مقالات مختارة

القوم أبناء القوم: ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة !

الشيخ الدكتور صادق النابلسي | كاتب لبناني، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الدولية .

لعب الشاه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ما تلعبه الولايات المتحدة الأميركية اليوم من دور نشطٍ في إعادة تشكيل المجتمع الشيعي وإعادة ترتيب أوراقه السياسية والثقافية، حتى يتّسق الدور مع إعادة رسم خريطة الواقع اللبناني في سياق الصورة الجديدة المُراد تثبيتها لخرائط المنطقة. حالة سيولة دموية وعنفية وطائفية وجغرافية وأيديولوجية بدأت بقوة مع اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 وبعده عدوان تموز 2006 ثم ما سُمي زوراً «الربيع العربي» والحرب الكونية على سورية، التي كان لنا منها نصيب لأسباب محلية وأخرى إقليمية ودولية. سيولة تجرف الثوابت بدءاً من الأرض والإنسان وانتهاءً بالأفكار والقيم. في هذه المعمعة الرهيبة بدأت الثوابت الدينية والأيديولوجية عند بعض الشيعة تهتزّ. وأضحت حتى الهوية الوطنية، في بُعدها المتعلّق بالصراع مع العدو الإسرائيلي، موضعاً للجدل والمقاربات الهجينة، وكأنّ لُبساً تراكمَ في الوعي الشيعي يجب تفكيكه، أو أنّ سَيرورة الحداثة ومنجزاتها وحضورها التاريخي لا ريب ستُبلوِر نفسها ضد محابس الأيديولوجيا وعقيدة الجهاد لتوفّر تأويلاً وتفسيراً جديديْن يؤسِّسان لواقع يتقاطع على أقل تقدير مع فكرة الحياد و«دولة المنظمات المدنية» المشمولتين بعناية غربية! أو أنّ طوفان المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية أخذ يطرَح بشدّة على النُّخب الشيعية نوعاً من الأسئلة لم يسبق لها أن طرحتها على نفسها من قبل، لفهم تعقيدات العيش وتحديد وضعية «الشيعي» لاهوتياً ومعرفياً والانطلاق منهما بعيداً عن لحظة الانقطاع التاريخي الحالية المتمثلة بارتباط الشيعة بمحور «ولاية الفقيه» !
في ذلك الزمن اشتغل الشاه لتكوين وشائج قوية مع شيعة لبنان لا على خلفية مذهبية وحديقة خلفية وامتداد حضاري وإنما كرمى عينَي الصديق الإسرائيلي الذي يُقلقه ويُخيفه نشوء حركة مقاومة ينادي المنضَوون إليها بشعار «إسرائيل شر مطلق». كان المطلوبُ بناءَ مجتمع يضبط إيقاعه نظامٌ لا علاقة له بالقضية الفلسطينية وبالفكر المقاوم، ونسج خيوط مباشرة تربط المصالح والجغرافيا والسياسة الشيعية بمركز الإمبراطورية الشاهنشاهية التي تُنفّذ بدورها التعليمات والأوامر الأميركية باجتهاد وإخلاص.
كان الإمام الصدر قد رأى ما رأى من حرمان وتهميش ومظلومية بحقّ شيعة لبنان، وما جرى على أرضهم من احتلال، وما يتعرّضون له من عدوان، وما أصابهم من خذلان محليّ وعربيّ وإسلاميّ. سنوات من النداءات والاستغاثات ولا يسمع أنين الجنوبيين سوى الهضاب، وصُمَّتْ آذان المسؤولين عن أنبل الكلمات التي خرجت على لسانه. تحرّك وهو يزداد اكتظاظاً بشعبه المعطاء. لم يستسلم للحرمان ولا للاحتلال ورفض الموت الرخيص وقال في وجه كل من يحمل ذاكرة مغشوشة وتزحف الهزيمة الثقافية والعسكرية إلى قلبه: «السلاح زينة الرجال».
