عماد مرمل | كاتب واعلامي لبناني
يدور الرئيس نجيب ميقاتي حول الزوايا الحادة بعدما اكتشف انّ تدويرها صعب هذه المرة. وليس هذا فقط، بل هو كشف عن «وجهه الآخر» حين يغضب وكأنه كان ينصح شركاءه في السلطة بأن لا يجرّبوه. على رغم انفعاله الشهير بعد خروجه من اجتماعه مع الرئيس نبيه بري، غير أن ميقاتي لا يزال يفضّل ان يحمل العصا من الوسط، ساعياً الى «ترويضها»، حتى لا تنقلب عليه فجأة وتباغته بضرباتها على حين غرة، وهو الذي يعلم جيدا أن من يأكل العصي ليس كمن يعدها، فكيف قرر ان يتصرف بموجب هذه القاعدة؟
– يتفادى ميقاتي عقد جلسة لمجلس الوزراء في غياب المكون الشيعي مسايرة لحركة «أمل» و«حزب الله» ومنعاً لانفجار الحكومة من داخلها بـ«عبوة» ميثاقية، لكنه يرفض في الوقت نفسه «عروضهما» للجم القاضي طارق البيطار، معتبراً ان طريقة التعامل معه هي من شأن القضاء وصلاحيته حصرا.
– يتفهّم حرج الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر اللذين يتمسكان بانتظام عمل المؤسسات ولا يستطيعان مجاراة المطالبة بتغيير المحقق العدلي او بفرض قيود عليه مراعاة للمزاج المسيحي العام لكنه يمتنع أيضا عن التجاوب مع ضغوطهما للدفع نحو عقد جلسة لمجلس الوزراء بمن حضر.
– يُحاذر الدخول في «تسويات» ترمي الى تكبيل البيطار عبر الحكومة او أدوات سياسية أخرى، الا انه يجاهر كذلك بأن القاضي مخطئ في مقاربته لملف المسؤولين السياسيين المدعى عليهم في قضية انفجار المرفأ ويعتبر ان هؤلاء يجب أن يحالوا الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وفق الدستور.
– يضحّي بالوزير جورج قرداحي لـ«فك الاشتباك» مع الرياض و«يقتنص» مكالمة هاتفية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمساعدة ماكرون في عز الكلام عن مقاطعة سعودية له ويعترض بشدة على المؤتمر الذي عقدته بعض شخصيات المعارضة البحرينية في بيروت وذلك لإثبات حسن السلوك والنيات، غير انه وعلى المقلب الآخر يُبقي خطوط التواصل مفتوحة بينه وبين «حزب الله» من خلال معاون الأمين العام الحاج حسين الخليل مُحاذراً الانزلاق الى مواجهة عبثية ضد الحزب وهو المدرك بواقعيته أن ما ورد في البيان السعودي الفرنسي المشترك حيال السلاح والقرار 1559 يفوق بكثير طاقته ولا يمكن تسييله على أرض الواقع اللبناني.
هذه عينات من براغماتية ميقاتي الذي وجد نفسه «خبير متفجرات»، يمضي وقته في محاولة تفكيك الصواعق السياسية التي بدأت تهدد حكومته وتجربته منذ اللحظة الأولى لإقامته المتجددة في السرايا.
غير أن الهدوء الذي يتحلى به عموما قد يكون احيانا من النوع الذي يسبق العاصفة، كتلك التي هبت خلال مغادرته عين التينة قبل أيام بعد لقائه مع الرئيس نبيه بري.
نجح بري وميقاتي الى حد كببر في تطويق تلك العاصفة الموضعية وحصر أضرارها، عبر «دبلوماسية الاحتواء» التي يجيدها كلاهما، الا ان ذلك لا ينفي ان رئيس الحكومة كاد أن يخرج عن طوره في واحدة من «نوبات الغضب» القليلة التي تصيبه علناً، فيما يُنقل عنه إقراره بأنه لم يستطع حينها ان يمسك اعصابه في الأمتار الفاصلة بين مكتب رئيس المجلس وسيارته.
ولئن كان القريبون من «البلاتينيوم» لا يبوحون بتفاصيل وافية حول اسباب انفعال ميقاتي غير المألوف، لكنهم يطلقون «إشارات مشفّرة» لهواة النوع، من قبيل التأكيد ان رئيس الحكومة يتصرف على أساس انه أحد الأعمدة الاخيرة في بنيان الدولة «وهو ليس مستعداً للقبول بما لا ينسجم مع اقتناعاته وموقعه كرئيس لمجلس الوزراء».
ويُروى انّ ميقاتي كان قد التقى قبل أيام موفدَين سياسيين نقلا له اقتراحا محددا للتوصل الى تسوية شاملة حول الملفات الخلافية العالقة، فكان رده: أنتما تتكلمان مع الشخص الغلط.
وضمن سياق متصل، هناك من ينسب الى ميقاتي قوله: «أنا مش مستعد احرق البَلد كرمال حَدَن».