الملف الفلسطيني.. هل سينجح نفتالي بينيت في فرض معادلات جديدة؟

حسن لافي | كاتب وباحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية

أحدثت معركة “سيف القدس”، التي استمرّت عشرة أيام وثمانيَ ساعات، كثيراً من التداعيات على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي فرض على “إسرائيل” إعادة النظر في استراتيجية التعامل مع الفلسطينيين، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، بحيث من الجدير ذكره أنه تمّ تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بعد معركة “سيف القدس”، بقيادة نفتالي بينيت، أنهت فترة حُكم بنيامين نتنياهو التي استمرت مدة 12 عاماً متواصلة. وبالتالي، عزّز وجودُ حكومة جديدة التوجُّهَ الإسرائيلي نحو البحث عن تغيير استراتيجية نتنياهو السابقة في التعامل مع الفلسطينيين.
أوضحت معركة “سيف القدس” فشل سياسة “الاحتواء” الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، بعد فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في القضاء على المقاومة الفلسطينية في حرب عام 2014، الأمر الذي أقنع نتنياهو بأن لا حلَّ عسكرياً مع غزة. وحتى لو تمّ احتلالها بالكامل، يبقى السؤال: “ماذا بعد؟”. وهو السؤال الذي لا تمتلك “إسرائيل” إجابة عنه.
لذلك، حاولت، من خلال الدمج بين سياسة التخفيف من الأزمات الإنسانية الناتجة من الحصار من جهة، وبين سياسة الردع بالقوة العسكرية من جهة أخرى، خلقَ حالة من التفاهمات مع المقاومة في غزة، وتحديد قواعد اشتباك بين الطرفين.
تفاجأت “إسرائيل” بأنّ الخطّ الأيديولوجي الوطني لحسابات المقاومة غلب على أيّ اعتبارات أخرى، في لحظة الحقيقة التي تجلّت في اندلاع معركة “سيف القدس”، الأمر الذي أثبت أن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية خاطئة في قراءتها الاستخبارية بشأن شخصيات صُنّاع القرار وطريقة تفكيرهم لدى فصائل المقاومة، وخصوصاً قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار.
أضف إلى ذلك إدارك جيش الاحتلال الإسرائيلي أن فصائل المقاومة في غزة انتهزت “سياسة الاحتواء” السابقة من أجل تعزيز قدراتها العسكرية، ورفع جهوزيتها القتالية، على نحوٍ لم يتوقّعه جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأثّر في أدائه في المعركة، والأهم أنه أفقده كثيراً من الثقة أمام جبهته الداخلية، التي أُطلق عليها ما يقارب 375 صاروخاً يومياً طوال المعركة.
في ضوء ذلك، بات هناك توافق بين المؤسسة العسكرية والحكومة، وهما أهم مؤسَّستين في صنع القرار الإسرائيلي، مَفاده أنه، حتى اندلاع المعركة المقبلة، يجب انتهاج سياسات جديدة مع قطاع غزة، مبنية على العمل باستمرار على تقويض قدرات المقاومة القتالية، من خلال خلق قواعد اشتباك عسكرية وسياسية جديدة، أهمها:
·    رد عسكري قوي على إطلاق أيّ بالون حارق أو صاروخ من قطاع غزة.
·    عمل واسع النطاق، عسكرياً وأمنياً، ضد تعاظم قدرات المقاومة التسليحية.
·    العمل على كسر الارتباط بين القدس المحتلة وغزة، والذي فرضته معركة “سيف القدس”.
·    عدم السماح بإعادة إعمار القطاع إلاّ من خلال التوصّل إلى تهدئة طويلة الأمد مع “إسرائيل”.
·    عمل كل ما هو مطلوب من أجل إنهاء ملف جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة في غزة، بأقل الأثمان.
في المقلب الفلسطيني الآخر في الضفة الغربية، كشفت معركة “سيف القدس” للإسرائيليين القيمةَ الأمنية الثمينة للتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية من أجل حفظ أمن الضفة الغربية، وعدم تدهور الوضع فيها، وصولاً إلى فتح جبهة قتال جديدة في أثناء المعركة. لذلك، بدأت تتعالى أصوات داخل الحكومة والمؤسستين العسكرية والأمنية الإسرائيلية، تطالب بإحداث تحوُّل استراتيجي تجاه تعزيز السلطة وتقويتها، بدلاً من السياسة السابقة، والهادفة إلى إضعاف السلطة خوفاً من تجنيد ضغط دولي على “إسرائيل” يُعيد إحياء حلّ الدولتين مجدداً بعد أن أجهز عليه الاستيطان والضَّمُّ الصهيونيان. وفي اعتقادنا، هناك عاملان عزّزا سماع تلك الأصوات في الآونة الأخيرة:
العامل الأول هو طبيعة المكوّنات الحزبية للحكومة الجديدة في “إسرائيل”، والتي تضمّ بقايا ممن ما زالوا يرفضون ضمَّ مناطق من الضفة الغربية نتيجة أسباب تتعلّق بضمان يهودية الدولة، وعدم تدحرج الأمور إلى حلّ الدولة الواحدة الثنائية القومية.
العامل الثاني هو الموقف الأميركي المشجّع على تعزيز دور السلطة الفلسطينية، والذي برز من خلال الاتصالات الأميركية المتعددة المستويات بقيادة السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “السي آي أيه” لرام الله، ناهيك بالحديث عن نيّات أميركية في فتح قنصلية لها في القدس الشرقية.
في ظل هذه الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، في اعتقادنا أنّ من المهم أن نطرح ثلاثة تساؤلات مركزية تساهم في تحديد مصير تلك الاستراتيجية الجديدة. الأول هو: ما هي ردّة فعل المقاومة الفلسطينية في غزة على تلك الاستراتيجية الجديدة؟ تلك المقاومة التي فرضت، قبل معركة “سيف القدس”، معادلة “القصف بالقصف والدم بالدم”، وخصوصاً أنه بدأت تتعالى الأصوات الداعية إلى الذهاب إلى التصعيد العسكري مهما كلَّف الأمر، في حال استمرار الحكومة الإسرائيلية في محاولة فرضها تلك المعادلات الجديدة.
الثاني هو: هل حكومة الاحتلال الإسرائيلية، التي يتزعّمها بينيت، المستوطن ابن الصهيونية الدينية، المؤمنة بـ”إسرائيل الكبرى”، والداعية إلى ضمّ الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين، قادرةٌ على إحداث اختراق سياسي على مستوى حل الدولتين، وخصوصاً مع انزياح المزاج الشعبي الإسرائيلي تجاه اليمين الديني؟
الثالث هو: ما مدى جدية الموقف الأميركي بشأن إحياء حل الدولتين مجدَّداً؟ وهل يمكن لواشنطن أن تضغط على “إسرائيل” في ظل التوتر القائم بينهما بشأن الملف النووي الإيراني؟.

 

Exit mobile version