يُعدّ العدوان الإسرائيلي على محافظة دير الزور، أمس، الأوسع ضدّ الأراضي السورية منذ قرابة عامين، سواء لجهة عدد الغارات أم لناحية خريطة الاستهداف الذي تَركّز في معظمه على مقارّ عسكرية تابعة للقوات الرديفة، السورية والأجنبية، المدعومة من إيران. ووفق مصادر ميدانية عاملة في المنطقة، تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «العدو شنّ نحو 18 غارة، استهدفت مواقع للجيش السوري والحلفاء في دير الزور، وتحديداً حاجزاً عسكرياً تابعاً لفرع الأمن العسكري، ومستودعات عيّاش العسكرية الكبيرة، إضافة إلى كلّية التربية القديمة في حي بورسعيد، وأطراف حيَّي هرابش والعمّال، فضلاً عن المطار العسكري في مدينة دير الزور، إضافة إلى عدّة مواقع عسكرية تتمركز فيها القوات الصديقة في باديتَي الميادين والبوكمال، ومعبر البوكمال – القائم». وشملت خريطة الاستهداف مناطق ممتدّة على طول يزيد على 130 كلم بين دير الزور والميادين والبوكمال، وصولاً إلى الحدود مع العراق شرقاً، مع التركيز على مواقع القوّات الرديفة المدعومة من الإيرانيين في المحافظة، على رغم أن الهجمات الجوية التي استمرّت نحو 40 دقيقة طالت، أيضاً، موقعَين للجيش السوري في دير الزور.
وكانت طائرات العدو انطلقت، أمس، من قاعدة «نيفاتيم» في بئر السبع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحلّقت في الأجواء الأردنية، وصولاً إلى مثلّث الحدود مع سوريا والعراق، لتُنفّذ عدوانها وتُطلِق صواريخها من أجواء منطقة التنف التي تحتلّها القوات الأميركية على الحدود السورية – العراقية – الأردنية. ووَفّر «التحالف الدولي» غطاءً لحماية طائرات العدوّ عبر تحليق سرب للمقاتلات الأميركية في أجواء ريف دير الزور، بالتزامن مع الإعلان عن مناورات تجريها واشنطن في محيط الحقول النفطية في الريف الشرقي للمحافظة. كذلك، عمد «التحالف» إلى التشويش على رادارات الدفاع الجوي السورية، لتوفير بيئة مناسبة لتُحقِّق الغارات أهدافها بشكل دقيق، ما يكشف عن تنسيق مسبق وواسع بين الطرفين.
في المقابل، تلفت المصادر الميدانية المطّلعة، التي تحدّثت إليها «الأخبار»، إلى أن «التنسيق العالي المستوى بين سوريا وإيران دفع بالقوات كافّة إلى إخلاء مواقعها وتنفيذ ما يشبه إعادة انتشار في المنطقة، ما خفّف من الخسائر إلى حدّ بعيد». وتضيف أن «ما يدّعي العدوّ والأميركيون وجوده في النقاط التي استهدفها العدوان، والحديث عن معدّات نووية، ما هو إلا كذبة كبيرة أخرى، إذ لا يوجد في هذه النقاط سوى العتاد العسكري اللازم للجيش السوري وحلفائه لقتال تنظيم داعش الذي صعّد هجماته مؤخراً في المنطقة». بدوره، يشير مصدر سوري رفيع المستوى، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الغارات المتكرّرة هذه تهدف إلى الضغط على الحلفاء الإيرانيين، ومنعهم من تقديم المساعدة والمشورة للجيش السوري في ملاحقة تنظيم داعش الذي نشط أخيراً بشكل فاعل في البادية السورية، وهو يعمل على إعادة تنظيم خلاياه لزعزعة الاستقرار في المنطقة». ويتابع أن «الكيان الصهيوني يريد استغلال الأيام الأخيرة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وإحراج الرئيس الجديد جو بايدن، وإدخاله في مواجهة مباشرة مع الإيرانيين، لمنع حصول أيّ تهدئة أميركية – إيرانية، أو استئناف التفاوض في الملف النووي». ويؤكد المصدر أن «الجيش السوري والحلفاء سيواصلون مهامّهم في ملاحقة الإرهاب، وتحقيق الأمن والاستقرار في كلّ شبر من أراضي البلاد». ويفيد بأن «الغارات في مدينة دير الزور أدّت إلى استشهاد أحد عناصر قوى الأمن، وإصابة أربعة آخرين، نتيجة استهداف مبنى داخل المدينة».
ويبدو أن تل أبيب تسعى بالفعل إلى استغلال الأيام الأخيرة لإدارة ترامب لتوجيه أكبر عدد ممكن من الضربات إلى أعدائها. وفي هذا الإطار، تحدّثت مصادر إسرائيلية، صراحةً، إلى وسائل إعلام عبرية، عن «نيّة تل أبيب رفع مستوى الغارات على الأراضي السورية إلى 3 غارات كلّ عشرة أيام، بدلاً من واحدة كلّ ثلاثة أسابيع»، وهو ما بدأ العدوّ بتنفيذه، إذ ارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على سوريا في الآونة الأخيرة. كذلك، يَظهر أن الإدارة الأميركية الحالية عملت على رفع مستوى تنسيقها بشكل كبير مع الإسرائيليين أخيراً، بهدف تقييد الإدارة الجديدة في التعامل مع إيران وحلفائها، ومحاولة إلزامها بانتهاج سياسة مشابهة لما اختطّته. ولعلّ حديث الأميركيين والإسرائيليين عن وجود معدّات تُستخدم في البرنامج النووي الإيراني في المواقع التي استهدفها القصف، غايته، من جهة، إثبات استمرار إيران في تطوير ذلك البرنامج، ومن جهة أخرى توريط دمشق عير إظهار نيات لديها لتطوير برنامج نووي بالتعاون مع طهران. كما أن التنسيق الأميركي – الإسرائيلي في الغارات على منطقة دير الزور قد تكون له أهداف أخرى، من بينها إقناع إدارة بايدن بضرورة الحفاظ على وجود عسكري في هذه المحافظة، وعدم التفكير في أيّ قرار بسحب القوات منها، بسبب الوجود الإيراني العسكري هناك.
الأخبار