الغاز والنفط البحري السوري والمتوسطي ، الوقائع والصراع
الدكتور محمد رقية | كاتب وباحث اكاديمي سوري
▪بناء” على الدراسات التي قمنا بها لصخور المعقد الأفيوليتي ,أو الصخور الخضراء في منطقة البسيط مع الدكتور أندريه كنيبر من المعهد الجيولوجي في أكاديمية العلوم السوفيتية مابين عامي 1983 و1985 تم اكتشاف عروق اسفلتية ضمن شقوق الصخور البركانية البازلتية العائدة لهذا المعقد , ثم اكتشفنا لاحقا” أثناء عملنا في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد عرق اسفلتي بعرض 1 م على الحدود بين الصخور الأفيوليتية والصخور الرسوبية بمنطقة وادي قنديل شمال اللاذقية .
▪تشير هذه الظواهر إلى وجود فحوم هيدروجينية في الأعماق , قد يكون هرب جزء منها وعلقت المواد الصلبة في هذه الشقوق , وقد طالبنا منذ ذلك الوقت بحفر بئر استكشافي في هذه المنطقة يخترق صخور التشكيلة الأفيولوتية التي يصل سمكها إلى حوالي ألف متر ليصل الى الصخور الرسوبية الواقعة تحتها , التي يمكن أن تكون حاملة لهذه التوضعات .كما أن اندفاع النفط في أحد الحفريات بمدينة اللاذقية قبل عدة سنوات يزيد من الاحتمالية في وجود النفط والغاز ضمن الصخور الحاملة المستمرة بالإمتداد في البحرالمتوسط .
▪لقد أدت دراسات المسح البحري للشاطئ السوري عام 1975 من قبل شركة تريبكو الأمريكية , التي قامت بمسح حوالي 1200 كم طولي ثنائي الأبعاد , وأوقفت أعمالها لعمق القاع البحري وعدم توفر التكنولوجيا المناسبة في ذلك الوقت , ثم ماقام به الروس لاحقا” بمسح ثلاثة خطوط سيزمية ثنائية الأبعاد قبالة الساحل السوري لربطه باليابسة إلى اكتشاف العديد من التراكيب, التي يمكن أن تكون حاملة للنفط والغاز ويتطلب الأمر حفر آبار استكشافية لتأكيد ماهو موجود .
▪في عام 2005 قامت شركة إن سايز النروجية بمسح 5000كم طولي ثنائي الأبعاد غطت 10000كم2 من الساحل السوري واوضح التقرير الصادر المظاهر التركيبية , التي قد تشكل مصائد للنفط والغاز
▪في عام 2011 تم الاعلان عن ثلاثة قطاعات بحرية بمساحة 9000كم2 ولكن بسبب الظروف التي سادت سوريا والمقاطعة التي فرضتها الدول الغربية لم يتقدم أحد للدراسة
▪لاحقا” أبدت عدة شركات روسية اهتمامها بالاستكشاف والتنقيب عن النفط في المياه السورية وتم في عام 2013 توقيع عقد مع شركة سيوز نفتا غاز الروسية لاستكشاف البلوك رقم 2 على مساحة 2190 كلم مربع لمدة 25 عاماً. تبعتها شركة «ستروي ترانس غاز» عام 2017 بعقود التنقيب عن الغاز والنفط في شواطئ طرطوس وبانياس
إلا أنه لم يتم تنفيذ أي شيء حتى الآن .
▪لقد قدر مركز فيريل للدراسات في برلين في أيار من عام 2017، احتياطي الغاز بـ 28 تريليون متر مكعب في سورية .
▪تشير المعطيات إلى أن أعمال التنقيب في المياه السورية هي من النوع العميق لتجاوز عمق البحر الألف متر مما يرفع تكاليفه واستخدام تقنيات معقدة , ويتطلب شركات ذات خبرات تقنية عالية وإمكانيات مالية كبيرة لتنفيذ أعمال الاستكشاف ومن ثم الانتاج.
