المنطقة الى اين ؟؟

تشهد المنطقة مؤخراً جملة من التطورات السياسيّة والتي تتصدّر واجهتها الدولة السوريّة بعدَ عشريّةٍ دامية أصابتها، حيث يستخلص المتابع للتطورات، خطوات وثّابة عربياً وبضوءٍ غربيّ نحو دمشق بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسيّة، وما هو لافتٌ للتحليل الدلالة الزمنية للانفتاح بعدَ طي ملف الجنوب السوري والذي كان يراد به أن يكون الخاصرة الرخوة للدولة وجيباً صهيونياً، يرافقه الجاهزية العسكرية للانطلاق بمعركة تحرير الشمال، والشمال الشرقي وما سبقه من مباحثات روسية – سورية، وروسية – تركية.

ويمكن القول أن التحرّكات الميدانية والتي ستكون نتيجتها استعادة كامل الجغرافيا السورية هي التي أرهصت لحيويّة سياسيّة وشكلت الدافع الأساسي والأهم لهذا الانفتاح، سواء بقبوله، أو السير نحوه من خلال تأكيد سوري دائم في المحافل الدولية بذلك، والذي كان بادئه طَرقْ الباب السوري من الجار اللبنانيّ وما تبعه من اجتماع في 8 أيلول لوزراء الطاقة لكل من سورية ومصر ولبنان والأردن فيما يتعلق بخط الغاز العربي واستجرار الكهرباء ليعود بالفائدة على سورية ولبنان. وما لحقه من زيارة رسمية وأبعد من بروتوكولية لوزير الدفاع السوري للقاء بنظيره الأردني، والاجتماع النوعيّ بين وزيري خارجية مصر وسورية على خلفية اجتماع الجمعية العامّة للأمم المتحدة، وما أعقبها أيضاً من فتح للبوابة الجنوبية مع الأردن – معبر نصيب الحدودي وتقديم التسهيلات للقادمين والمغادرين وتعزيز التبادل التجاري البرّي بين البلدين .

كما وشقّ الانفتاح الوجهة من الخليج وفي المقدمة الإمارات التي عبّرت عن استعدادها في تقديم المساعدة لسورية خلال المنتدى الدولي لأسبوع الطاقة الروسي بموسكو وما تمخّض عنه من دعوة لسورية للمشاركة بمؤتمر الطاقة المتجددة في العام القادم، والاتصالات الرئاسية بين الرئيس الأسد وولي عهد أبو ظبي مؤخراً، وخطوة تنفيذيّة من الطرف السوري عبرَ تشكيل مجلس الأعمال السوري – الإماراتي بهدف تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين بكافة مجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية، وحامل المجلس قوانين استثمارية من شأنها تدعيم الشراكة .

وفي سياقٍ متصل يُرى تغيّر في اللهجة السعودية اتجاه سورية والتي توضّحت في كلمة لها بمجلس الأمن حيث جاء حرفياً : “تحملوا مسؤولياتكم في إلزام الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان العربي السوري، والكف عن الاستغلال غير المشروع لمواردها الطبيعية”. مؤشر قد يحمل في الطيّات فتح قنوات اتصالٍ مع دمشق وسطَ حديثٍ صاخب مؤخراً عن تقارب خجول معها عبر إعادة عمل سفارتها في دمشق .

وعلى الضفّة الأخرى نرى التوجّه الأوربيَ الجديد نحو سورية وتجلّى ذلك في كسر تجميد عضويتها منذ عام ٢٠١٤ في مكتب الشرطة الجنائية الدولية “الانتربول”، وإعادة تفعيل مكتب دمشق، ما سيمنح الدولة السورية الحق في ملاحقة من مارسوا كافة أنواع الأعمال الإرهابية ضدها عبر ارتباطها بقاعدة البيانات، ويتكلل بزيارة مدير المكتب الإقليمي للانتربول في العاشر من الشهر المُقبل لسورية، وعلى الرغم من الجانب التقنيّ ألا أنَّ الجانب السياسيّ هو الأبرز لأنه يوحي بعودة الحضور السوري على الساحة الدوليّة بعد التغييب، هذه المؤشرات الكبيرة والغنيّة المذكورة تبرهن هذا الانفتاح العربي ولجانبه الغربي أيضاً برضا دوليّ غير مُعلن بعد الانغلاق المفروض، والآخر الممنهج في سياق دعم الحرب الإرهابية على سورية .

