الكيان المؤقت
اعداد | مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير
الكيان المؤقت
تحت عناوين “التفوق في القدرة العسكرية”، و”حتمية” الهيمنة الأمريكية، و”انعدام وجود البدائل”، يستمر المحور العربي- الغربي بالاعتراف بالكيان الإسرائيلي في منطقتنا بحجة “الواقعية”، واعتبار الثورية فكرة رومانسية غير مسؤولة. الواقع أن الإقرار بـ “عدم وجود بدائل” عن “السلام مع إسرائيل” يعني تبرير كل شيء إلى ما لا نهاية. والحق أن الحديث ليس له أن يدور في فلك “البديل”، وعمليات التسوية ليس لها أن تكون “قدَرًا” لا رادّ لقضائه، وما فكرة البديل إلا عملية تضليل لحرف الأذهان عن إدراك أن هذا الكيان هو كيان غير طبيعي تم زرعه في أرض رافضة له، وأن الرفض هو رد الفعل الطبيعي، وسينتهي هذا الرفض بزوال هذا الكيان، وما هو إلا كيان مؤقت، لا جذرَ تاريخيًا له.
في هذا الملف عرض لفعالية وصلاحية المصطلحات المستخدمة في الإشارة إلى كيان العدو، ومن ثم عرض للآليات التي المعتمدة لجعل كيانهم مقبولًا من خلال المصطلحات، والتي تحتم علينا نحت مصطلح يحتوي على ردة فعل تنسف كل تلك المحاولات لتثبيت كيان العدو في أرضنا. في الملف أيضًا عرض للتأثيرات النفسية والمعرفية التي من المتوقع لمصطلح/ وسم “الكيان المؤقت” أن يحققها.
أولًا: فعالية المصطلحات المستخدمة
ثمة العديد من المصطلحات الشائعة التي تطلق على الكيان الإسرائيلي في المنطقة، مثل كيان الاحتلال، كيان العدو، الكيان الغاصب، الكيان الصهيوني، و “إسرائيل” بين شرطتين في إشارة إلى عدم تبنيها كدولة.
كيان العدو: مصطلح دال على أن هذا الكيان هو عدوّ، وما بيننا وبينه علاقة صراع، هذا المصطلح بدايةً، ترك أثرًا في ذهن المتلقي لناحية تلقينه بأن هذا الكيان عدوّ، إلا أن بعض الأنظمة العربية، وبعض الإعلام العربي، وعملاء الغرب في منطقتنا، استطاعوا أن يراكموا خروقات في الحاجز النفسي تجاه هذا الكيان كعدو، في محاولات تكريس أن العداوة هي وجهة نظر، ومنهم من ذهب إلى شرعنة سلامه مع إسرائيل إسلاميًا، والترويج لأيديولوجيات دينية جديدة، قائمة على فكرة السلام.
كيان الاحتلال: هو تعريف توصيفي، خدم أيضًا في تكريس فكرة الاحتلال، لا يملك قوة تقريرية ترسخ تنبيهًا في ذهن المتلقي.
الكيان الغاصب: يحمل هذا المصطلح دلالة على طبيعة العدو، إلا أن العدو وعملائه استطاعوا الخرق بمحاولة تكريس “الواقعية”، بأن هذا الغصب سيستمر، وليس ثمة حلول إلا بالتسوية.
الكيان الصهيوني: هو مصطلح تعريفي، أي أنه كيان بأيديولوجيا صهيونية. الواقع أن ما درج في الوجدان الشعبي هو أن الصهيونية هي صفة ملحقة بالشتيمة، إذ يتضمن دلالة التزامية مع الاحتلال والتهجير والعنف وغيرها من الممارسات الإسرائيلية، إلا أن هذا المصطلح معتمد لدى كيان العدو بكل فخر، وليس فيه ما يشير إلى زوال الكيان.
“إسرائيل”: بين شرطتين في إشارة إلى عدم تبنيها كدولة، والواقع أن مجرد إعطاء رمزية للنقيض يجعل العبارة كالتالي: يعترف العالم بها كدولة ولكن أنا لا أعترف، والحال أن داخل الشرطتين أيضًا اعتراف غير مباشر بهذه الدولة.
ثانيًا: كيف يكرّس العدوّ وجوده من خلال المصطلحات
من الحيل الصهيونية البلاغية استخدام مصطلحات تبدو كما لو كانت بريئة محايدة تحل محل المصطلحات ذات المضمون التاريخي والواقعي، والخلط بين مصطلحات وجعلها بدون مجال دلالي واضح، ومحاولة طمس حقائق من خلال التجاهل والانكار وزرع واقع جديد من خلال التكرار:
المفردات المراوغة التي يستخدمها العدو
من الملاحظ أن الإسرائيليين لجعل كيانهم مقبولًا، يستخدمون في لغتهم الدبلوماسية: “الديموقراطية”، “الحرية”، “الأمن”، “السلام”، وهي نفس أدبيات الديبلوماسية الأمريكية، كما لو أنه كيان طبيعي في المنطقة. ويتم استخدام هذه المفردات بشكل مكثّف وأساسي للحصول على انطباع بأن الأخطار التي تتربّص هذا الكيان، هي نفسها الأخطار التي يمكن أن تتربّص بالدول المجاورة، وهي مشاكل مشتركة بينه وبين باقي الشعوب الأمريكية والأوروبية وحتى العربية، فيظهر الشعب الإسرائيلي بمظهر المدافع عن حقه في الأمن والديموقراطية مثل غيره من الشعوب، وأن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية تمامًا كباقي الحكومات لحماية شعبها. ويعرف الدعاة الإسرائيليون أنهم كلما ركّزوا على التماثل والتشابه مع الولايات المتحدة، زادت إمكانية كسب دعم الأشخاص المحايدين لصالح إسرائيل، وخاصة مع موجة التطبيع التي تجتاح دول الخليج اليوم ودول عربية أخرى.
إلى ذلك، فالملاحظ أن العدو في أدبياته أمام المجتمع الدولي والرأي العام، يُكثر من استخدام عبارات مثل “الاحترام المتبادل”، و”التعاون” و”التشارك” و”التسوية”، في محاولة للإيحاء بأمر واقع يجعل كلا الطرفين يتمتع بحقوق متساوية.
وفي سياق آخر، يبرع الإسرائيليون في خلق سياقات لمفردة “السلام” في حد ذاتها. فيستخدمونها كأنهم يمتلكون الحقّ فيها وينفون من خلالها عن أنفسهم بأنهم غزاة ومعتدون، خاصة أنهم باتوا يعرفون جيّدًا أنّ العالم لم يعد ينظر إليهم على أنهم شعب مقهور ومضطهد. وقد ارتفعت بعض الأصوات في الأوساط الأمريكية والجماهير الأوروبية، خاصة المتعلمة والمتقدمة والتي تتمتّع بآرائها الخاصة، على أنهم محتلون ومعتدون.
إلى ذلك، ثمة الكثير من الاستخدامات لمصطلح “السلام”، فمثلًا، لدى الحديث عن “دفع عملية السلام” ليس ثمة سياق عن المكان الذي سيتم الدفع إليه، وإبقاء السياق غامضًا سيؤدي إلى خيارات مفتوحة، في محاولات لجعله ينتهي بدمج “إسرائيل” بالعالم العربي.
تجاهل الأصول التاريخية والزمانية وتزييفها وتغليب عنصر المكان
من الحيل الأساسية في الخطاب الصهيوني محاولة عزل الظواهر والمصطلحات عن أصولها التاريخية والاجتماعية بحيث يبدو الواقع كما لو كان مجرد عمليات وإجراءات وأحداث ليس لها تاريخ واضح ولا سياق تاريخي محدد، وبالتالي فليس لها سبب معروف أو اتجاه محدد. فالسبب لا علاقة له بالنتيجة، والنتيجة لا علاقة لها بسياقها التاريخي، والمعلومة لا تنضوي تحت نمط. ومن ثم يمكن أن يتحول الهامشي إلى جوهري والجوهري إلى هامشي، ويمكن فرض أي معنى على أية واقعة من خلال وضعها داخل نمط متكرر في الخطابات، مثل تكرار عبارة “القدس عاصمة أبدية لإسرائيل” في الخطابات الصهيونية المتوجهة للرأي العام الداخلي والخارجي. في هذه العبارة/ الشعار إنكار للجذور التاريخية العربية أولًا، ويمكن العودة في تبرير هذا الشعار إلى محاولات التضليل الأولى عندما درجت ديباجة أن فلسطين “أرض بلا شعب”، في محاولة للقول: قد لا تكون فلسطين أرض الميعاد التي وعد بها اليهود ولكنها ليست فلسطين أساسًا وإنما هي مجرد أرض والسلام، مكان بلا زمان ولا تاريخ، ومن خلال التكرار والمراوغة فيما عرضنا سالفًا من مصطلحات يتم إخفاء الماضي والتراث وكل ما يتعلق بالزمان الفلسطيني من الخارطة الإدراكية، وتكريس “أبدية” القدس كعاصمة يهودية.
بناءً على ما تقدّم من استخدامات لمصطلحات تكريس الوجود ومفاهيم التطبيع بما هي عامل مساعد على تثبيت مشروعية استمرار النظام وبقائه، ودورها الأساسي والفعّال في جعل التطبيع أكثر مقبولية على الرغم من أن مصطلح التطبيع بحدّ ذاته يشي بأن ثمة ما ليس طبيعيًا يتمّ العمل لجعله طبيعي، وهكذا، يصبح غاية في الأهمية -وإن كان متأخرًا – توحيد مصطلح يحتوي على ردّة فعل على هذه المصطلحات التي تحاول تثبيت الكيان في العالم العربي، والاعتراف به كما لو أنه كيان طبيعي، وهو “الكيان المؤقت”.
ثالثًا: الكيان المؤقت
يتمتع هذا المصطلح / الوسم بأنه ذات مقدرة تفسيرية عالية على مستوى فعاليته اللغوية والمفاهيمية التي يفترض أن تخاطب الإدراك العربي والصهيوني في آن، فهو من جهة يكرس حتمية زوال الكيان في الخطاب العربي الذي بدأ يتصدّع بفعل التنظير المفاهيمي الانهزامي كما ورد في المقدمة، ومن جهة أخرى، هو سهم من سهامنا في الحرب النفسية مع العدو، فكلما ذكرنا كيانه، ذكرناه بأنه “كيان مؤقت”. حرب نفسية تتلاقى مع الهواجس المتنامية لدى قادة الكيان ونخبه والنقاش المستدام داخل الأطر السياسية والفكرية العبرية حول احتمال زوال الكيان.
تعريف الكيان المؤقت
المؤقت: اسم مفعول من أقّت، أي زائل لا يدوم، مرتبط بوقت محدد، وهو ما تكون ممارسته مسندة إلى وظيفة عابرة. والكيان المؤقت هو كيان استند وجوده على وظيفة زُرعَ من أجلها في منطقة غرب آسيا، وهو زائل غير دائم لعدة اعتبارات بنيوية تحتّم الزوال، منها: فشل وظيفته، ضعفه لأنه مصطنع وغير طبيعي، إرادة ومقاومة الشعوب الرافضة له.
حتمية الزوال
حتمية الانتهاء وفشل الوظيفة: في الأعوام التي سبقت عام 1948 وهو عام النكبة في فلسطين، جرت العديد من النقاشات في الأروقة السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة، كشفت عنها المذكرات، حول قيمة إنشاء “إسرائيل” في الولايات المتحدة. ولعلّ أبرزها النقاشات والمواقف الحادة التي حصلت بين الرئيس الأميركي آنذاك هاري ترومان رئيس أركان الجيش الأميركي مارشال الشهير الذي نظّم وسهّل غزو أوروبا، وصاحب «خطة مارشال» التي أعادت إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ركّزت مواقف مارشال على مجموعة اعتبارات:
– دعم دولة إقليمية إسرائيلية في الشرق الأوسط سوف يؤثر على أمن ومصالح الولايات المتحدة أولاً.
– الاعتراف بدولة يهودية سيؤجّج العالم العربي.
– الاعتراف بدولة يهودية سيؤدي إلى صعوبات إضافية ومتزايدة مع مشاكل مهمة أخرى أمام الأمم المتحدة والرأي العام.
– حسم المواقف بالعنف سيقوّض عمليات السلام.
– مصلحة اليهود أيضاً في حجب الاعتراف القانوني.
وهكذا أصبح مارشال ذا سمعة ليس فقط بأنه معارض لموقف الولايات المتحدة المؤيد لتقسيم لفلسطين، بل أوصى بشدة بألا تعترف الولايات المتحدة بدولة إسرائيل. لقد تنبأ مارشال بأن الدولة اليهودية ستشكل صداعًا للسياسة الأمريكية المستقبلية، وقد كان ذلك واضحًا له من خلال عدة مؤشرات أبرزها التعنت الإسرائيلي آنذاك في الصراع مع الفلسطينيين والمستمر حتى اليوم، والذي يشلّ موقع ودور الولايات المتحدة في المنطقة، وفيما نقل في مجلة فورين بوليسي في مقال “موجز بترايوس: إحراج بايدن ليس كل القصة” عام 2010، نقل الكاتب مارك بيري أن بايدن نقل فحوى تقرير مولين- بترايوس عام 2010 نتنياهو بقوله: ” «لقد أصبح الأمر خطيراً بالنسبة إلينا. إن ما تفعله هنا يهدد أمن قواتنا المقاتلة في العراق وأفغانستان وباكستان، وهذا يعرّضنا ويعرض الأمن الإقليمي للخطر» .
