مركز الأخبار – شيماء علي
في الوقت الذي تزداد فيه مشاعر العداء للاجئين السوريين في تركيا وتصاعد حدة العنف ضدهم، قال الباحث السوري أحمد الدرزي، إن اللاجئين السوريين تحوّلوا إلى ورقة في مسألة الصراع الإقليمي، ويتم استثمارهم من قبل كل طرف حسب مكاسبه السياسية، متوقعاً أن تتنامى مشاعر العنصرية تجاههم، وقال: “القادم قد يكون أسوأ”.
بعد استثمار تركيا ورقة اللاجئين السوريين واحتضانها لهم، بدأت بذور الحقد والعنصرية تجاه السوريين تطفو من خلال التعامل مع اللاجئين بعنصرية واضحة للملأ في تركيا، وأحداث العنف التي شهدتها منذ شهر منطقة ألتينداغ خير مثال على ذلك. إلى جانب تصريحات لوزارة الداخلية التركية التي صدرت مؤخراً، تأمر بهدم منازل للّاجئين السوريين في أنقرة في نفس المنطقة.
وكانت وزارة الداخلية التركية قد أصدرت، الأسبوع الماضي، قراراً بهدم منازل اللاجئين السوريين في حي “ألتينداغ” بالعاصمة التركية أنقرة.
تحت ذريعة العشوائية.. تركيا تهدم منازل للّاجئين السوريين
ونص قرار صادر من وزارة الداخلية التركية على هدم منازل اللاجئين السوريين في حي ألتنداغ، الذي اندلعت فيه أعمال عنف ضد السوريين يوم 11 آب/أغسطس المنصرم، على خلفية مقتل مراهق تركي طعناً بعد شجار مع مجموعة شبّان سوريين.
وتظاهر المئات من الأتراك في الحي وهم يرددون شعارات مناهضة للمهاجرين وخرّبوا متاجرَ يديرها سوريون، ورشقوا منازل اللاجئين بالحجارة، ما أدى لإصابة عدد من اللاجئين، وامتدت هذه التظاهرات وأعمال العنف تجاه السوريين إلى أحياء أخرى في أنقرة.
وادّعت الوزارة، أن المباني التي استقرّ فيها المهاجرون، أقيمت دون ترخيص وهي غير قانونية، كما أنها تعرقل أعمال توسيع الطرق في المدينة.
“لأنها سورية”.. اعتداء على لاجئة في تركيا من قبل جيرانها
وتصاعد الخطاب العنصري تجاه اللاجئين السوريين في تركيا مؤخراً، إلى جانب حالات الاعتداء على السوريين في الشارع التركي.
“لأنها سورية” هوجمت هي وابنها من قبل جيرانها الأتراك في البناية التي تقيم بها في إسطنبول، هذا ما قالته اللاجئة السورية فاطمة الزهراء شون، لوكالة أسوشيتد برس، التي نقلت شهادات لاجئين، عما يتعرضون له من اعتداءات على أيدي مواطنين أتراك.
واجهت اللاجئة البالغة من العمر (32 عاماً) من حلب، في الأول من أيلول/ سبتمبر، امرأة تركية سألتها عما تفعله في “بلدها”، أجابت فاطمة الزهراء “من أنت لتقولي هذا لي؟” ليتصاعد الموقف بعدها بسرعة، وفق قولها.
العنصرية تتفاقم.. عنف لفظي وجسدي
وتتذكر فاطمة الزهراء أن رجلاً خرج من شقة المرأة التركية بنصف لباس، وهدد بتقطيعها وعائلتها “إلى أشلاء”، وكشفت أنه عندما حاول ابنها عمرو، البالغ من العمر 10 سنوات التدخل، تعرّض للضرب أيضاً.
وقالت إن الدافع وراء العدوان، هو “العنصرية” دون شك.
الهدم.. ضغط جديد على السوريين
وحول ادّعاء وزارة الداخلية التركية بأن بيوت اللاجئين السوريين التي قُرّر هدمها في أنقرة بأنها عشوائية وغير قانونية، قال الباحث السوري: “إن موضوع اللاجئين السوريين في تركيا له أبعاد كثيرة، وفكرة هدم البيوت العشوائية للسوريين ليست بالمعنى الحقيقي بالأساس، لأن الموضوع يمسّ الدولة التركية. ولا أعتقد أن تركيا تسمح بالعشوائيات ويمسّها بالصميم، بل للضغط على السوريين الموجودين في هذه المناطق لأهداف محددة”.