كانت كلماته وحركاته موضعَ خلاف في التقييم الشيعي الداخلي حتى ساهمَ البعضُ في «العمل الجراحيّ» الذي استهدف استئصالَ الصدر أو تقليص دوره السياسي. زعماء ونواب وعلماء دين في تلك المرحلة تباينت مواقفهم من الصدر، ونُظر إلى أفعاله وكأنّها مرضٌ سرطانيّ ينتشر في جسم البيئة الشيعية حتى انزلقت هذه الفئة إلى الهَتْك الشخصيّ نتيجة إفلاسها وضُمورها وانسداد أفقها، ما اضطر الصدر يوماً أن يعلّق على هذا الإسفاف قائلاً: «إنّ بعض رجال الدين قد بدأ بمناوأتي والكيد لي لا لسبب، إلّا لأنّ الجمهور بدأ يلتفّ حولي. إنّهم لا يتورّعون عن خلق الشائعات المُغرِضة ضدّي، وإنّهم بالطبع سيجدون مادةً للهجوم عليَّ من خلال الاحتفال الذي سيُقام في قاعة السينما. إنّهم سيقولون بكل صفاقة إنّ السيد موسى قد وقف على الخشبة التي تقف عليها الـ «Artiste».
ما أثار حفيظة مراقبيه من الدول ولا سيما إيران الشاه التي كانت تتابع بتوجّس كبير آنذاك حركة الإمام الخميني والمعارضين الإيرانيين في الخارج هو ما عزاه الكاتب وضّاح شرارة إلى توسّل الصدر «غاياته بالعمل السياسي الجماهيري، وبتكثير العلاقات ونسج الروابط التي تجعل منه وسيطاً وطرفاً في شبكة الروابط اللبنانية والإقليمية». شعور هذه الفئة بالانكشاف والإحساس بالقلق على فقدانها الساحة الثقافية والسياسية جرّاء هذا التحوّل في المزاج الشعبي الشيعي لمصلحة الصدر قادها للتعامل مباشرة مع نظام الشاه الذي كان بدوره يبحث عن أدوات محلية تم إغواء بعضها بالمال وبعضها الآخر بمناصب وامتيازات متنوّعة. وبهدف منع نفوذ الصدر من التمدّد نمَتْ شخصياتٌ دينية بتدبير وتسهيل من المخابرات الإيرانية التي رعَتْ هؤلاء الذين تقاطعوا بدورهم مع مجموعة أخرى من علماء الدين المؤيّدين للخطّ الأسعديّ، فيما كانت مجموعةٌ أخرى من العلماء محسوبةً على اليسار تنشط في حركتها النقدية من زاوية علاقة الصدر بالمسؤولين الرسميين اللبنانيين و فكرة «كيانية» الوطن اللبناني وقضايا سياسية أخرى. وحتى يتمّ إبعادُ الصدر من قلب الميدان السياسيّ والدينيّ كُلّفت السفارة الإيرانية في بيروت بتظهير وتسويق شخصية علمائية (السيد حسن الشيرازي) لها مواصفات كارزيماتية، وإرث علميّ وعائليّ قديم لتُواجهَ «خطر الصدر»! هذا وتكشف إحدى الوثائق التي نُشرت بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ضمن عدد من المجلّدات تحت عنوان «أصحاب الإمام الخميني برواية وثائق السافاك» / مجموعة الإمام الصدر / ع17 / ج3 / ص278 التالي:
(الموضوع: السيد حسن الشيرازي.
– يأمل قادة الأحزاب اليمينية المسيحية في لبنان من حضرة الشاه المعظّم تأسيس منظّمة شيعية في لبنان للحَؤول دون وقوع الشيعة في أحضان الشيوعية.
-أصدرت المملكة الأوامر لوزارة الخارجية الإيرانية لبحث هذا الموضوع عبر سفارة المملكة في لبنان.
-بعد تشاور سفير المملكة في بيروت مع بعض السياسيين الشيعة من أمثال الدكتور عزّ الدين ومحسن سليم وقادة المسيحيين في حزب الكتائب والأحرار من أمثال بشير الجميّل تمّ التوصل إلى النتيجة التالية:
-لا بدّ في البداية من إقصاء السيد موسى الصدر من موقع رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتعيين شخصية أخرى.
