منذ اليوم الأول للتحركات والعديد من أبناء مدينة طرابلس يؤكّدون وجود غرباء يسرحون ويمرحون في الساحة. وليل الخميس 28، كان مأساوياً. فبعدما عجز عدد من المحتجين عن اقتحام السرايا، حرقوا مبنى بلدية طرابلس، وعاثوا الخراب في المدينة، في تصرف استدعى ردود فعل مستنكرة من جميع الأطراف، واولهم من أبناء الفيحاء وفاعلياتها، الذين دانوا واستنكروا وشجبوا وطالبوا القوى الأمنية والجيش الضرب بيد من حديد.
لم تمرّ 24 ساعة على حرق مبنى بلدية طرابلس، وعلى بيان الرئيس المكلّف الرئيس سعد الحريري الحاسم، حتى عاد المحتجون أمس إلى امام السرايا وعملوا على رمي الحجارة والمفرقعات، لكن سرعان ما تدخّلت وحدات الجيش اللبناني وعناصر المغاوير لحسم الوضع على الأرض، وإخراج المحتجين من ساحة النور إلى الشوارع المتفرعة.
وسرعان ما سيطر الهدوء على المدينة، وسط انتشار كثيف لعناصر الجيش وآلياته في محيط ساحة عبد الحميد كرامي «النور» وفرع مصرف لبنان عند المدخل الشمالي للمدينة وعند تقاطع طريق بولفار فؤاد شهاب طريق – المئتين.
وفي حين كانت ورش الصيانة والتنظيفات في البلدية تواصل رفع الانقاض والردميات أمس، نفذ المجتمع المدني في طرابلس وفاعليات اقتصادية وثقافية وقفة تضامنية واستنكارية أمام مبنى البلدية، للتأكيد على أنّ المدينة غير متروكة من أهلها ولن يكون للأيادي العابثة بأمنها واستقرارها أي مكان فيها.
رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير الذي كان يتفقّد المبنى قال لـ»الجمهورية: «نحن هنا لنؤكّد لرئيس البلدية والأعضاء دعمنا في اعادة اصلاح الاضرار، كما ودعم كل المرافق والمؤسسات التي تضرّرت». وأضاف: «الجميع يعرف من يقوم بأعمال التخريب وان شاء الله ستتمكن الاجهزة الامنية من توقيفهم».
رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق قال بدوره لـ»الجمهورية»: «ما حصل في طرابلس بعيد جداً عمّا يقال بأنّه خبز الفقراء. الفقراء لم يهاجموا طرابلس، من هاجم البلدية هم المشاغبون المأجورون، كونها كانت عقبة في وجه أي مخرّب وأي طائفي ومتعصّب، وكل من يريد السوء للمدينة. البلدية كانت دائماً الى جانب فقراء طرابلس والأحياء الشعبية، وعمالها يعملون بالرغم من أزمة الكورونا، طرابلس وان كانت الأفقر على حوض المتوسط الّا انّ لأبنائها كرامة وعنفواناً وتاريخاً».
أضاف: «الرسالة وصلت، وسيكون لنا ردّ قوي. حاولوا الالتفاف على المدينة والبلدية التي وقفت دائماً الى جانب الثوار والذين جاؤوا لتأييد بلديتهم».
وختم: «المبنى القديم احترق، بيد انّ الأرشيف لم يطاله أي حريق. طبعاً الخسائر كبيرة جداً ولن يكون هناك الّا الخير».
الرئيس الأسبق لبلدية طرابلس المهندس أحمد قمر الدين أكّد لـ»الجمهورية»: «انّها رسالة للمدينة، ولذلك استهدفت السرايا، نحن نأسف لما يجري على الأرض والاعتداءات على المؤسسات العامة، القوى الأمنية تأخّرت في التدخّل».
