ثريا عاصي | كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية .
يخيّل إلى المراقب أن ما يميز الوضع في لبنان هو الوقوف أمام حائط مسدود أو الحبس في قعر الهوة التي أُسقطتْ فيها الدولة أو الجمود خوفاً من المنظومة الحاكمة استناداً إلى الإعتقاد بأنها لن تتورع عن الإتيان بما هو أقسى وأفظع !
فلو تتبعنا الأخبار لوجدنا أنها تتكرر يوماً بعد يوم، لا جديد ولا مفاجآت، تكاد تُختصر جميعها في هذه الأيام تحت عناوين ثلاثة : نشاط الحاكم، نشاط المكلَّف ونشاط السفيرة التي تدعي أنها تسعى إلى تحرير الناس .
ـ لا نبالغ في الكلام أن حاكم المصرف هو في ظاهر الأمر صاحب النفوذ الأكبر في البلاد . فلقد استطاع هذا الرجل أن يحسم نسبة من القدرة الشرائية للمواطن العادي، الموظف الذي يتقاضى أجره بالعملة الوطنية، تساوي 9 من 10. أي لم يبق للممواطن المسكين سوى عُشْرما كان لديه . حدث هذا كله بينما كان الحاكم المذكور ووزير المالية يتناوبان على طمأنة الناس بأن ليرتهم قوية و”بخير”، وأن الهندسات المالية التي يبادران إلى تركيبها بين الفينة والفينة قمينة بتدعيمها .
مهما يكن فإنه مشهود لهذا الحاكم أنه اعترف دائماً وصراحة بأنه يطبق الإجراءات الدولية ( يعني الأميركية ) القاضية بتجفيف مصادر العملة الأميركية، الدولار في البلاد، بامتصاص الموجود منها ومنع المغتربين من إدخال أموالهم . وعلى الأرجح أن المصارف، والمصرف المركزي، وحكام البلاد وكبار الأثرياء، كانوا السباقين إلى تهريب وترحيل ثرواتهم إلى مصارف الدول الغربية .
يبقى أن نقول أن حاكم المصرف يتمتع على ما يبدو بحصانة سياسية ممثلة بالمنظومة الحاكمة وطائفية مجسدة بالخط الأحمر وديبلوماسية تضمنها سعادة السفيرة .
ـ العنوان الثاني متعلق بنشاط الرئيس المكلف منذ عدة أشهر دون أن يتوصل إلى تشكيل الحكومة ودون أن يترك المهمة لشخصية غيره، بدافع الحس الوطني ! فأغلب الظن أنه لا يختلف عن حاكم المصرف، ينفذ خطة موضوعة في السفارة، الغاية منها تشكيل حكومة طاهرة مطهّرة من غير أصدقاء السفارة . تجدر الإشارة في هذا السياق أيضاً إلى أن المكلف يحظى بحصانة مماثلة لتلك التي منحت للحاكم .
ـ العنوان الثالث : من يهيمن على لبنان بحسب الكذبة السخيفة المثيرة للسخرية التي تكاد تنطلي على الجميع ومن ضمنهم اللذين ينعتون كذباً بالمهيمنين ؟ الذين يمسكون بإحدى الرئاسات الثلاث التي فوّض إليها دستور الطائف أمر قيادة ثلاثية للدولة ؟ الذين يحتكرون صلاحية التوظيف والتعيين في إدارات الدولة وأجهزتها الأمنية ؟ الذين يتولون مناصب وزارية سيادية ؟ الذين يرسمون خطوطاً حمراء ؟ الذين يعيقون حركة مروحيات السفيرة ؟ الذين يعترضون عمل الضباط الأجانب على الحدود الشرقية والشمالية ؟ الذين يغمضون أعينهم عن تحركات المتعاونين مع جهات عدوة ؟ لا ..
مجمل القول وقصاره أننا في الواقع حيال سيرة مرضى يشكون داءهم إلى حاكم ومكلّف وكذابين، وهؤلاء هم جميعاً غشاشون ومنتحلو صفة . إن التشخيص غلط والعلاجات الموصوفة وهمية، والمرضى متوهمون !…