الدكتور مروان الزعبي | خبير مالي واقتصادي – جامعة الزيتونة الأردنية
استخدمت الولايات المتحدة كل امكانياتها لمكافحة وباء كورونا من خلال وسائل مالية مثل ضخ السيولة وغير مالية مثل الاغلاقات أو تخفيض ساعات العمل خلال عامي2020 و2021، لكنها اهملت الجانب الاقتصادي ولم تفكر كثيرا في الارتدادات التي ممكن ان تحصل نتيجة الاجراءات الاقتصادية حيث انخفضت الوظائف بحوالي 22 مليون وظيفة وتراجع الانتاج بما نسبته 31% (على أساس سنوي) خلال الربع الثاني من عام 2020 وارتفع معدل التضخم ليصل الى 6.2% في عام 2021. لقد بلغ الانفاق الحكومي للتصدي للوباء خلال فترة الرئيس بايدن ما مقداره 1.9 مليار دولار، أما الفيدرال ريزيرف فلقد قام بتخفيض سعر الفائدة ليصل الى الصفربالاضافة الى شرائه كميات كبيرة من السندات. كل هذه الاجراءات هدفت الى توفير السيولة للمواطنين وللجهاز المصرفي لتحفيزها على المساهمة في النمو الاقتصادي.
من الواضح أن هناك جهود مضاعفة لمعالجة الاوضاع الاقتصادية تضاف الى اجراءات السيطرة على وباء كورونا لكن كل هذه الاجراءات كانت لها ردة فعل اقتصادية عنيفة حيث ارتفع معدل التضخم ليصل الى 6.2% في شهر تشرين الثاني من عام 2021 مقارنة مع نفس الفترة من عام 2020. صحيح أن هذا المستوى من التضخم لا يعتبر كبير جدًا وليس بعيدا عن المستويات الطبيعية، لكنه أعلى ارتفاع منذ ما يزيد عن 30 عامًا بالاضافة الى أنه جاء نتيجة الارتفاع باسعار السلع الاستهلاكية بشكل رئيسي فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار المنتجات النفطية بما نسبته 50%والبيض 12% والسيارات المستعملة 26%.
لقد أدت الاجراءات النقدية والمالية والتي هدفت الى مكافحة الوباء والتعافي من الركود الاقتصادي الى الشعور بأن الاقتصاد عاد الى وتيرة النمو خاصة وأن اللقاحات كانت قد ساهمت في عودة المواطنين الى المطاعم والمحال التجارية. فارتفع الطلب الكلي في عام 2021 ولكن وبسبب صعوبة استجابة العرض الكلي لتلبية الطلب، ارتفعت كلف الانتاج والاستيراد. ومثال ذلك أن الموانئ لم تستطيع التخليص على الشحنات المستوردة كما اعتادت وبالسرعة اللازمة، لكن الشركات قامت بتمرير هذه الكلف الى المستهلكين على شكل ارتفاع في أسعار السلع والخدمات.
من الواضح أن الاجراءات المالية والنقدية لتحفيز الطلب بالاضافة الى صعوبات جانب العرض أدت الى ارتفاع معدل التضخم لهذا المستوى وهو أكبر بكثير من مستوى التضخم في أوروبا، يضاف الى ذلك، أن الشركات أصبحت تحت الضغط لزيادة المنافع والرواتب وتخفيض ساعات العمل بهدف استقطاب العمالة، فهناك العديد من العاملين الرافضين العودة للعمل لأسباب مثل الامراض النفسية بسبب انتشار الوباء وحالات الوفاة بالاضافة الى انخفاض الرواتب والأجور. وعلى الرغم من ان الشركات كانت قد بدأت برفع الرواتب والاجور الا أن معدل التضخم لا زال أكبر، لقد طال ارتفاع الاسعار كل شيء ولذلك اصبح الفيدرال ريزيرف تحت الضغط للانتقال من السياسة النقدية الميسرة الى السياسة النقدية المتشددة دون حلقة وصل.
الى أين يذهب الاقتصاد الامريكي؟؟؟
من الواضح أن هناك تخبط لم يتوقعه احد في السياسة الاقتصادية الامريكية التي سعت الى مكافحة الوباء والركود حيث ان الكثير يعتقد ان امريكا لا تخطيء، وصحيح ان الأوضاع تحسنت نوعًا ما، الا ان النتائج السلبية كانت كبيرة مثل ارتفاع معدل التضخم ومعدل البطالة وتراجع جانب العرض. في الشارع الامريكي وفي اي مطعم او دكان او مول او ميكانيكي او سوبرماركت تجد اعلانات “مطلوب موظفين”؟ وهو تطور لافت لم يسبق له مثيل.
كل هذه التطورات سوف تؤدي الى الافتكاك من السياسة النقدية التيسيرية الى المتشددة دون المرور بمرحلة وسيطة ولذلك سوف تشهد اسواق السندات والاسهم والعقارات وغيرها ارتباكا وتذببا غير مسبوق، هذا وقد صرح محافظ الفيدرال ريزيرف “جيرمي باول” قبل اسبوع بانه سيتم التوقف عن شراء السندات في خطوة هدفت الى تخفيض مستوى السيولة في الاسواق والمؤسسات ونتيجة لذلك تراجع مؤشر السوق (S&P 500) بشكل هائل في يوم واحد وبما نسبته 1.9%. وبالتأكيد يجب أن يستعد كافة المتعاملين الى موجة جديدة من الارتفاعات في أسعار الفائدة والتي تعتبر الاداة الرئيسية لمكافحة التضخم. وهو ما يعني تراجع اسعار السندات والاسهم المتداولة في الاسواق المالية خلال عام 2022 لأن هذه ألاسعار ترتبط عكسيا مع اسعار الفائدة. ويجدر التنويه الى ان التراجع في الاسواق المالية لن ينتظر ارتفاع اسعار الفائدة وسيحدث بمجرد ان تزداد التوقعات بارتفاع أسعار الفائدة. وكذلك الحال بالنسبة لاسعار المنازل حيث يتوقع ان تبدء بالانخفاض بعد ان كانت قد ارتفعت خلال العامين الماضيين. هذا وسوف تاتي اجراءات تخفيض اسعار الفائدة بعكس التيار لان الاقتصاد لازال يعاني من الركود وبدء يعاني من التضخم في ان واحد.