الكسندر نازاروف | متى يبدأ الهجوم الروسي في أوكرانيا؟

الكسندر نازاروف | كاتب وباحث روسي

يتحدث الجميع في الغرب بلا استثناء عن الهجوم الروسي القادم في أوكرانيا خلال الأيام العشرة المقبلة.

قد يكون الأمر كذلك، إلا أن هناك عددا من القضايا التي تجعلني أشك في أن هذا الهجوم سيحدث، أو في أنه على أقل تقدير سيكون كبيرا.

بعد الاستيلاء الوشيك على أرتيوموفسك (الاسم الأوكراني – باخموت)، وربما سيفيرسك، من المحتمل تحرير مناطق كبيرة نسبيا وقليلة في عدد سكانها. ومع ذلك، فإن الاستيلاء السريع على المدن الكبيرة والمحصنة دون تدميرها وتكبد خسائر فادحة على الجانب الروسي لا يكاد يكون ممكنا. في الوقت نفسه، فإن التضحيات الكبيرة غير مقبولة للكرملين، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية.

تواصل القوات الروسية القتال ضد عدو أكثر عددا بكثير، وسيتطلب تطويق أي مدينة كبيرة والهجوم عليها تركيزا للقوات يمكن أن يترك قطاعات أخرى من الجبهة عرضة لهجوم أوكراني مضاد، كما حدث في منطقة خاركوف سبتمبر الماضي.

وقد أتاح حشد 300 ألف جندي احتياطي من قبل روسيا الفرصة للسيطرة بشكل آمن على خط المواجهة، ولكنه لا يكفي لتحرير كل أو حتى نصف أوكرانيا.

يمكن للقوات الروسية استخدام قوتها النارية المتفوقة لطحن القوات الأوكرانية ببطء، مع هجمات محلية محدودة، ولكن ليس من أجل عمليات أكبر من الاستيلاء على سلوفيانسك وكراماتورسك. وأتوقع أن يكون السيناريو الأكثر ملاءمة، هو تطويق زابوروجيه، التي سيضطر الجيش الروسي إلى البقاء بالقرب منها لفترة طويلة، وسيتكرر هذا الوضع بالقرب من كل مدينة كبرى، وهي حرب يمكن أن تستمر لسنوات عدة، أي أن رفع وتيرة الحرب بالأسلحة التقليدية استعانة بالأعداد الحالية للقوات الروسية ستزيد من خسائرها ولن تقرب النصر كثيرا.

لكن السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه: ما الذي ينتظرنا إذا ما نجح الهجوم؟ ماذا لو وصلت القوات الروسية مثلا إلى كييف أو أوديسا؟

استنادا إلى المشاركة المتزايدة بسرعة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية الأخرى في الحرب، فإنه من المرجح في مثل هذا السيناريو أن نتوقع صداما مباشرا بين روسيا وحلف “الناتو” أو مع عدد من أعضائه بشكل فردي.

بل إن إمكانية تحول هذا الصراع إلى صراع نووي بسرعة شديدة ستصبح إمكانية كبيرة للغاية.

فما هي إذن استراتيجية روسيا؟

يشبّهون روسيا بالدب، إلا أنني أفضل مقارنة بوتين بعنق أفعى يلتف حول رقبة الفريسة ويضغط ببطء على الحلقات، حتى يمنع الضحية من التنفس إلى أن تختنق في النهاية.

ولأسباب اقتصادية، لا تستطيع روسيا تحمّل مواجهة شاملة مع الغرب لعقود. لأسباب عسكرية، لا يمكنها تحمّل إطالة أمد الصراع لأكثر من عامين أو ثلاثة على الأكثر، بعدها ستضطر لاتخاذ قرار إما بالاستسلام أو التصعيد النووي.

ومع ذلك، فإن أوكرانيا قادرة، وبالتالي الغرب، على تحمّل استمرار الأعمال القتالية النشطة مع روسيا لفترة أقصر بكثير، ربما سنة واحدة أو أقل.