وبناءً على ما سبق وانطلاقاً مِنه يمكن إيجاز دوافع ماراثونات العودةِ والانفتاح بالآتي :

– أوّلاً : إدارك المحور المعادي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وإلى جانبها “إسرائيل” بفشل حربهم الممنهجة بكل أجنداتها وأدواتها ضدّ الدولة السورية، ويتضح ذلك بالاعتراف الصريح بما أفردته الصحف الأميركية في سطورها مؤخّراً كما جاء في صحيفة ناشونال إنترست: “على أميركا الاعتراف أنها خسرت المعركة في سورية”، ويسترشد على هذا الفشل محاولة أميركا تعويض خسارتها في ميادينٍ أخرى كلبنان والعراق والتذكير بتفجيرات قادمة من مقبرة الحرب في دمشق .

– ثانياً : التخوّف “الإسرائيلي” من تعاظم قدرة محور المقاومة وخاصة سورية وإيران، وعدم تحقيق الهدف الذي تمركز في أول بند من خططه وهو ضرب العلاقة بينهما سواء بالعدوان المتكرر من الجانب “الإسرائيلي” أو من خلال الترغيبات التي قُدّمت لسورية وقوبلت بالرفض ووأدها عند الأبواب، وهذا أيضاً واضح في الإقرارت “الإسرائيلية”. وفق ما نقلته وسائل إعلام عبرية بقولها : “فكرة تفكيك سورية لم تعد واقعية”.

– ثالثاً : تيقُّن الدول العربية ومنها الخليجيّة والتي ظهرت بصمات أصابعها في مسارح الجرائم في سورية سواء بإرسال المرتزقة التكفيريين، أو من خلال الدعم اللوجستي لهم وصرف آلاف الدولارات على وسائل إعلام ضللت المشهد وحرّفت الحقائق، بعدم جدوى هذا الإنفاق في تحوير الحضور السوري وصياغته وفق متطلّباتها وعلى هواها .

– رابعاً : التسليم بعدم القدرة على ضرب سورية وعزلها عن الساحة الدولية والإقليمية وخلق الجفاء مع من حولها وكأنها “بُعبُع”، وخصوصاً لموقعها الاستراتيجي والجيوسياسي، كبوابة للشرق وخط الإمداد الأقوى القادم من إيران لقوى المقاومة.

– خامساً : التحضير الجامح في استعادة إدلب آخر معاقل الإرهاب وداعميهم التركي والأميركي، بعد تعثر الحل السياسيّ بعقبات كثيرة…

– سادساً : ضعف ثقة من عوّل على أميركا في كسبها للحروب وعلى وجه الخصوص بعد الانكفاء من أفغانستان، وانشغال الأميركي بالكتلة الأوراسيّة الفتيّة بأركانها الثلاث : روسيـا وإيـران والصيـن، وهو أيضاً ما يعكس القلق بالنسبة “لإسرائيل” التي توافقت صحفها على القول بأنها وحيدة بعد تقارب إيراني مع الجيران كالسعودية وقطر .

أمّا حاضن ما سبق هو القرار الوطني السياديّ الاستراتيجي لسورية منذ بداية الحرب والذي أوصل الرسالة منذ اندلاع الشرارة الأولى لها على لسان الرئيس بشار الأسـد بالقول : إن أردتموها حرباً فلتكن.

وبالتالي هذا التشبيك بعد التشابك بقضايا أساسية منصهرة في الإيديولوجيا السورية عبّده الصمود الأسطوري السوري والدعم الكبير والقوي من الحلفاء والأصدقاء ميدانياً وسياسياً .

Exit mobile version