تحسين الحلبي | باحث فلسطيني مختص بالشؤون الإسرائيلية
اعتاد قادة إسرائيل منذ عام 2008 على اتهام إيران بمحاولة بناء قوة نووية مسلحة تعرض المنطقة كلها وخاصة دول الخليج وأوروبا للخطر، وبدؤوا بتكثيف حملات تهديد إيران بشن حرب مباشرة على مفاعلاتها المدنية النووية وإسقاط حكومتها، وخلال كل تلك السنوات الثلاث عشرة وحتى هذه اللحظة ما زال قادة إسرائيل يهددون من دون أن يقوموا بأي عمل عسكري مباشر ضد أهداف داخل إيران، وتحولت كل التهديدات إلى فقاعات حتى حين كرروا أنهم سيشنون هذه الحرب وحدهم، ويبدو أن سياسة التهديد هذه لم يكن لها سوى هدفين أولهما تحريض الولايات المتحدة على شن حرب مباشرة على إيران وزيادة عدد قواتها في المنطقة، والسبب الثاني هو تحريض الدول الخليجية ضد إيران ومحاولة ابتزاز هذه الدول عن طريق إيهامها بأن إسرائيل تعد نفسها لمثل هذه الحرب وتحتاج لمن يساندها.
في واقع الأمر كانت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية قد استشهدت في 17 أيلول الماضي بما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك عام 2008 ونشره في مذكراته حين كان يحاول إقناع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في عام 2008 نفسه في أثناء اجتماع معه وبحضور رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت بشن حرب أميركية مباشرة على إيران للتخلص من مفاعلاتها النووية وتغيير حكومتها، فقد ذكر باراك للرئيس بوش هو وأولمرت أن «هناك طريقين لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي (علماً أنه يعرف أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية ذكرت له أن إيران توقفت عن أي مشروع نووي عسكري منذ عام 2003) الطريقة الأولى هي أن يشن الجيش الأميركي حرباً مباشرة على إيران، والطريقة الثانية هي ألا تعرقل الولايات المتحدة إسرائيل عن شنها»، ويعترف باراك في مذكراته أن الرئيس بوش قال مخاطباً الاثنين باراك وأولمرت في عام 2008: «أريد أن يعلم كل منكما بصفتي رئيساً للولايات المتحدة أننا بشكل كلي ضد أي عمل تقومان به لشن هجوم على المفاعلات الإيرانية»، ثم أضاف بوش: «أكرر لكما نحن نتوقع منكما ألا تفعلا ذلك لكي نتجنب أي سوء فهم ونحن لن نفعل ذلك أيضاً، ما دمت رئيساً للولايات المتحدة وهكذا أردت أن أكون واضحاً». وتعلق مجلة «فورين بوليسي» أن «بوش حذرهما من هذا العمل وهما يدركان أن إسرائيل ليس لديها القدرة العسكرية لشن حرب ضد إيران في ذلك الوقت»، وهذه الحقيقة كانت واضحة في عام 2008 لأن إسرائيل بحكومة أولمرت نفسها كان جيشها يجرجر أذيال هزيمته القاسية على يد المقاومة اللبنانية بعد حرب تموز 2006 فقد انخفضت معنويات الجنود وكذلك المستوطنون في أعقاب سقوط آلاف الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة منذ عام 1948 خلال 34 يوماً، وكانت لجنة التحقيق الإسرائيلية المكلفة بالكشف عن أسباب هزيمة الجيش ومضاعفاتها على معنوياته وعلى المستوطنين نتيجة سقوط الصواريخ والحرب الدائرة على حدود جنوب لبنان قد أصدرت نتائجها محملة مسؤولية الهزيمة لرئيس الحكومة أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الأركان دان حالوتس اللذين أقيلا من منصبيهما، وبعد هذه الهزيمة التي لحقت بصفوف الجيش الإسرائيلي كان من الطبيعي للرئيس بوش والمساعدين له في وزارة الدفاع الأميركية ألا يثقوا بأي قدرة لهذا الجيش أو بالاعتماد عليه وخصوصاً أن واشنطن راهنت على دوره ضد المقاومة لفتح مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي دعت إليه وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس حين كانت بزيارة رسمية لبيروت في أثناء حرب تموز 2006 وكأنها تصورت أن الجيش الإسرائيلي سوف يهزم المقاومة في لبنان ويسيطر على لبنان ويحاصر سورية ويحقق أهدافه في شرق أوسط كبير، وحين أصبح نفتالي بينيت رئيساً للحكومة الإسرائيلية في هذا العام، كثف في البداية تهديداته ضد إيران بشن حرب من دون مشاركة أميركية إلى أن عاد وحولها قبل أسبوعين إلى «حرب باردة» بموجب آخر تصريحاته ضدها وقبيل زيارته للولايات المتحدة واجتماعه بالرئيس الأميركي جو بايدين في الشهر الماضي.
يبدو الآن أن سياسة التهديد الإسرائيلية ضد إيران لابتزاز دول الخليج بدأت تبهت ويتآكل تأثيرها في المنطقة بعد المؤشرات التي ظهرت عند بعض دول المنطقة نحو العمل على تطبيع علاقاتها مع طهران، وهذا من شأنه إبطال مفعول الابتزاز الإسرائيلي لبعض الدول ومفعول التحريض ضد إيران واستخدامه لأهداف مغايرة لمصالح شعوب المنطقة وربما لذلك استخدم بينيت عبارة أن «إسرائيل ترى أنها في حرب باردة ضد طهران».