الفلسطينيون في مواجهة «الغيتو» والترحيل والتمييز العنصري!
ثريا عاصي | كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية .
ما تزال رحى الحرب تدور على أهل قطاع غزة المليوني نسمة الذين يعيشون منذ سنة 2005 تحت قانون «الغيتو»، أي قانون الفصل العنصري، ولكن المنحى الذي تأخذه الأمور يشير إلى دلالات لو تأكدت نكون حيال حملة عسكرية تبتغي من ورائها «القيادة الإسرائيلية» تحقيق مكاسب حاسمة على طريق تصفية القضية الفلسطينية. هذا لا يعني انها لم تسع إلى ذلك في السابق، أو أن محاولتها هذه المرة ستتوج بالنجاح كونها أكثر تطوراً من حيث الوسائل والأساليب والإعداد. مهما يكن لسنا هنا في معرض طرح الفرضيات حول هذه المسائل وإنما سنتوقف عند بعض المعطيات التي يمكن استنتاجها في حدود المتابعة المتاحة عبر الإعلام.
من البديهي القول أن «القيادة الإسرائيلية» تريد إجبار الفلسطينيين في القطاع على الإستسلام العسكري والتخلي عن الوسائل التي بين أيديهم للدفاع عن أنفسهم. فهم يكررون في قطاع غزة نوعياً، الحرب التي بادروا إليها في تموز2006 في لبنان حيث فشلوا في بلوغ الأهداف المتوخاة منها. يتضح ذلك كما أظن من خلال عمليات التدمير الممنهج على أساس مسح كامل، سكانياً وهاتفياً، حيث أنهم يستهدفون كما يزعمون، النشطاء في منازلهم، فيستشهد جميع أفراد عائلاتهم تحت الركام، في سياق مجزرة حقيقية بواسطة التحكم الرقمي، لا يعلم أحد مداها!
تجدر الإشارة هنا، إلى أن الدول الغربية التي سارعت إلى الإعلان عن وقوفها إلى جانب «اسرائيل» في حربها ضد قطاع غزة هي بالقطع على علم بتفاصيل المجازر التي تسفر عن محو عائلات بأكملها، فلقد أفادت عنها بعض «الصحف الإسرائيلية». هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فليس مستبعداً أن يكون الهدف من هذه المجازر هو إيصال رسائل إلى الجانب اللبناني في الشمال، لعلهم يتعظون. ولكن هذا موضوع آخر.
لا بد من أن نتوقف أيضاً عند مسألة مثيرة للإهتمام وهي أن الحرب في القطاع اشتعلت توازياً مع تفجر انتفاضة شعبية في مدينة القدس ما لبثت ان تمددت لتشمل سكان الضفة الغربية المحتلة وفلسطيني الداخل (داخل الخط الأخضر) الذين أطلقوا كما هو معروف، يوم الأرض في سنة 1976 وجاءوا بالمناسبة للمشاركة في انتفاضة القدس ثم بادروا إلى إعلان الإضراب العام في 18 أيار الجاري.
مجمل القول أن الفلسطينيين جميعاً أعلنوا رفضهم لـ «الإجراءات الإسرائيلية» الهادفة إلى ترحيل المقدسيين عن مدينتهم وإحلال المستوطنين مكانهم في القدس، على خلفية إعتراضهم ضد الإحتلال، بينما تندرج ثورة أهل قطاع غزة في سياق النضال ضد قانون الفصل العنصري «الغيتو» المفروض عليهم. في الجانب الآخر، أضاف فلسطينيو الداخل، أصحاب يوم الأرض والإضراب العام، مطلباً رئيسياً في الصراع الفلسطيني ضد «النظام الصهيوني» هو إسقاط سياسة التمييز العنصري، الأبارتهايد، التي تدعمها يا للأسف الحكومات الغربية التي لمحنا إليها أعلاه، بالرغم من تشدقها بحماية حقوق الإنسان والدفاع عن المدنيين!!!…
ينبني عليه ان ما يجري في فلسطين هو في جوهره إنعكاس للمأزق الذي وقع فيه «النظام الصهيوني» المسؤول عن «الغيتو» في قطاع غزة والإستعمار الإستيطاني في الضفة الغربية والتمييز العنصري ضد فلسطينيي الداخل. إن النجاح في إبراز هذه المعطيات هو في حد ذاته إنجاز كبير.