-كان ممثّل السافاك في بيروت قد التقى قبل سنتين مع القائد الديني الشيعي السيد حسن الشيرازي وبحث معه في هذا الموضوع، لكنّ حضور السيد موسى الصدر كان قوياً آنذاك ولم تكن الظروف مساعدة لتنفيذ هذه الخطّة، خاصةً أنّ العديد من الشخصيات المسيحية كانت تقف إلى جانب السيد موسى، لكنّ الجميع حالياً يعتبرونه مرتبطاً بالخارج.
وبعد التنسيق بين سفير المملكة في بيروت وبعض الشخصيات المسيحية والشيعية، كانت توصية الجميع بالاستفادة من السيد حسن الشيرازي.
-قام محسن سليم بالتواصل مع الرئيس إلياس سركيس الذي وعد بالسعي لإعطائه الجنسية عبر الجهات الرسمية.
-لمتابعة هذه الخطة التقى سفير المملكة «آريا مهر» مع السيد حسن الشيرازي بحضور محسن سليم وتمّ الاتفاق على الخطوط العامّة للعمل في المستقبل).
وفي وثيقة أخرى وردت في المصدر نفسه أي أصحاب الإمام الخميني برواية وثائق السافاك / مجموعة الإمام الصدر / ع17 / ج3 / ص320. تحت عنوان: «تشكيل لجنة ملف موسى الصدر »
ورد الآتي: (اقترح جناب السيد «منصور قدر» سفير المملكة الشاهنشاهية في بيروت في برقية وجّهها لعطوفة الماريشال رئيس السافاك أن تتشكّل لجنة من المسؤولين في الدائرة الثالثة والثامنة ومشاركته لإعداد ودراسة خطة لمواجهة موسى الصدر.
بعد تقديم التقرير لعطوفة رئيس السافاك تقرّرَ عقدُ جلسة مشتركة أثناء أول زيارة للسفير إلى إيران لتحديد خطة وجدول أعمال الجلسة). اللافت في الوثيقة الأولى هو ورود اسم محسن سليم والد الناشط السياسي لقمان سليم الذي وُجد مقتولاً داخل سيارته في الرابع من شباط الحالي كمُشاركٍ في عملية إقصاء الإمام الصدر وكعرّاب لمجيء السيد حسن الشيرازي الذي لُقّب لاحقاً بـ«الإمام». فعلاً، ما أشبه الليلة بالبارحة! سوى أنّ المُمَوِّل والمُشغِّل هو الولايات المتحدة الأميركية عبر سفارتها في عوكر التي وثقت بلقمان ليكون «مدير أعمال» السيد علي الأمين هذه المرة فيرشحه لمناصب طموحة. مطالباً بتثبيت «شرعية الأمين السياسية»، «سليم» اقترح عام 2008 على الأميركيين بحسب وثائق ويكليكس التي نشرتها جريدة «الأخبار» في 14\9\2012 تأسيس «التجمّع الشيعي الأعلى» برئاسة السيد علي الأمين، مفتي صور السابق، وطالب سليم بـ «تقديم كل الدعم للأمين وتجمّعه بغية تمكين المفتي الشيعي من توفير خدمات اجتماعية لمنافسة حزب الله في المناطق». كما اقترح عدّة هيكليات لتنفيذ المشروع الشيعي البديل الذي أرادته واشنطن، والتي تبلورت مع الوقت فولّدت «اللقاء العلمائي المستقلّ». وقد احتفلت السفيرة «سيسون» آنذاك مع سليم بولادة «اللقاء» وأجمعا على أنه «الخطوة الأولى لمواجهة حزب الله في قلب المجتمع الديني العلمائي». كما قدّم سليم، بحسب ويكليكس، للسفارة لائحة بأسماء رجال دين شيعة «رفعوا أصواتهم ضد حزب الله»، و«ممن لا يجب تجاهلهم». كذلك شرح سليم لـ«سيسون» ضرورة إشراك رجال الدين الشيعة المستقلين في ندوات محلية ودولية يحضرها أيضاً رجال دين شيعة معتدلون من السعودية والبحرين والعراق. ولهذا الهدف اقترح سليم أن تتولى جمعية أسبن (التي كانت تكفّلت بإتمام لقاء سليم مع الإسرائيليين) رعاية تلك الندوات واللقاءات!