قرار سياسي بحت
ويستخدم النظام التركي اللاجئين السوريين ورقة ضغط لابتزاز الغرب في مفاوضاته حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفيما يتعلَّق بالقضايا الخلافية حول ترسيم الحدود في المتوسط وقضية الصراع على الغاز.
وحول ماهية القرار إن كان يتعلق بالوضع السياسي أم للتخلص من السوريين بعد استغلالهم، قال الدرزي: “الموضوع سياسي بحت وليس له علاقة بالمسألة القانونية. إنه مرتبط بطبيعة الصراعات القائمة على مستوى القوى السياسية في تركيا، حول كيفية التعاطي مع اللاجئين السوريين؛ فهناك طرفان مختلفان ومتباينان حول مسألة اللاجئين، الطرف الأول هو حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب أردوغان، الذي يريد الاستمرار في استثمار هؤلاء اللاجئين على مستوى داخل تركيا، إن كان من خلال التجنيس أو من خلال مواجهة الاتحاد الأوروبي، لتحقيق مكاسبه أو للضغط على دمشق في مسألة هؤلاء اللاجئين”. وقد أدّى التدهور الاقتصادي في تركيا في عام 2018 إلى رد فعل عنيف ضد السوريين، بلغ ذروته في حملة ترحيل غير قانونية في الصيف التالي.
وأضاف الدرزي: “الطرف الآخر لا يريد هذا الأمر ولم يتخذ موقفاً سيئاً من هؤلاء اللاجئين، لكن التحولات الاقتصادية التي حصلت على مستوى تركيا، وهبوط العملة التركية في المقايضات التجارية مقابل الدولار، وما تعرض له الاقتصاد التركي، دفع الكثير منهم للذهاب باتجاه البطالة ومحاولة تحميل اللاجئين السوريين مشكلة ما يحصل من مسائل اقتصادية في تركيا، وخاصة أن هؤلاء السوريين يُعدّون أيدي رخيصة في العمالة داخل تركيا، مقابل الضمانات الصحية والاجتماعية للأتراك”.
ورقة سياسية
واستبعد الدرزي سحب ورقة اللاجئين من أردوغان الذي يستغلها ويستثمرها حسب الأهداف التي يخطط لها، وقال: “حقيقةً، لا يمكن سحب هذه الورقة الآن من أردوغان، لأنها مهمة جداً بالنسبة له ولا يمكنه التخلي عنها، وكل ما يمكنه فعله هو أن يتعاطى مع مسألة اللاجئين بتنفيس الاحتقان على مستوى تركيا، بأن يجمع ما بين المسألة القومية والمسألة الدينية، للجمع بين كل الأطراف، ولا يريد أن يخسر الانتخابات الرئاسية”.
مصير مؤجل
وحول إمكانية حل وضع اللاجئين السوريين في تركيا، أوضح الدرزي قائلاً: “لا يمكن خلال هذه المرحلة أن تحل مسألة اللاجئين السوريين، لأن الأمر يتطلب الانتظار حتى عام 2023، وانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية على مستوى تركيا. وقتها يمكن أن نحدد مصير اللاجئين السوريين إلى أين سيذهبون؟ هل سيبقون في تركيا أم سيعودون إلى سوريا وفق حل سياسي على مستوى المنطقة؟”.
أما عن الخيارات أمام اللاجئين السوريين للتخلص من العنصرية والعنف في تركيا، فقال الدرزي: “هي خيارات محدودة، هم لا يستطيعون العودة إلى سوريا في ظل بنية تحتية متهدّمة، وفي ظل العقوبات، وفي ظل سوء الإدارة الداخلية.. فكل ذلك لا يتيح لهؤلاء إلا أن يقارنوا بين المكاسب القليلة في تركيا، وبين اللا مكاسب في كل المناطق السورية. والمسألة معقدة وضنك الحياة قد أصاب الجميع”.
القادم أسوأ
واختتم الباحث السوري الدكتور أحمد الدرزي حديثه قائلاً: “اللاجئون يتنظرون الفرصة حتى يستطيعوا الذهاب إلى أوروبا، ولا يمكن المراهنة على أيّة خيارات حتى الآن، لأنهم ورقة في مسألة الصراع الإقليمي والدولي، تستثمر من قبل كل الأطراف لتحقيق مكاسب سياسية. وهم الضحية الأولى في الحرب مثل بقية السوريين، وربما يدفعون ثمناً أكبر والقادم قد يكون أسوأ بالنسبة لهم”.