نبيه البرجي – كاتب لبناني
أقتل ثم أقتل ثم أقتل , ثم دع بلادك تجثو تحت قدمي بنيامين نتنياهو . للتو يطوّبك الاله الأميركي قديساً …
أليست هذه حال جنرالات السودان (القتلة القديسون) ؟ ولطالما كانوا الذراع الدموية لعمر حسن البشير , قبل أن يحطموا صرخات الناس بجنازير الدبابات , وينتقلوا الى الضوء بتغطية من وكالة الاستخبارات المركزية التي تمسك عبد الفتاح البرهان بأذنيه .
ماذا عن العرش المغربي الذي لم يفاجئنا بالتطبيع ؟ من زمان والملك الحسن الثاني يتحدث عن “صلة الدم بيننا وبين أبناء عمومتنا اليهود” , وهو من عقد صفقة ترحيل اليهود المغاربة الى اسرائيل .
لا بل أن مسار كمب ديفيد , بكل تداعياته التراجيدية , بدأ من اللقاء الثلاثي الذي جمعه , في حديقة قصر الصخيرات , مع كل من ناحوم غولدمان وجان دانييل اللذين كانا يعتبران أن خروج مصر من الصراع سيجعل البلدان العربية تتهاوى , الواحد تلو الآخر ,
حتى أن ياسر عرفات الذي كان هاجسه “الثوري” أن يغدو رئيس دولة , وتقرع له الطبول , حتى ولو كانت دولة في الهواء , وقع على اتفاق أوسلو , وحيث ووريت الانتفاضة , وحتى القضية , الثرى تحت الثلوج , وتحت الورود , في العاصمة النرويجية .
هل كانت المشكلة في أن تعترف الولايات المتحدة بحق المغرب في الصحراء , مع اقتناعنا بأن البوليساريو بدعة تكتيكية ليكون للجزائر موطئ قدم على ضفاف الأطلسي ؟
بعد كل الذي جرى , ويجري , تتلاحق الاسئلة حول الجدوى من الصراع اذا كانت الأمبرطورية الأميركية , بجبروتها الذي لا نظير له في التاريخ , تتماهى أو تذوب في الحالة الاسرائيلية . دونالد ترامب بدا “صبي الدليفري” في حضرة اللوبي اليهودي , وأمام الملياردير شلدون ادلسون الذي وعده بتحطيم رأس حاكم نيويورك أندرو كومو . رأس من تحطم في الثلاثاء الكبير ؟
اصحاب الأسئلة يرون أن الصراع مع اسرائيل بمثابة الصراع مع المستحيل , ما دامت تحت المعطف الأميركي . هذه أميركا التي , بالشبكة العنكبوتية ومشتقاتها , غيرت تفاصيل حياتنا , حتى اذا ما بدأت الكورونا تغزو البشرية , لم تتجه الأنظار الى السماء بل الى أميركا !
الأمبراطورية التي , بعقوباتها التجارية , تهز التنين , والتي تثير الهلع في القارة العجوز , والتي جعلت من غابات الأمازون , حديقتها الخلفية , كيف للعرب , بالعكازات الخشبية , وباللحى الخشبية , مواجهتها ؟
لبنان يختنق , سوريا تختنق , ايران , وبالرغم من الأصوات التي تلعلع على المنابر , تختنق . المقاومة في لبنان استثناء اسطوري , لكنها محاصرة من كل حدب وصوب . لا دول عربية في الخندق . انظروا الى تلك القيادة الفلسطينية التي تنسق أمنياً مع اسرائيل , حتى أنها تلاحق حملة الحجارة وحملة السكاكين , السكاكين التي أثارت الذعر لدى أصحاب الصواريخ النووية .
لنعترف أننا , في المنطقة التي تتقهقر أكثر فأكثر , رهائن اليأس القاتل . مشكلتنا أننا لسنا أمام عدو تقليدي . عودوا الى التوراة , ان لم تكن العودة الى التلمود . ايديولوجيا الكراهية في الرؤوس الساخنة . هؤلاء الذين لا يرون في العرب سوى الديدان البشرية التي ينبغي محقها . هكذا يتضرع الحاخامات الى “الملائكة المدمرة” .
كعرب , لا نقرأ . هذا رهان اسرائيل منذ ايام موشي دايان الذي طالما سخر من “أمية الأمة” . استطلاعات الرأي تقول ان أكثر من 70 في المئة من الاسرائيليين يرفضون السكن في مبان يقطنها عرب . بالحرف الواحد قال أحدهم “لا أدري كيف تمكن مساكنة القردة” . لن نكون سوى زبائن , باحذية ذهبية , للسوق الاسرائيلية …
لا تتصوروا أن الجنرال رافاييل ايتان وحده من يرى “أن العربي الجيد هو العربي الميت” . لنعد الى ماقاله يوسي ساريد , ذات يوم , هكذا يفكر كل أركان الليكود .
من يستطيع أن يثبت أننا أحياء , ولسنا جثثاً مكدسة على باب الهيكل . زوجة ملياردير عربي بعثت برسالة الى زوجة بنيامين نتنياهو تقول فيها انها تتبرع بمصاغها لاعادة بناء الهيكل .
لو كان دانتي , صاحب “الكوميديا الالهية” , هناك , لوصفنا هكذا “ضيوف شرف على اللاموت واللاحياة” !!