غواصة نووية أمريكية ترافقها غواصة”إسرائيلية” تتجولان في الخليج، ويقول أصحاب الشأن وأصحاب الغواصات أنّ الخطوة تأتي على شكل رسالة تحذيرية للجمهورية الإسلامية في إيران، وأنّ عليها الحذر من اتخاذ أيّ خطواتٍ تصعيدية مع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال القائد قاسم سليماني، وأنّ عليها نسيان ثأر العالم النووي محسن فخري زاده، والحقيقة أنّ هذا يشبه نكتة لا تبعث على الضحك، فالخليج مكتظٌ بالأسلحة الأمريكية براً وبحراً وجواً، والقواعد الأمريكية على مدّ جغرافيا الخليج حد استباحتها، وقطعة أخرى لن تقدم ولن تؤخر، إلّأ في الخزينة الأمريكية، حيث أصبح من الواضح أنّ الولايات المتحدة لا تحرك أيّ قطعة عسكرية دون قبض الثمن مسبقاً، من خزائن عروش الخليج خصوصاً في عهد ترامب، الذي جعل من استلاب السيادة لتلك المحميات أشبه بالفضيحة، بعد أن كانت مستلبة السيادة دون فضائح معلنة، ولكن الجديد المعلن في هذه الخطوة الاستعراضية، هو وجود غواصة”إسرائيلية” بشكلٍ معلن في مياه الخليج، وليس الوجود بحدّ ذاته.
فالخليج تملأه القواعد الأمريكية والبريطانية، وهذا يعني أنّ”إسرائيل” لم تغبّ يوماً عن الخليج برأ وبحراً وجواً، ولكن الجديد أنّه وجودٌ علني أولاً، ويتزامن مع حمّى التطبيع ثانياً، وهذا يعني أننا سنشهد غواصات”إسرائيلية” في المحيط الأطلسي قريباً في المياه المغربية، حيث أنّ المغرب وقعت اتفاقاً عسكرياً مع الولايات المتحدة في تشرين أول/أكتوبر الماضي، يمتد 10 سنوات لما سمّي مكافحة الإرهاب، وهكذا تصبح”إسرائيل” ممتدة من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، وهذا يعني أنّ هذا الحزام الذي تعقده الولايات المتحدة حول جغرافيا العالم العربي، ستورّثه للكيان الصهيوني حال مغادرتها المنطقة، وأنّ الكيان أصبح راشداً بما فيه الكفاية لإدارة شؤون المطبعين بنفسه، ولكن مشكلة هذا التصوّر الأمريكي للمنطقة ومستقبلها، أنّ”إسرائيل”ليست هي”إسرائيل”قبل عقدين أو ثلاث، وأنّ أعداءها ليسوا هم أعداؤها قبل عقدين أو ثلاث، وأنّ الولايات المتحدة التي تريد المغادرة لوهنٍ أصابها، لم تستطع انتاج قوةٍ إقليمية قادرة على مواجهة محور المقاومة، أو لأنّ رغبتها في الإبقاء على التفوق”الإسرائيلي” جعلها تمنع أيّ تطورٍ عسكري لدى أتباعها، فكانت النتيجة أن أصبح من حرصت على تفوقه ومن حرصت على ضعفه بحاجة لحمايتها.
ولكن السؤال الذي يشغل العالم حالياً، هو عن إمكانية وقوع حرب نتيجة عدوان أمريكي”إسرائيلي”على إيران، خصوصاً في المدة المتبقية من عمر ولاية ترامب، خصوصاً بعد تأكيد فوز بايدن، وإغلاق المسار القانوني أمام حملة ترامب، مضافاً إليها حلّ”الكنيست الإسرائيلي”نفسه تمهيداً لانتخاباتٍ رابعة، وهي الانتخابات التي ستكون فيها حظوظ نتن ياهو أقل مقارنةً بالجولات الانتخابية السابقة، حيث أنّ هناك منشقون عن حزبه أشد تطرفاً، وعليه فحسب الاستطلاعات قد تنخفض حصة نتن ياهو في مقاعد”الكنيست” مقارنة بمقاعده الحالية، وهذا يعني أن يصبح افتعال حرب على إيران، هو طوق النجاة الوحيد الذي قد يتيح لكلٍ من ترامب ونتن ياهو البقاء في منصبيهما، قد يبدو هذا التصوّر للوهلة الأولى وجيهاً، لذلك يعتمد عليه البعض في استشراف المستقبل، ولكن الحقيقة أبعد من ذلك، حيث أنّ المؤسسة العسكرية الأمريكية تعرف أنّ العدوان العسكري المباشر على إيران، مجازفة لا تستطيع التكهن بنتائجها، فالرسائل الإيرانية عبر إسقاط الطائرة الأمريكية وقصف قاعدة عين الأسد، كانت كابوساً لم يغادر مخيلة الجنرالات الأمريكيين بعد، أمّا جنرالات”إسرائيل”فهم أكثر من يدرك أنّ العدوان على إيران قد يتحوّل إلى حربٍ شاملة، والحرب الشاملة تعني بالنسبة لهم آخر الحروب، لذلك فلن يسمحوا لنتن ياهو بهذه المغامرة مهما توسلهم.
إنّ اقتراب قطع عسكرية”إسرائيلية”من الحدود الإيرانية ليس تهديداً بل فرصة، فهي تصبح أقرب للنار الإيرانية، ويصبح اصطيادها أقل جهداً وأقل كلفةً مما لو كانت على شواطئ حيفا مثلاً، فإنّ صاروخاً واحداً عام 2006 في عدوان تموز، أصاب البارجة”الإسرائيلية” “ساعر5″، أخرج سلاح البحرية”الإسرائيلي”من الحرب، فكيف وهي أقرب إلى مخازن من صواريخ لا تعلم تعدداها، لذلك فإنّ أقصى ما يمكن أن يفعله نتن ياهو لتحسين حظوظه الانتخابية هو الشروع العلني في ضمّ الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية، أما ترامب فسيظل حتى اللحظة الأخيرة من عمر ولايته وفياً لاستراتيجية الحلب العلني التي ابتدعها في السياسة الدولية، حيث أنّ كل”كزدورة”لأي قطعةٍ حربية أو حتى لجندي”مارينز”، سيُدفع ثمنها من خزائن العروش الخائرة في محميات الخَوار والخِوار، أمّا مسألة الحرب فإنّ إيران تحرص بشدة على تجنبها في الوقت الراهن، وهذا حرصٌ لا يوازيه أو لا يتفوق عليه إلّا حرص الولايات المتحدة و”إسرائيل”على عدم اندلاعها، ورغم ذلك ستبقى كلاهما في حالة ترقبٍ وتأهب للثأر الإيراني الآت.