الدكتور محمد سيد احمد | كاتب وباحث مصري
منذ انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم وأنا في صدارة المشهد الإعلامي, على كافة وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي, وأدركت منذ اللحظة الأولى أن هذه المؤامرة فصل جديد من فصول المشروع الأمريكي – الصهيوني, في إطار المشروع المعروف إعلاميا بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد, الذي يسعى لتقسيم وتفتيت الوطن العربي إلى دويلات صغيرة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وإثنية ومناطقية, ليصبح العدو الصهيوني هو الكيان الأكبر بالمنطقة, وأدركت كذلك منذ البداية أن الإعلام سيكون أحد أهم أدوات هذه المؤامرة على أمتنا العربية, فأطلقت عليه مصطلح ” الجنرال إعلام ” لتأكيد أنه سيلعب دورا محورياً في هذه الحرب الجديدة.
لذلك قررت أن أكون أحد جنود المشروع القومي العروبي المقاوم, في مواجهة المشروع الأمريكي – الصهيوني, وبما أنني لا أملك الانخراط في العمل العسكري ضمن الجيوش العربية التي واجهت المؤامرة, فقد رأيت أن مجال المواجهة الفكرية عبر الوسائل الإعلامية المختلفة هى ساحة النزال التي يمكن من خلالها القيام بدور في تفكيك المؤامرة ونشر وعي حقيقي بطبيعة المخططات التي تحاك ضد أمتنا العربية, وكانت البداية من مصر في مواجهة جماعة الإخوان الإرهابية أحد أدوات المشروع الأمريكي – الصهيوني لتفجير مجتمعاتنا من الداخل, ثم وجدنا نفس المشروع يفرض سيطرته وهيمنته على تونس التي سبقت مصر بأيام في الانفجار, ثم انتقل المشروع بعد أيام قليلة إلى اليمن ثم ليبيا وبنفس الأدوات الإخوانية, ثم وصلنا أخيراً إلى سورية, وخلال أيام قليلة تساقط حكام تونس ومصر واليمن, وصمدت ليبيا بقيادة الشهيد معمر القذافي ثمانية أشهر كاملة تحت قصف صاروخي وعدوان ظالم لحلف الناتو الذي عمل تحت مظلة دولية وبتصريح فاجر من الجامعة العربية انتهي باغتيال القائد وتحول ليبيا لساحة قتال بين مليشيات إرهابية متعددة أبرزها جماعة الإخوان ذاتها.
وهنا لم تبقى إلا سورية حائط الصد الأخير للمشروع القومي العروبي المقاوم, والتي عرفت تاريخيا بالصمود والتحدي والممانعة, وقرر قائدها البطل خوض المعركة في مواجهة هذا المشروع الأمريكي – الصهيوني, وعدم تمكين أدوات المشروع الإرهابية من الوصول للسلطة كما حدث في تونس ومصر وليبيا, وفي تلك اللحظة التي كنت أظهر فيها على الشاشات مهاجما المشروع في مصر وتونس واليمن وليبيا, وجدت أن زيارة سورية واجبة لدعم صمودها خاصة مع إيماني أن سورية لا تخوض هذه المعركة دفاعاً عن ترابها الوطني فقط بل دفاعاً عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها من الماء إلى الماء.
وبالفعل بدأ الحوار مع زملائي بالحزب العربي الديمقراطي الناصري, ثم قمنا بالتواصل مع وزير الإعلام السوري في ذلك الوقت الدكتور عدنان محمود, إلى جانب السفير السوري بالقاهرة المرحوم يوسف الأحمد, وبالفعل تم تشكيل أول وفد مصري لزيارة سورية من سبعة أشخاص من قيادات الحزب أغلبهم صحفيين بجريدة العربي لسان حال الحزب الناصري في ذلك الوقت, والجريدة الأهم والأجرأ خلال حكم الرئيس مبارك, والتي تحمل فوق أكتافها مشروع جمال عبد الناصر والذي تشكل فيه قضية القومية العربية حجر زاوية, وتشكل فيه سورية الرئة الثانية للتنفس بجوار الرئة المصرية, وهى الإقليم الشمالي لدولة الوحدة التى أطلق عليها الزعيم قلب العروبة النابض.
ومنذ الزيارة الأولى كان الإعلام الوطني السوري جاهزا لاستقبالنا وجلست على شاشاته المختلفة لساعات أتحدث عن المؤامرة وضرورة التصدي لها وكيفية مواجهاتها, ثم عدنا للقاهرة لنخصص ملف كامل من ثمان صفحات بجريدة العربي تحت عنوان ” هنا دمشق من القاهرة ” وكان مقالي الأول في هذا الملف بعنوان ” المؤامرة الصهيونية على سورية “, وتكررت اللقاءات ليس فقط عبر وسائل الإعلام السورية بل عبر كل النوافذ الإعلامية المتاح الخروج عليها بما فيها إعلام العدو, وكنت أدافع بشراسة عن المشروع القومي العروبي المقاوم باعتباره البديل للمشروع التقسيمي والتفتيتي الذي يقوده العدو الأمريكي والصهيوني, واعتبرت نفسي جندي في هذه المعركة والحرب الكونية على سورية وأمتنا العربية.
ومع صمود سورية واشتداد الحرب عليها كانت عزيمتي تزداد صلابة وقلبي يزداد قوة, وبالفعل تحمل قلبي كل الآلام والأحزان على مدار عشر سنوات كاملة كنت أخوض فيها المعارك الإعلامية والسياسية دفاعاً عن الأمة العربية وفي القلب منها سورية, التي تمكنت بفضل صمود شعبها الأسطوري, وبسالة جيشها, وبطولة قائدها, من إجهاض مخطط التقسيم والتفتيت, بعد أن قام خير أجناد الأرض جيشنا المصري العظيم من تفكيك المؤامرة على الأرض المصرية والإطاحة بالجماعة الإرهابية من سدة الحكم, وبذلك تم إفشال مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد, وجاء الاستحقاق الدستوري في سورية وحاولت قوى العدوان منعه بشتى الطرق, لكن الشعب العربي السوري خرج كما لم يخرج في التاريخ ليقول كلمته, ويبايع قائده البطل لولاية جديدة, وكانت لحظة إعلان النتيجة هى إعلان للنصر ولم تنسى سورية أن أكون مشاركاً في لحظة الانتصار, وكنت حاضرا على شاشة الفضائية السورية للاحتفال بالنصر, لكن قلبي الذي تحمل الحرب لعشر سنوات لم يحتمل لحظة الاحتفال بالنصر, وانكسر القلب في لحظة الانتصار, وكانت لحظة فارقة حيث غمرني كل الشرفاء في الوطن العربي بعاصفة من الحب, كانت كفيلة بتضميد الجراح والآلام لكي أعود مرة أخرى لمواصلة المشوار, اللهم بلغت اللهم فاشهد.