اللبنانيون يصنعون «الفوضى الخلاقة» ويحضّرون انفسهم لاقتتال داخلي!

كمال ذبيان | كاتب وباحث سياسي لبناني

ترسم صورة قاتمة للبنان الذي اعلن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف – لودريان بأنه دولة الى زوال، بعد قرن على انشائها على يد القابلة الفرنسية لأب فرنسي اسمه الجنرال غورو في اول ايلول 1920.

هذه الدولة في توصيفها ليست فاشلة بنظامها السياسي الطائفي ولا بمن تولوا السلطة فيها بل هي دولة بحاجة الى تأسيس جديد وهدم بنائها المتهالك او الذي انهار، في توصيف لاركان الحكم في لبنان ولقيادات سياسية وحزبية وروحية فيه ألم يقل رئىس الجمهورية العماد ميشال عون بأن لبنان الى جهنم، وتلاه رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن لبنان متجه الى المجهول، فيما اكد الرئىس المكلف سعد الحريري بأن لبنان انهار في وقت اعتبر رئىس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بأن لبنان فقد دوره، ويضاف الى هؤلاء ما اكدته تقارير دولية عن ارتفاع نسبة الفقر في لبنان الى مستوى متقدم وبات من اكثر الدول فقرا اذ وصل الحد الادنى للاجور فيه الى نحو 67 دولارا شهريا على سعر صرف الليرة بنحو عشرة الاف ليرة للدولار الواحد كما انه يحتل مرتبة متقدمة في الفساد في مرتبة الدول الاكثر فسادا في العالم، وان الاخطر من ذلك ما حذرت منه منظمة الاغذية الدولية من ان لبنان من دول عشر بدأت تعاني نقصا في الغذاء.

هذا التوصيف هو لدولة منهارة في نظامها السياسي، المرتكز الى الطائفية التي لم تجلب الا الحروب والكوارث والدمار والهجرة والتهجير، بين اللبنانيين وعلى فترات زمنية متقاربة منذ الاستقلال اذ ترى مصادر سياسية بأن الترميم لم يعد يفيد في لبنان، ولا بدّ من اعادة بناء نظام جديد، لقيام دولة مدنية فصلية لا تتقسامها المصالح الطائفية، كما في الصيغ التي قام عليها النظام السياسي.

فالتسويات التي حصلت كانت هدنات بين ازمات وامتثالا داخليا وان لبنان الذي كانت نشأته كدولة بقرار خارجي فإن التدويل لا يفيده لانه يضع وصاية او انتدابا عليه هذا ما حصل في تاريخه، تقول المصادر التي لا ترى بأن الحل بما اقترحه البطريركي الماروني بشارة بطرس الراعي بعقد مؤتمر دولي لان آلية حصوله معقدة وهي ليست متيسرة داخليا لانها بحاجة الى اجماع لبناني ثم الى توافق اقليمي ودولي وفي هذه المرحلة لم تتبلور بعد الصيغة التي ستكون عليها «دولة لبنان الجديد» اذ ثمة طروحات متعددة حولها، فالبعض يراها في تجديد صيغة «العيش المشترك» ومنهم من ينظر اليها على انها «فدرالية» على مسميات عدة وجغرافية وديموغرافية وطائفية في حين ان الطرح المتقدم هو دولة مدنية متحررة من النظام الطائفي وهذا يتحدث فيه اصحاب الفكر المدني اللاطائفي وكذلك من هم في السلطة باسم طوائفهم.

فلبنان النظام والدولة التي قامت عليها بما هي مؤسسات تقاسمها الطوائف والمذاهب يمر بمرحلة خطيرة جدا هي كتلك التي سبقت حصول حروب فيه وبعدها ظهرت التسويات التي كانت تعيد انعاش النظام الطائفي تقول المصادر التي تخشى من ان يذهب اللبنانيون الى احتراب اهلي يعيدون ما حصل معهم منذ عقود، لا بل لقرون وهذا ما يقلق الدول التي تحذر من ان لبنان اذا لم يتوافق السياسيون فيه على حل فإنه يتجه الى فوضى بدأت في الشارع الذي انتفض منذ 17 تشرين الاول 2019 لكن لم يصل هذا «الحراك الشعبي» الا الى مزيد من الاضطرابات الامنية التي بدأت تنذر بحصول معارك داخلية مع تحول الشعارات من مطلبية مرتبطة بمسائل اقتصادية واجتماعية ومعيشية، وتأمين فرص عمل ووقف الهدر والفساد، واسترداد الاموال المنهوبة واستعادة الودائع من المصارف والمحافظة عليها فإن بعضا من يشارك في قطع الطرقات والتظاهرات رفع مطالب مغايرة لها ارتباط بسلاح حزب الله وحياد لبنان وازالة «الدويلة» من الدولة واستعادة الدولة لقرار الحرب والسلم الى غير ذلك من شعارات سياسية ابتعدت عن المطالب الاجتماعية اذ يوجد خلاف داخلي عميق حول المسائل السياسية والاستراتيجية وموقع لبنان من الصراع مع العدو الاسرائيلي كما في المحاور الاقليمية والدولية وهذا التباعد بين اللبنانيين كان يؤدي الى حروب اهلية فيتم الابتعاد عن العناوين الاصلاحية الى اخرى يرتبط حلها بالخارج، وهذا ما ادى الى ان لبنان يتحول ساحة صراع لمصالح خارجية وينسى اللبنانيون مطالبهم الاساسية في بناء دولة لا احد الا ويدعو لها لكن الخلاف يبقى على من يقوم بهندسة البناء ورسم خرائطه.

ان لبنان امام مرحلة مصيرية تتعلق بوجوده ونجح زعماء الطوائف ورؤساء احزابها في تجييش مؤيديهم ومحازبيهم بالحقد والكراهية ضد بعضهم البعض.

فاللبنانيون هم من يصنعون «الفوضى الخلاقة» التي لا تأخذ الى الاقتتال فيما بينهم، كما يرغب المتحكمون بالسلطة من كل احزاب الطوائف حيث نجح كل متحكم طائفي بأن يوجه زبائنه بأن من تسبب لهم بالفقر والبطالة والانهيار، هو المتسلط مثله في الطائفة الاخرى وهكذا دخل لبنان في بابل الاتهامات وتمكن المتسلطون على الشعب من ان يهربوا من مسؤولياتهم وتجاوبت الزبائنية السياسية والحزبية والطائفية مع زعمائها وبدأ قطع الطرقات لحساب فاتورة هذا الزعيم وذاك الحزب سياسيا.

وهكذا سيواجه لبنان ربيعا قاسيا سيكون خريفا وشتاء على شعبه في ظل عدم وجود بدائل للطبقة السياسية الحاكمة وتعددية المرجع في ما يسمى «حراك شعبي» الذي لم تظهر له قيادة او برنامج وهذا ما يكثر من «حزب الكنبة» في المنازل.

الديار

Exit mobile version