■ نفط شرقي المتوسط
▪يقدر الاحتياطي الكموني لأحواض شرق المتوسط وفق هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بتقريرها الصادر في نيسان من عام 2010 ب 345 تريليون قدم مكعب من الغاز وعلى كميات ضخمة من الاحتياطات النفطية ويتكون من ثلاث أحواض رئيسية :
1- حوض بحر ايجة قبالة سواحل تركيا واليونان وقبرص شمال شرق المتوسط
2- حوض المشرق قبالة سواحل سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة في شرق المتوسط
3- حوض دلتا النيل قبالة سواحل مصر وحتى سواحل قبرص شمالا” وشرقا” حتى غزة
▪قدر الاحتياطي لحوض المشرق قبالة السواحل السورية اللبنانية الفلسطينية الذي تصل مساحته إلى 83 ألف كم2 بين 50 تريليون و227 تريليون وبالمتوسط 122 تريليون قدم مكعب من الغاز , إضافة إلى 3,1 مليار برميل من الغازات السائلة وإلى ما يقارب من 1,7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج ضمن الصخور العائدة للحقب الأول وحتى الحقب الرابع وتبقى هذه الأرقام في إطار التقديرات .
▪من أبرز الاكتشافات في المياه الفلسطينية المحتلة قبالة عزة ، حقل “غزة مارين” الذي اكتشفته شركة بريتش غاز التابعة لشركة بريتش بتروليوم البريطانية على مسافة 36 كم من شواطئ قطاع غزة، حيث يُقدر إجمالي المخزون للحقل بما يقارب التريليون قدم مكعب من الغاز . تلاه اكتشاف حقل “تامار عام 2009ويبلغ إجمالي الاحتياطي، بنحو 10 تريليونات قدم مكعب.
ثم اكتشف حقل “داليت” غرب مدينة الخضيرة الفلسطينية، ويتراوح الاحتياطي بين 0.35 و0.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وفي العام 2012 اكتشف حقل “تانين” وهو سابع حقل قامت دولة الاحتلال الصهيوني باكتشافه، وأشارت التقديراتُ الأولية احتواءه على احتياطي من الغاز يبلغ 1.2 تريليون قدم مكعب.كما تم اكتشاف حقل “ليفياثان” ويصل الاحتياطي المتوقع، إلى نحو 17 تريليون قدم مكعب، ويقع الحقل على مسافة 135 كم من شواطئ شمال مدينة حيفا، القريب من الحدود اللبناية وذلك بعمق 1600 متر تحت سطح البحر. وكذلك حقل كاريش الذي يبعد حوالى 4.5 كم عن المياه اللبنانية، بل إنه أقرب إلى الحدود المائية اللبنانية ، التي لم يتم ترسيمها حتى الآن . وتم حرمان الشعب الفلسطيني صاحب الأرض من عوائد هذه الحقول الكبيرة.
▪وفي قبرص تم اكتشاف حقل “أفروديت” على بعد 180 كم من الشاطئ الجنوبي الغربي لقبرص، ويقدر إجمالي الاحتياطي لأفروديت بما يقارب 9 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
▪وفي مصر أعلنت شركة إيني الإيطالية عن اكتشاف حقل ظهر قبالة سواحل البحر المتوسط عام 2015، باحتياطي غاز بلغ 30 تريليون قدم مكعب، وذلك إلى جانب حقول دلتا النيل على سواحل المتوسط، والتي تبلغ كمية الغاز الطبيعي فيها نحو 50 تريليون قدم مكعب.
▪وفي لبنان يقدر احتياطي الغاز في المياه الإقليمية ب 25 تريليون قدم مكعب حسب نتائج المسح السيسمي وقد تعاقد لبنان مع اتحاد شركات ايطالية فرنسية روسية للتنقيب عن الغاز في عدة بلوكات.
▪يحظى الغاز في شرق حوض البحر المتوسط بأهمية خاصة نظرًا للأهمية الجيوسياسية للمنطقة التي يقع فيها وهي منطقة الشرق الأوسط أو منطقة غرب آسيا , التي تضم حوالي 47% من احتياطي النفط و41% من احتياطي الغاز في العالم. وزاد من أهميتها انفتاح البحر المتوسط على تقاطع آسيا وأوروبا وإفريقيا، واتصاله بطرق التجارة العالمية عبر مضائق السويس والبوسفور وجبل طارق.
يعقد هذا الأمر الصراع العربي الصهيوني بما في ذلك العديد من الخلافات على ترسيم الحدود البحرية كالخلاف التركي القبرصي والخلاف اللبناني مع الكيان الغاصب ومع قبرص والخلاف المصري التركي اليوناني . عدا عن تدخلات الدول الكبرى باتجاهات مختلفة وشركاتها العاملة في هذه القطاعات ؛
لذلك سيأخذ الصراع على الغاز في شرق المتوسط أبعاد مختلفة سياسية واقتصادية وقانونية وامنية متداخلة مع بعضها البعض، وهو ما يجعله صراعًا معقدًا وقابلًا للاشتعال لاسيما مع كثرة اللاعبين المعنيين به محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية الضخمة للمنخرطين فيه.