كان الشاه يريد من الإمام الصدر أن يتراجع عن قول: «السند الحقيقي للثورة هو عمامتي ومحرابي ومنبري». فيما النُّخب الدينية والسياسية المحلية المناوئة له تريد أن تُبقي مهمته محصورة في الشؤون الدينية لتحافظ على امتيازاتها داخل العشيرة الدينية أو في إطار الدويلات الطائفية. تقاطعت الرغبات فكان وقتها ما كان. أما اليوم فأميركا تريد من السيد نصرالله أن لا يقول: «سنكون حيث يجب أن نكون». بل أن يتحوّل هو وحزبه عن المقاومة إلى الشؤون المحلية واعتماد المعادلة الطائفية أساساً لدوره. في حين تُطالب النُّخبُ الدينية والناشطون السياسيون المعارضون له أن يُسلّم سلاحه إلى الدولة اللبنانية ويساهم في بنائها كأولوية تسبق أي أولويات أخرى في الإقليم! فتقاطعت المصالح فكان مؤتمر «فك شيفرة حزب الله» ومحاولات تسلّق أسوار بيئة المقاومة واختراقها عبر NGOs المدني والديني.
الإمام الصدر قال رداً على الاتهامات التي وُجهت إلى حركته ودعوته لحمل السلاح في وجه «إسرائيل»: «إنّهم يريدون صلاتي وعبادتي في الجوامع وحجّاً وهدياً للناس… أنا لا أرضى أن أتحول بهذه الصلاة إلى شيطان أخرس، وأعوذ من نفسي فأنا مناضل معكم ومن أجلكم».
وفي مناسبة أخرى قال: «إخواني علماء الدين، في الساعة التي تجدون أنفسكم مغضوباً عليكم من الحُكّام، اعرفوا أنّكم تسيرون على الطريق الصحيح. آلهة الأرض وطغاة الأرض، أيّاً كانوا، ارفضوا عبادتهم، وقِفوا إلى جانب الإنسان، إلى جانب الشعب، إلى جانب المعذّبين في الأرض». فحاول أن يدفع بالمحيط الديني والسياسي ما أمكن إلى وعي خطر المشروع الصهيوني وآثاره المدمّرة على لبنان والمنطقة. لم يكن سهلاً على الصدر آنذاك استمالة مَن ينظرون بحذر إلى تحرّكاته ومستويات علاقاته الإشكالية. ولكنه نجح في هذا التحدي عبر مسار مُضْنٍ من المعايشة والاحتكاك والمزاج البارد والأفق الواسع الذي يُضائل فيه من الشخصي ويذوّبه في العام. ولقد أطلعَ الجماهير على خطته ونهجه، آملاً منهم أن يتمكّنوا من التمييز بين (وعّاظ السلاطين) ورجال الدين المرتهَنين الذين يروّضونهم على الإطاعة العمياء ويستغلّونهم أبشع استغلال، وبين رجال الدين الصُّلحاء الذين يحملون هَمّ المساكين والضعفاء ويقودون النضالات الإنسانية في سبيل الحق والعدل والحرية والاستقلال. وفي هذا المجال يُبدي جرأة غير عادية في نقد رجال السلك الذي ينتمي هو إليه، ويدفعه إلى ذلك حرصه على المنطلقات والقيم الدينية التي يجب أن تكون مصونة من كل عيب وزيف وتحريف. فيقول: «أحياناً الإيمان بالله يستدعي الكفر برجال الدين في بعض الظروف عندما يكونون منحرفين عن الخط الإلهي». وبالتأكيد، إنّ الصدر كان بسَخطه هذا، يرمي إلى بناء الشخصية الناقدة التي تتحمل مسؤولية التصويب من جهة، وتعمل على تظهير الصورة النقية لرجل الدين (القدوة) الذي يتهيّب الناس من اتِّزانه وعلمه وذكائه ونُضج مَنطقه وسلامة بصيرته من جهة أخرى، مُعلناً بوضوح رفضه لنموذج رجل الدين الذي ارتضى المنهج الانعزالي، فلا يعترض