إثر عملية سيف القدس الأخيرة، كتب ستيفن والت مقالاً تحت عنوان «حان الوقت لإنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل»، وهو كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد. في هذا المقال اعتبر والت أن الولايات المتحدة قد بالغت في قيمة «إسرائيل» كرصيد استراتيجي في كثير من الأحيان، وأن الدعم غير المشروط لإسرائيل اليوم يخلق مشاكل لواشنطن أكثر مما يحلها. ويرى أن تكاليف العلاقة الخاصة بينهما مستمرة بالارتفاع، على أن هذه التكاليف سياسية وليست اقتصادية.
فعندما تقف الولايات المتحدة بمفردها وتستخدم حق النقض ضد ثلاثة قرارات منفصلة لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، فإنها تعيد التأكيد مراراً وتكراراً على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وتفوّض بإرسال أسلحة إضافية بقيمة 735 مليون دولار إلى إسرائيل، وتقدّم للفلسطينيين خطاباً فارغاً فقط حول حقّهم في العيش بحرية وأمن مع دعم حل الدولتين (هذا الأخير هو احتمال لم يعد يأخذه إلا عدد قليل من أهل العلم على محمل الجد)، فإن «ادعاءها بالتفوّق الأخلاقي أصبح مكشوفاً باعتباره أجوفَ ومنافقاً». يقول والت.
والتكلفة الدائمة الأخرى لـ «العلاقة الخاصة» كما يعبّر الكاتب، هي الاستهلاك غير المتناسب للنطاق التردّدي للسياسة الخارجية مع «إسرائيل». يواجه بايدن وبلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان مشاكل أكبر مما يدعو للقلق من تصرّفات دولة شرق أوسطية صغيرة. ومع ذلك، تتورّط الولايات المتحدة في أزمة من صنعها إلى حد كبير، «تتطلّب اهتمامها وتستغرق وقتاً ثميناً بعيداً عن التعامل مع تغيّر المناخ والصين والجائحة وفك الارتباط الأفغاني والانتعاش الاقتصادي ومجموعة من المشاكل الأكثر ثقلاً». ويضيف: «إذا كانت للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل، فإنها ستحظى بالاهتمام الذي تستحقّه ولكن ليس أكثر».
ثالثًا، يؤدي الدعم غير المشروط لإسرائيل إلى تعقيد جوانب أخرى من دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. سيكون التفاوض على اتفاقية جديدة للتراجع عن إمكانات الأسلحة النووية الإيرانية ووضع حد لها أسهل بكثير إذا لم تواجه الإدارة معارضة مستمرة من حكومة نتنياهو، ناهيك عن المعارضة القاسية للعناصر المتشدّدة من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
واليوم، وبعد معركة سيف القدس في أيار من عام 2021، تبدو الأجواء التي سيطرت في عام 2010 أكثر انقشاعاً وتثبيتاً، ولم تعد أي سياسة أميركية قادرة على تجميل الحقائق التي استشرفها مارشال، لقد أتى اليوم الذي وُصفت فيه «إسرائيل» بأنها دولة فصل عنصري داخل قاعات الكونغرس، كما اتُّهمت بأنها ترتكب «أعمالاً إرهابية»، وفي الحالتين لم تقابل هذه الاتهامات بمعارضة واسعة داخل الكونغرس. كما أن كلّ الاعتبارات التي أشار إليها مارشال في مذكّراته، تتثبّت مصاديقها يوماً بعد يوم، أمام الرأي العام العالمي والأميركي الذي لم يكن للإدارة الأميركية ما تقوله له، سوى مسارعة بايدن لوقف الحرب على غزة، بالإضافة إلى معضلة مقاومة الشعوب للكيان الصهيوني التي تزداد تأجّجاً وتراكم قوة إلى اليوم، وإعلان هذه الشعوب عداءها الواضح للولايات المتحدة.
