العدوان الرئيسية الهادفة الى الإخضاع والتطويع ، فبدل الإخضاع والتطويع كنا امام مشهد استثنائي قلّ نظيره في العض على الجراح وتجاوز المحن والإصرار على الثبات وصولاً الى تحقيق النصر .
2- العامل الرئيسي الثاني تمثل برأيي في:
– العقيدة العسكرية التي قامت على أسس راعت أوضاع الميدان وتفوق قوى العدوان ، حيث كنا أمام عمليات إعادة تموضع في الجغرافيا الصلبة التي أمّنت مُدافعة قوية ادّت الى امتصاص هجمات العدوان واستنزافه ، فعمليات إعادة التموضع التي بدّت لقيادة العدو انها تراجع وهزيمة كانت بمثابة تكتيك هدفه الأساسي هو التعاطي مع تحديات الميدان بما يتناسب مع القدرات البشرية والعسكرية المُتاحة وهو ما ادّى في النهاية الى حدوث التحولات الكبرى التي نتابعها هذه الأيام .
– القرار الكبير باعتماد الصبر والذي أطلق عليه مسمّى الصبر الإستراتيجي عبر تحويل المعركة الى معركة استنزاف للعدو ومنعه من تحقيق أهدافه بالسرعة التي كان يأملها ، ففي بداية الحرب كانت قيادة العدوان تأمل بتحقيق الهزيمة بالجيش واللجان خلال شهر في الحد الأقصى وهو ما امتد الى دخول المواجهة في العام الخامس ، وعلى الرغم من الكلفة العالية التي دُفعت في البشر والحجر الاّ ان التحولات الكبيرة الحاصلة تبقى كنتيجة انجازاً سيكون له تداعيات جيوسياسية كبيرة بما يرتبط بتحرير الأرض اليمنية والبدء بعملية بناء واسعة من خلال الإستثمار المنظم للثروات بموازاة إعادة اعمار كل ما تدمّر .
3- العامل الثالث وهو المرتبط بالبعد الإستخبارتي :
– ففي هذا الجانب برهنت القيادة اليمنية عن قدرات استثنائية في جمع المعلومات من الميدان ومن العمقين السعودي والإماراتي بشكل خاص ، حيث وصلت الأمور الى بناء وتثبيت قاعدة بيانات واسعة ومهمة عن قدرات قوى العدوان وتحركاتها وخططها ، وقد كان للعمل الإستخباراتي دور أساسي في عودة العديد من القبائل الى رشدها وكذلك بالنسبة الى الكثير من اليمنيين الذين كانوا في صفوف العدوان ولكنهم كانوا على صلة بقيادة استخبارات الجيش واللجان ، وهذا ما يُثبت أهمية العامل البشري في الإستخبارات وتفوقه على الذكاء الصناعي وعلى منظومات التكنولوجيا المتطورة بكل ادواتها .
4- عامل البحث العلمي والتطوير :
– في هذا الجانب اثبت اليمنيون قدرات غير مسبوقة في برامج البحث العلمي في الجانبين المدني والعسكري ولكنهم تفوقوا بشكل ملحوظ في الجانب العسكري حيث تم على مدى سنوات الحرب تطوير وإنتاج العديد من طرازات الصواريخ مختلفة المديات ، سواء الصواريخ متوسطة المدى او البعيدة المدى الباليستية منها والمجنحة ، وكذلك الأمر بما يتعلق بالطائرات المسيّرة وصواريخ الدفاع الجوي ، وفي هذا الشأن من المفيد التذكير بأن الصواريخ بطرازيها الباليستي والمجنح ومعها الطائرات المسيّرة نجحت في الوصول الى اهداف استراتيجية كارامكو في بقيق وارامكو جدة والعديد من الأهداف في الرياض وعلى راسها مقر الاستخبارات السعودية دون ان تستطيع منظومة الدفاع الجوي والالكتروني السعودية من كشفها والتصدي لها وهو انجاز علمي كبير ، خصوصاً ان اليمن في حالة حصار كامل من البر والجو والبحر ، وما نجاح اليمن في الوصول الى هذه المرحلة الاّ تأكيد على مدى الرغبة في تحقيق النصر والتحرر في معركة غير متكافئة حولها اليمنيون الى معركة استنزاف لقوى العدوان في الأبعاد الاقتصادية والعسكرية والسياسية ايضاً .
– في الجانب العلمي ايضاً مما لا شك فيه ان العقل اليمني كان اساسياً في عمليات البحث والتطوير والتصنيع وهو أمر سيكون له تداعيات إيجابية بعد تحرير اليمن في المجالات المدنية ، فمن يستطيع في ظل الحصار الوصول الى هذا المستوى من الكفاءة يستطيع بعد التحرير ان يجترح المعجزات من خلال استثمار موارد وثروات اليمن .
ختاماً : بعيداً عن العواطف والوجدانيات والإصطفاف السياسي ، ان ما وصلت اليه الأمور في اليمن لا يختلف في المسارات والنتائج عما حصل في كل ساحات المواجهة في العراق وسورية ولبنان وفلسطين ، فالعوامل التي تتحكم بالصراع هي نفسها والنتائج وان بتفاوت بسيط هي نفسها ، لكن للنصر اليمني نكهة خاصة وطابع مميز ، فالظروف الصعبة والمعقدة التي تتحكم بالمواجهة على الأرض اليمنية سيكون لها تأثيرات كبيرة في التحولات الجيوسياسية لكل منطقة الخليج ، وعلى الأرجح ان تحقيق اليمن للنصر الناجز سيكون بداية العد التنازلي لتهاو وسقوط أنظمة الخليج الوظيفية ، وسينقل اليمن المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني في سياق ومسار المواجهة الشاملة التي وان تأخرت لكنها حتمية ومؤكدة .