«المارينز» وطائرات المقاومة المسيّرة .

تحسين الحلبي | كاتب وباحث مختص بالشؤون الإسرائيلية .

إذا كانت القذيفة السوفييتية «الكاتيوشا» والسلاح الفردي «الكلاشينكوف» قد شكلا رمزاً واسع الانتشار كسلاح استخدمته حركات التحرر الوطني لهزيمة قوات الاستعمار والهيمنة الأميركية في آسيا وإفريقيا في الستينيات والسبعينيات بشكل كبير وخاصة في فيتنام فإن العصر الراهن لثورة الاتصالات وما نتج عنه من تقدم هائل ومتسارع الوتائر في تطور تكنولوجية «التحكم عن بعد» في العقود الثلاثة الماضية قد ولّد لكل الحركات والدول والقوى المناهضة لبقايا الاستعمار والإمبريالية الأميركية سلاحاً بدأت هذه الحركات والقوى تتقن صناعته واستخدامه لأغراض ومستويات متعددة وتحقق بواسطته إصابات دقيقة لقواعد القوات المعادية ومنشآتها وهذا السلاح هو «الطائرات المسيرة بلا طيار» والقدرة على تسليحها بمتفجرات وتوجيهها نحو أهداف بعيدة مئات الكيلومترات.
ففي الشرق الأوسط بالذات تمكنت منظمة «حزب اللـه» في لبنان ومنظمة «أنصار اللـه» في اليمن وقوات «الحشد الشعبي» في العراق وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وكذلك بعض فصائل أفغانستان من إعداد مثل هذا السلاح واستخدامه في مناسبات كثيرة أثناء مجابهتها لإسرائيل وللقوات العسكرية الأميركية في المنطقة، كما تمكنت دول مثل إيران وسورية من تطوير مثل هذا السلاح وزيادة فعاليته في المواجهة ضد القوات الإسرائيلية والأميركية وأصبحت الولايات المتحدة تضع لهذا السلاح الذي تنتجه بسهولة دول فقيرة أو صغيرة حسابات كبيرة في صراعها ضد دول كثيرة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تنتشر فيها القوات الأميركية.
هذا ما تشير إليه المجلة الإلكترونية «ذا ديفينس بوست» الأميركية في 21 نيسان الماضي حين تستشهد بما أدلى به قائد قوات المارينز والقيادة المركزية في الشرق الأوسط الجنرال كينيت ماكينزي للجنة الشؤون العسكرية التابعة لمجلس النواب الأميركي في 20 نيسان الماضي فقد اعترف أن «القوات الأميركية تعمل دون وجود أي تفوق جوي كامل لأول مرة منذ الحرب على كوريا عام 1953 وذلك بسبب انتشار المسيّرات المتوسطة والصغيرة من الطائرات من دون طيار والرخيصة الثمن»، وأضاف إن «هناك مسيّرات صغيرة تجارية ويجري بيعها بشكل عادي، قابلة لحمل متفجرات وهذا ما يشكل خطراً متواصلاً وتهديداً لقواتنا ولشركائنا ولحلفائنا في الشرق الأوسط منذ عقود»، وتحت عنوان: «لا يتوافر لدينا رادع موثوق حتى الآن» تعترف قيادة القوات المركزية في الشرق الأوسط والمعروفة باسم «سينتكوم» أن الجيش الأميركي بذل جهوداً عسكرية وتكنولوجية للوقوف ضد أخطار «المسيّرات» ولكن ليس إلى الدرجة الكافية، وقال إن أكثر المستفيدين من هذه الطائرات المسيرة هم اللاعبون من المنظمات المسلحة من غير الدول مثل «حزب اللـه» وبعض الفصائل الفلسطينية، واعترف أن الجيش لم يجد الحلول الحاسمة لهذه المسيّرات بل إن بعضها موجود في مراكز البيع المدنية في عدد كبير من مؤسسات البيع في دول كثيرة وقيمة الطائرة المسيرة التي يمكن توجيهها من مسافات بعيدة لا يزيد على ألف دولار ويمكن للمنظمات الاستفادة من تكنولوجيتها ومن عدسات التصوير المعدة في هذه الطائرات الصغيرة وإصابة أهداف بدقة، وأشار في مقابلة مع معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأوسط في شباط الماضي إلى أن مثل هذه الأسلحة تشكل تفوقاً على الجنود الأميركيين لأنها تقدم لكل من يبادر بالهجوم بها أفضليات كثيرة على حين يكون الجندي الأميركي وموقعه في حالة الدفاع غير الكافي.
يبدو من الواضح أن الجيش الأميركي سيشهد صعوبات هائلة في إبعاد هذا النوع من الأسلحة عن ساحة مجابهاته مع قوى المقاومة وهذا ما عجز عن تحقيقه حتى الآن بسبب انتقال الخبرات في مجال إعداد وصناعة الطائرات المسيرة لجميع المنظمات التي تجابه قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وكذلك للمنظمات اليمنية التي تجابه الحرب السعودية في اليمن.
وأصبح من المؤكد أن ساحة هذه الحرب الخاصة بالطائرات المسيرة في المنطقة ستحتل أهمية متزايدة لدى شعوب المنطقة كنوع جديد من حرب العصابات باستخدام الطائرات المسيرة وقدراتها المتطورة وبالتحديد في الصراع بين دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبين دول صغيرة أو منظمات كفاحية تجابه هذه الدول الكبرى لإحباط أهدافها ضد شعوب المنطقة والجديد في هذا النوع من الأسلحة أن المنظمات التي تستخدمه لا تحتاج إلى استيراده من خارج حدودها بل تصنعه بأيدي الأفراد من شعبها على غرار ما يقوم به الشعب اليمني والفلسطيني في قطاع غزة.

Exit mobile version