كيان مصطنع وغير طبيعي:
كيان مصطنع تم زرعه في أرض رافضة له، فمنذ قيامه لم تنتهِ المقاومة ضده بل تزداد مراكمة للقوة العسكرية وقوة الحق بالأرض. أما على صعيد الدول المجاورة، فرغم كل الجهود العالمية لجعل الأنظمة تعترف بالكيان اليهودي في المنطقة العربية، إلا أنها لم تتمكن من تحصيل الاعتراف الشعبي.
إلى ذلك، فإن هذه الدولة تأسست على العرق والدين، وتجعلهما أساس المواطنة فيها، وتستند إلى وهم التفوق العرقي، وإلى أساطير “الحق التاريخي”، ومهما كان من حالها فإنها ليست في إطار الدول الحديثة، فهي فيما تصدره من تشريعات، دولة عنصرية بامتياز من غير الممكن الاندماج الديموقراطي فيها، وقيامها أصلا مخالف لكل السنن في نشوء الدول، وأساس قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية من خارج حدود الأرض التي أقامت عليها كيانها، وقائم على الحماية الأمريكية. وهي دولة وظيفية أسسها التشكيل الحضاري والإمبريالي الغربي لتقوم على خدمته، ولذا فهي كانت تحظى بكثير من التعاطف لأن بقاءها كقاعدة للاستعمار الغربي جزء من الإستراتيجية العسكرية والسياسية والحضارية للعالم الغربي ·
إرادة ومقاومة الشعوب الرافضة له:
عادة ما يكافح الفلسطينيون وحلفاؤهم من محور المقاومة من أجل اختراق روايتهم في الاعلام العالمي، لكن ليس بعد معركة سيف القدس. لا ريب أن لدى إسرائيل ميزة عسكرية في صراعها المستمر مع المقاومة الفلسطينية، لكن في الكفاح للسيطرة على الرواية العامة للصراع بدأت ميزة هذا الكيان تتراجع، خاصة بعد التطور التقني والاتصالي الذي استطاع اخراج القضية الفلسطينية من البعد المحلي، وعزز هوية القدس العربية.
التوقعات الإسرائيلية حول الزوال:
كل الجهود السابقة في المراوغة والتزييف ومحاولات تحقيق إنجازات وانتصارات من خلال اللغة، لم تتمكن من تغيير الواقع المتصدع لهذا الكيان، وهنا يتم طرح فكرة الجدوى، فهل فعلًا هذا الكيان قابل للاستمرار “الأبدي” كما يدعون في شعار “القدس عاصمة أبدية لإسرائيل”؟ بعيدًا عن كل تقنيات التضليل اللغوي أثبت الواقع أنه في كل مرة يحصل حرب بين كيان العدو وبين المقاومة، تبدأ الأصوات العبرية بالتصاعد والتنبؤ حول بداية نهاية هذا الكيان:
يارون لندن وهو كاتب صحافي عبري كتب في مذكراته في نهاية العام 2014: إنني أعدّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأقول له إن نسبه بقائنا في هذه الدولة لن يتعدى 50%. ولمن يغضبهم قولي هذا فإنني أقول له إن نسبه 50% تعتبر جيدة لأن الحقيقة أصعب من ذلك.
يوفال ديسكين وهو رئيس سابق لجهاز الشاباك: لا أدري هل هي نهاية البداية أم بداية النهاية، نحن ليس فقط فاسدين بل نحن معنفون.
كارمي غيلون رئيس سابق لجهاز الشاباك: إن استمرار السياسات المتطرفة ضد المسجد الأقصى ستقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد الشعب اليهودي وستقود إلى خراب إسرائيل.
مائير داغان رئيس جهاز الموساد العاشر: إنني أشعر بخطر على ضياع الحلم الصهيوني.
روني دانييل المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية: أنا غير مطمئن أن أولادي سيكون لهم مستقبل في هذه الدولة، ولا أظن أنهم سيبقون في هذه البلاد.
أفراييم هليفي رئيس سابق لجهاز الموساد: نحن على أبواب كارثة، إنه ظلام ما قبل الهاوية.
بيني موريس وهو مؤرخ إسرائيلي: خلال سنوات سينتطر العرب والمسلمون ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض إما مطاردة أو مقتولة وصاحب الحظ هو من يستطيع الهرب إلى أمريكا أو أوروبا.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء السابق: سأجتهد لأن تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المائة لكن هذا ليس بديهيًا، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 سنة وهي دولة الحشمونائيم.
