تحليلات و ابحاث
” الفرقة الناجية “إلى متى سيبقى إعمال العقل جريمة؟
اللواء الدكتور بهجت سليمان
( تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة منها في الجنة ، والباقي في النار )
1 لا يحتاج المرء أن يكون ” زرقاء اليمامة ” أو ” أزرق الشام “، لكي يستشرف المستقبل ويستقرئه ، بنسبة عالية من الصواب والصحة ، بل يحتاج إلى تحريك وإعمال أكبر وأعظم هبة إلهية للبشرية، خصّصها الباري عزّ وجلّ ، لمَن خلقه على صورته ومثاله وجعله خليفة له في الأرض ، وهذه الهبة الأعظم هي ( العقل البشري ). وأمّا قراءة الماضي ، فهي أسهل من استقراء المستقبل ، ولكنها تحتاج إلى الموضوعية والجرأة والخبرة والثقافة الموسوعية.
2 كما لا يحتاج المرء أن يكون ” فقيها ” من صنف “القرضاوي” و”ابن باز” و”العريفي” و”العرعور” والعشرات أو المئات من أشباههم ، لكي يخوض في بحر الدين الإسلامي الحنيف ، ولا يحتاج المرء ، إذناً أو فتوى من أحد ، لكي يقرأ القرآن الكريم ، والسنّة النبوية ، بعقله الذي وهبه الله تعالى ، له .. لا بل يتوافر لنا في هذا العصر من أدوات الفهم والتفسير والعلم والمعرفة ، ما يعيننا ويسعفنا في ذلك ، أكثر بآلاف المرات ، لكي ندرك عظمة هذا الكون وعظمة خالق هذا الكون.
3 فلماذا الإصرار على سجننا في تفسيرات مضى عليها مئات السنين ، عندما كانت أدوات التفسير محدودة؟ وما نحتاجه في هذا الميدان ، ثلاثة أمور : ( القرآن الكريم – السنّة النبوية – العقل البشري. )
4 وفي هذا السياق، أقول بأنني راجعت كتباً عديدة، تتحدث عن ( الفرق والمذاهب الإسلامية ) وعن أماكن نشوئها وانتشارها وفكرها وتاريخها ، وهي بالمناسبة تزيد عن مئات الفرقة الإسلامية ( وليست ” 73 ” فرقة ” ) .
5 وبإعمال العقل البشري ، عبر العودة إلى القرآن الكريم والسنّة النبوية ، نستطيع أن نقول ، وبكل ثقة ، بأنّ هذا ” الحديث ” المنسوب للرسول الأعظم ، الذي يقول : ( تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة منها في الجنة ، والباقي في النار ) هذا الحديث ، يستدعي إعمال العقل فيه ، بعمق وروية.. الأمر الذي يستدعي التأكيد بأنّ الرسول الأعظم ( محمد بن عبدالله ) لا ينطق عن الهوى ، ولا يقول كلاماً جزافاً .
6 وطالما أنّ ( أمّة محمد ) افترقت ، حتى الآن، ليس على ( 73 ) فرقة فقط ، بل على مئات الفرق المتباينة والمختلفة.. وطالما أنّ سيّدنا ( محمد ) لا بمكن أن يقول شيئاً غير صحيح .. وطالما أنّ الواقع القائم ، يتناقض مع الحديث المنسوب إلى النبي الكريم .. فإنّ من البديهي والمنطقي ، القول بأنّ هذا الحديث مشكوك فيه ، مهما كانت درجة إسناده.
7 وهل من مصلحة الإسلام والمسلمين والعرب والعجم والكرد والترك وباقي شعوب المسلمين ، أن يخوضوا مئات الحروب ، عبر مئات السنين ، شبيهة بحرب “داحس والغبراء” و”داعش” وأضرابها ، استناداً إلى مثل هذا الحديث؟!.
8 ألم يكتف أصحاب هذا ” المنطق ” بتصنيعهم ورعايتهم واحتضانهم ودعمهم ، لأخطر تنظيم إرهابي في العصر الحديث والمعاصر، هو تنظيم ( القاعدة ) وبناتها وحفيداتها من ” داعش ” و ” نصرة ” وباقي الدواعش ، والتي ألصقوها بـ ( الإسلام )؟ أم أنّهم لا يرتوون من الدماء ، إلّا إذا تكبّد العرب والمسلمون ، ملايين الضحايا البشرية ، وإلّا إذا أهرقوا أنهاراً من الدماء ، قبل أن يرعووا ويعودوا إلى جادة الصواب؟!.
9 ومن جهة أخرى ، فإنّ العقل يتساءل : هل من مصلحة العرب والمسلمين ، أن يعملوا على ما يجمعهم ، أم أن يعملوا على ما يفرّقهم ويشتتهم؟ والعقل يوجه سؤالاً ، يحتاج إلى جواب ، والسؤال هو : هل يمكن لصاحب الرسالة السماوية العظمى وخاتم النبيين ومؤسس أول دولة في تاريخ العرب ، أن يقوم : بإخراج أكثر من ( 98 ) بالمئة من أتباعه وأنصاره ، من رعايته وحمايته؟!.
وهل يمكن أن يقوم بتكفيرهم والقذف بهم في نار جهنم ؟!.. ثم يترك أقل من ( 2 ) بالمئة فقط ، للجنة الموعودة؟!.
10 وتبقى كلمة أخيرة : إذا لم يتصالح المسلمون مع العصر ، ويتوقّفوا عن الاصطدام معه.
وإذا لم يغادروا كهوف الماضي وخلافاته.. وإذا لم يواكبوا الحاضر ويستشرفوا المستقبل المنشود ، بالعقل والمنطق والعلم والمعرفة.
إذا لم يقوموا بذلك ، ستبقى الوهّابية والإخونجية وكل مشتقاتهما الخبيثة ومفرزاتهما المسمومة ، تصادر الدين والأوطان والحاضر والمستقبل.
نشر هذا المقال سابقا