فلسطين – الأخبار
بينما يحتفل المسيحيون الشرقيون بعيد الميلاد، يتكشّف إهدار وضياع جديد لأوقاف البطريركية الأرثوذكسية على أراضٍ مقابلة لدير مار إلياس وللدير نفسه، لترتفع حصيلة العقارات المسرّبة إلى الإسرائيليين، بالبيع أو الرهن أو الإيجار، على مدى عشرات السنين، إلى نحو 400 دونم معظمها في عهد البطريرك الحالي ثيوفيلوس الثالث
لسبب خبيث، يجري التعامل مع تسريب عقارات البطريركية الأرثوذكسية في فلسطين على أساس أنها شائعات كما كل مرة يُكشف فيها عن بيوعات وتأجيرات بخسة وفي الظلام، مع شركات أجنبية ووهمية ما هي إلا واجهات لشركات عقارات إسرائيلية تأكل الأخضر واليابس. ومن المجحف الحديث في قضية التسريبات المسيحية عن القدس فقط، فالتسريبات جرت وتجري في مواقع مختلفة في الأرض المحتلة، ويجري التكتم بشدة عليها، علماً بأن أملاك البطريركية الأرثوذكسية وحدها «ضخمة» و«ثروة حقيقية» عرفت إسرائيل كيف تبتلعها.
اللافت أيضاً محاولة السلطة الفلسطينية منع مؤتمر صحافي دعا إليه الثلاثاء الماضي «المجلس المركزي الأرثوذكسي في فلسطين»، و«الحراك الوطني الأرثوذكسي (الحقيقة)»، و«الشباب العربي الأرثوذكسي»، للكشف عن تسريبات جديدة لعقارات البطريركية في امتداد لصفقة سابقة تعود إلى 2009. في البحث عن التفاصيل، وبمحض المصادفة، أثناء السؤال في سجل الطابو عن «كوشان» (سند) الأرض التي تُقام عليها مستوطنة «چفعات هماتوس»، جرى السؤال عن «كوشان» أرض محاذية من أملاك البطريركية، لتنكشف الصفقة الجديدة التي تم التوقيع عليها في شباط/ فبراير 2020 ويتمّ التصريح عنها لـ«الطابو» في أيلول/ سبتمبر 2020
في الوثائق التي حصلت «الأخبار» على نسخة عنها، بيعت ثلاث قطع لأراضٍ مملوكة لبطريركية الروم الأرثوذكس لشركة «بروكيت هبسجا تلبيوت» التي يُشار إليها باسم «المطوّر»، والمساحة الإجمالية لهذه الأصول تبلغ 110,028متراً مربعاً، في حين أن المقابل المادي للصفقة تملّك البطريركية 150 وحدة سكنية مبنية لا تقل مساحاتها الإجمالية عن 18 ألف متر مربع. هذا ليس كل شيء، بل عقدت البطريركية صفقة مع شركة «تلبيوت هحداشا» تبيعها البطريركية 50 وحدة سكنية من المتفق عليها من شركة «المطور» مقابل 105 ملايين شيكل (نحو 31 مليون دولار)، في الوقت الذي تقدر فيه وزارة المالية العقار بمبلغ أكبر هو 125 مليون شيكل (نحو 37 مليون دولار). حتى الدير نفسه تم تأجيره، وفق عضو حراك «الحقيقة» نيفين أبو رحمون، التي قالت لـ«الأخبار»، إن الهدف من ذلك «استراتيجي وهو تحويله إلى فندق بجانب بناء شقق سكنية استيطانية هناك، إضافة إلى مجمعات تجارية، وفي هذا ضربة للاقتصاد والاستثمار الفلسطيني في بيت لحم».
لا يتعلق الأمر بالتفاصيل المادية والقيم الحقيقية والمعنوية للعقارات المسربة فقط، بل هي تؤشر إلى تورط البطريركية ذات المرجعية اليونانية في تسهيل التهويد في منطقة حساسة تمتد من مدخل بيت صفافا الشرقي إلى الجهة المقابلة لدير مار إلياس، أي على الشارع الرئيسي الذي يربط بيت لحم بالقدس، وهذا يغير في طبيعة المكان وديموغرافيته، عدا أن رخص البناء على العقار المسرب في هذه المنطقة تسمح ببناء 33 طابقاً، منها فنادق ومرافق سياحية، ما يعني محاصرة لأرزاق الفلسطينيين في بيت لحم وبيت جالا، عدا فصلهم عن الأماكن الدينية المسيحية!
هذه التسريبات لا تنفصل عن الخطط التي أعلنتها بلدية الاحتلال في القدس الرامية إلى إزالة ما يعرف بـ«الخط الأخضر» ضمن مشاريع التوسع شرقي القدس بمسمى «مخطط رئيسي جديد» مرتبط بالقطار الخفيف، والتجمعات السكنية والحدائق، إضافة إلى ضم الأراضي التي تسرقها إسرائيل لشق شبكة طرق تخدم الوجه الجديد للمكان! وأدى الفصل الميكانيكي بين أبناء الطائفة المسيحية والمسلمين في القدس ضمناً إلى تفتيت جهود التصدي للتسريبات في المدينة، سواء للأوقاف أو الأملاك الخاصة، كما جعل ذلك من المعركة الواحدة معارك عدة، فبقيت قلة قليلة من أبناء الجالية المسيحية الأرثوذكسية تتصدى للأمر وتجابه التجاهل الأردني والتضييق من السلطة والسرقة من إسرائيل.
تعلّق أبو رحمون بالقول إن «الحراك ينظر بعين القلق إلى ما يحدث من تسريبات على يد ثيوفيلوس، وخصوصاً ما يحدث في القدس، وذلك من أجل تثبيت الاستيطان وتهويد القدس». وتضيف: «معركتنا أمام الاحتلال كما هي مع البطريركية معركة على السيادة الفلسطينية والملكيّة على هذه الأوقاف… أطلقنا صرختنا من أجل الكشف عن صفقة جديدة عشية عيد الميلاد، وناشدنا الحراكات الوطنية من أجل الالتفاف حول الحراك الوطني الأرثوذكسي»، مشددة على أن «حراكنا جزء أصيل من النضال العربي الفلسطيني، ويجب التعامل مع القضية الأرثوذكسية كقضية شعب وقضيتنا جميعاً من أجل فلسطين ومن أجل أبنائنا وبناتنا».