غادي آيزنكوت رئيس أركان جيش الاحتلال السابق: الأهم من كل التهديدات الخارجية، وأن ما يقلقه هو تراجع التماسك الاجتماعي والداخلي في إسرائيل، لأن الصدع في المجتمع الإسرائيلي، والقطيعة المتبادلة بين القادة، وتدهور الحكم، وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة والمحاكم، وانتشار الجريمة، كل هذه أكبر تهديد يواجه مستقبل الدولة.
رابعًا: التأثيرات النفسية والمعرفية
الفعالية المفاهيمية للفكرة
بناءً على كل ما ورد أعلاه، وقبل إخضاع هذا المصطلح للمبادئ التقنية للكلمات الفعالة، يتضّح أن التركيز والتداول المتكرر لفكرة مؤقتية الكيان، تترك تأثيرًا نفسيًا اندفاعيًا لدى الشعوب المحتلة، وتأثيرًا نفسيًا انهزاميًا لدى الشعوب المستوطنة. وتأطيرًا عامًا لمحدودية هذا الكيان. إنه من أكثر المفاهيم تصويبًا على حتمية انتهاء هذا الكيان، وهذا وعد ديني أيضًا ورد في القرآن والتوراة والإنجيل.
الفعالية التقنية للمصطلح
يتميّز هذا المصطلح “الكيان المؤقت” بالبساطة، إذ لا يجبر شخصًا للوصول إلى القاموس، ومعانيه لا تحتمل التأويل وهو مفهوم بشكل واضح من قبل الجميع، وهو ليس فقط مصطلحًا يحتوي على أفكار وبروباغندا دعائية، بل يتمتع بالمصداقية التاريخية والظرفية ووجوده المؤقت هو استشراف علمي ووعد إلهي.
صحيح أن طرح كلمة “مؤقت” هو طرح جديد للتداول ما يمكن أن يؤثر على فهم المعنى، إلا أن كلمة الكيان، أصبحت ترتبط شرطيًا في الأذهان، فتستحضر مباشرة الكيان الإسرائيلي، وتصبح تمامًا مثل مصطلح “كيان العدو”، فعندما نقول كيان العدو، تذهب أذهاننا مباشرة إلى الإسرائيلي. وعليه يصبح مصطلح “الكيان المؤقت” هو تعريف جديد لفكرة قديمة ومعروفة، ولن تحتاج معها إلى تعريف أن المقصود به هو الكيان الصهيوني المؤقت أو كيان الاسرائيلي المؤقت، وإن كان ربط الكلمتين في الإشارة إلى الكلام في بدايات التداول هو فعل مفيد ونافع لترسيخ المصطلح.
إلى ذلك، يتمتّع هذا المصطلح بالإيقاع اللفظي القوي، والسهل في الوقت نفسه، سواء في العربية أو بالإنكليزية Temporary Entity، سهل الحفظ واللفظ.
مسألة مهمة أخرى، في الرسائل، يجب أن تقول ما يريد الناس سماعه، كأن تتحدث بطموح، والترويج إلى أن هذا الكيان مؤقت، يخاطب أعمق آمال الشعوب المستضعفة وأحلامها، وهو ما تريد سماعه وتصديقه وتثبيته للخلاص من ظلم وعدوان وكل ما يحصل عليها من مشقات وعقوبات دولية بسبب هذا الكيان.
وأخيرًا
الواقع أن استخدام الأطراف الفاعلة السياسية والإعلامية لأفكار ومفاهيم معينة، سيؤدي إلى تغيير أكثر أثراً عندما يتم إضفاء الطابع المؤسسي عليها. فما يجعل الأفكار قوية هو استقرارها، وقدرتها كمنطلق فكري على قولبة أنماط التفكير بحيث تقود إلى القضاء على أي حلول سياسية أخرى خارج قالبها الفكري، وهي تعتمد إلى حد كبير على دعم أطراف فاعلة سياسية في مواقع مركزية قيادية بالدرجة الأولى، وأطراف فاعلة إعلامية بدرجة لا تقل أهمية، ووضعها على أجندات سياسية وإعلامية. ومن ثمّ إطلاقها في مناسبة مركزية أيضًا لتعطي انطباعًا راسخًا لا يُنسى، ومن ثمّ، يأتي دور التكرار، والتكرار، والتكرار، فالتكرار هو التقنية الأكثر فعالية لاستمرار الرسائل، ووضعها في سياق مستمر ومتصل.