وقد تلقت أوكرانيا فعليا، وفقا للقادة الغربيين، 120 مليار دولار من المساعدات.

أي أن الموارد التي تستهلكها أوكرانيا كبيرة للغاية، وهي نفسها قد ماتت اقتصاديا بالفعل، ومع استمرار الضربات الروسية على منشآت الطاقة، ستعود إلى العصور الوسطى في غضون بضعة أشهر.. أما الغرب فبحاجة إلى الاستعداد بشكل عاجل للحرب مع الصين. وعلى الرغم من النشوة التي تحدثها الصحافة الغربية، إلا أن الوضع الاقتصادي الغربي مستمر في التدهور، وهناك احتمال كبير لحدوث انهيار اقتصادي خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

والخيار بين قراري الهزيمة أو التصعيد موجود بالفعل الآن على أجندة الغرب.

ويقوم زيلينسكي في هذه الأيام بجولة مسرحية في أوروبا، بينما يمطر القادة الأوروبيون هذا الممثل الأوكراني بالهدايا التذكارية والرموز التي لا قيمة لها، ويبذلون قصارى جهدهم لتحفيزه على مواصلة الحرب الانتحارية ضد روسيا دون الحاجة لإنفاقهم الكثير من المال.

ما أفضل أن أصدقه هو أن أوكرانيا هي التي ستحاول القيام بهجوم مضاد واسع النطاق ضد روسيا. وبالنسبة لأوكرانيا، يمكن أن تكون هذه المحاولة انتحارية، قد يؤدي فشلها والإحباط والتراجع إلى انهيار الجبهة وسقوط النظام (ومن ثم تورط “الناتو” فيما بعد).

لذلك، فأوكرانيا ومعها الغرب مستعدون للمجازفة والتصرف بمبدأ “النصر أو الموت”، معتمدين على ضربة واحدة قوية، فيما على الأرجح ألا تكون هناك ضربة ثانية من قبل أوكرانيا.

ومع هذا، فالغرب منقسم: ماكرون يقول إن روسيا يجب ألا تنتصر، بينما تقول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبولندا إن روسيا يجب أن تخسر، والفرق بين هذا وذاك شاسع، حيث يسمح السيناريو الأول بالحفاظ على أوكرانيا داخل حدود أصغر بشكل كبير، والثاني لا يرجح الحفاظ على روسيا داخل حدودها الحالية.

ترى ألمانيا وفرنسا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى أن نجاحا محتملا لأوكرانيا سيكون وسيلة لتحسين وضعها في محادثات السلام التي لا مفر منها في نهاية المطاف، بينما ترى الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا وأقزام البلطيق أن الوضع يمثل فرصة تاريخية لتدمير روسيا بشكل نهائي.

وفي الأسابيع الأخيرة، شهدنا قتالا داخل حلف “الناتو” على إمدادات الدبابات، والتي خسرها الأوروبيون “المعتدلون”. نتيجة لذلك، حددت أوروبا كلها مسارها نحو التصعيد.

ومن سبتمبر إلى يناير، تبادلت أوكرانيا وروسيا أماكنهما بهدوء، لينتقل زمام المبادرة بحزم إلى روسيا في غياب معارك كبرى، وأوكرانيا والغرب في حالة من الذعر.

أعتقد أن الوضع سيبقى على ما هو عليه حتى نهاية الربيع تقريبا، حتى تقوم أوكرانيا بمحاولة هجومها المضاد. وبالقرب من الخريف أو الشتاء القادم، سيواجه الجانب الخاسر (الغرب على الأرجح) الخيار بين الهزيمة أو الانتقال إلى مستوى جديد من التصعيد.

بحلول ذلك الوقت، سيكون الطيارون الأوكرانيون جاهزين للإقلاع بالمقاتلات الغربية.

Exit mobile version