من جهته، قال عضو المجلس البلدي الدكتور باسم بخاش: «لا شك أنّ الضربة موجعة، كون البلدية قلب ووجدان المدينة، الضربة غريبة كون البلدية وقفت الى جانب الثوار ولم تعاكسهم، لم نكن نتوقعها. من هجم على البلدية غرباء لقد تمّ رؤية صورهم عبر الكاميرات وسمعنا اصواتهم ولهجاتهم ليست طرابلسية. هناك علامة استفهام كبيرة، ووضع المدينة على فوهة بركان، فكيف لا يكون هناك نقطة عسكرية على باب البلدية؟ هناك شبهات كبيرة، لكن هناك كاميرات صورت كل شيء ونطالب بتحقيق جدّي وفعلي هذه المرة والضرب بيد من حديد بغية محاسبة الفاعلين، اذ من غير الوارد وقوع الكوارث بشكل مستمر بلا محاسبة».
وأوضح أنّ الملفات والسجلات المالية والهندسية بقيت بخير، كونها موجودة في طابق لم يطله الحريق، باستثناء المعاملات اليومية التي احترقت بالكامل».
أما عضو المجلس البلدي الدكتور خالد تدمري، فقال: «هي رسالة للمدينة ممثلة بالبلدية، لأنّه ومنذ اندلاع الثورة وما من جهة فاعلة في المدينة سوى البلدية مع اختفاء تام لكل القيادات السياسية».
وسأل:» أين هو دور القوى الأمنية والأجهزة الاستخباراتية الموجودة على الأرض، الكل علم بأنّ المشاغبين توجّهوا الى البلدية وهي ملك لكل اللبنانيين، فلماذا كل هذا الاهمال؟».
وختم: «هناك طابور ثالث ولا نتهم الثوار ولا نتهم أبناء المدينة. كل من قام بهذا العمل هم غرباء عن المدينة، وهي أياد مشبوهة. ونحن نطلب من القيادات المعنية كشف الحقيقة لاسيما وانّ كاميرات المراقبة متوفرة وهناك بيك أب نقل الكثير من الأغراض، فكيف تمّ ذلك؟ وكيف تحرّكوا بكل حرية؟ هناك تقصير فاضح وهوة أمنية وقعت فيها المدينة».
الناشطة ناريمان الشمعة المسؤولة في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» قالت: «المواجهات الاخيرة في طرابلس وغيرها موجعة ومقلقة، لأنّ ابناء المدينة التي باتت الأفقر على شاطئ المتوسط يصرخون كما كل اللبنانيين في وجه السلطة العاجزة والفاشلة».
المواطن طلال عبيد اكّد انّ الدولة تتحمّل مسؤولية ما حصل، وهي التي سمحت بتفاقم الامور. واشار الى انّ الذين قاموا بأعمال التخريب وجوه غريبة عن المدينة. وكلنا شاهدناها عبر شاشات التلفزيون.
حسان شحادة المشارك في الوقفة التضامنية امام البلدية قال: «أين الدولة من الذي حصل؟ هناك تقصير من قِبل الأجهزة الأمنية، ولا ادري ان كانت الدولة تخاف على نفسها لأنّها تدرك ما ارتكبت ايديها من فساد وتجويع للناس الذين لم يعد لديهم من يتكلون عليه، ولا حول ولا قوة لهم. يريدون طرابلس صندوق بريد يستغلون فيه فقر الناس وجوعهم. نأمل أن يُكشف المستور وتتوضح الصورة ويتمكنوا من كشف المخربين.
ترميم على نفقة الحريري
إشارة إلى أنّ ممثل الرئيس سعد الحريري السيد أحمد هاشمية تفقّد أمس بدوره مبنى بلدية طرابلس برفقة العقيد محمد عرب رئيس شعبة المعلومات في الشمال. ونقل هاشمية تحيات الرئيس الحريري الذي اوفد معه المهندس فادي كحول، للبدء فوراً بترميم البلدية على نفقته.
اجتماع أمني
وعقد وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي أمس، اجتماعاً أمنياً شارك فيه قائد الجيش العماد جوزاف عون، المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، رئيس شعبة المعلومات العميد خالد حمود ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي، وتمّ البحث في الاوضاع الامنية المستجدة في كل المناطق اللبنانية، وخصوصاً في مدينة طرابلس. وشدّد فهمي على «ضرورة تعزيز التنسيق بين الاجهزة الامنية كافة حماية للمواطنين والأملاك العامة والخاصة».
الجمهورية