ولا يثور وإنّما يُقاد ويُتاجَر به بغرض «… أن يجعلوا من إيمان الناس إيماناً تجريدياً». كان الصدر أكثر تنبّهاً إلى فحوى الاتهامات التي وُجِّهت إليه وإلى حركته وأكثر منطقيّةً في شرح أبعاد المؤامرة على لبنان، بينما كانت الطبقة المعارضة له من رجال دين وسياسة واهمة ومتناقضة مع نفسها، وصدّقت أنّ الشاه يريد الخير للشيعة اللبنانيين فسلّمت مقادير أمرها له. واليوم لم يقل السيد نصرالله: «نحن شيعة علي بن أبي طالب، لن نتخلى عن فلسطين، ولا عن المقدّسات في فلسطين»، إلا لأنّ جهداً خارجياً مركّزاً يعمل لإبعاد المسلمين الشيعة عن المعركة مع إسرائيل، وإبعادهم عن فلسطين والشعب الفلسطيني والقدس. فحضرت هذه الأسماء من السيد علي الأمين إلى لقمان سليم وأسماء أخرى مليئة بالأوهام تشعر في عمق ذاتها بضعف معنوي صارخ أمام هيمنة القوة الأميركية لتصنع للمجتمع الشيعي ذاكرة للهزيمة بعدما صنعت المقاومة له ذاكرة للقوة والنصر والعزة. في الحقيقة لم تكن لهذه الأسماء سلطة فكرية موحّدة إلا في حدود الاعتراض العام على حزب الله. لم تستطع صياغة نظرية واقعية واحدة حول كيفية درء الأخطار وبناء الدولة سوى بالشعارات الممجوجة، وكان أكثر شغلها ملء الخانات المعدة سلفاً من قبل المُشغّل الخارجي أو الحديث المكرور عن سلاح حزب الله وفائض قوته ودوره الإقليمي. كان الإعلام الخليجي تحديداً هو الذي يصنع لهم بطولات مُجوَّفة ويُضفي على شخصياتهم حيويات لا علاقة لها بتماثيلهم الشمعية. في حين يحلو للمشغّل أن يبتزّهم باللعب على مطامعهم البرجوازية ليرفعوا من سقف معارضتهم التي وللمفارقة تدعو إلى الفوضوية والعنف!
من «آريا مهر» و«منصور قدر» من الجانب الإيراني قديماً، إلى «فلتمان» و«سيسون» من الجانب الأميركي حاضراً، ارتضت نخبة شيعية طامحة إلى أرباحٍ ما من داخل السفارات مقابل أن تسوق اتهامات لأي كيان شيعي مقاوم. ارتضت معادلة التشهير والتشكيك والتشويش فميَّعتْ الحدود والفواصل لتلعب على وتر الاستغلال والتضليل في ميادين السياسة والثقافة، واختفت وراء مفاهيم «التغيير» و«الحداثة» و«النهضة» و«لبنان الجديد» لتعبث بأفكار وتصورات البسطاء من الناس. نخبة انتهازية منفتحة على المال العربي القادم من النفط وعلى السياسة الغربية التي تجد في كل هؤلاء «عمالة رخيصة» يمكن الحصول من خلالها على مكاسب من أسلوب نقدها وعدائها لإسقاط المقاومة بين جمهورها وداخل بيئتها. إنّ تلبس هذه النخبة لباساً «لبنانيّاً» أو «شيعيّاً» فذلك لا يحجب حقيقتها ولا يُصعّب على أي وطني أصيل رؤيتها وبلورتها داخل أبنية دوائر العدوان بل حتى في صلب نسيجها الحضاري أيضاً. كان هؤلاء يراهنون أنّ تحولاً عميقاً يجري للبُنى السياسية والثقافية في بلدنا سيجرف معه المقاومة. وكانوا يراهنون ولا يزالون على حرب تطحن عظام المقاومة وتجعلها أثراً بعد عين. رهاناتٌ لا تدّل إلا على ويلات الاختناق حنقاً أو عقماً أو سوريالية !

 

الأخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى