عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية
منذ سنة كتبتُ أنّه بعد عدوان تموز 2006 سيحصل بيننا وبين الكيان الصهيوني معركتين، معركة الزوال ومعركة ما قبل الزوال. والكلام الذي ستقرأونه ليس سيناريو فيلم سينمائي، إنه عناوين متواضعة لما يمكن أن تفعله قدرات حزب الله لحظة اتخاذه القرار بالدخول الى المعركة. كما أنّ الكلام ليس ضرباً بالرمل أو تبصيراً بالفنجان ولا مجرّد كلامٍ عاطفي يهدف الى رفع المعنويات. إنّه ببساطة كلامٌ يعكس تطورات الصراع العربي الصهيوني الذي بدأت مساراته تتحول لمصلحة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.
لم تكن حرب تموز 2006 مجرّد حرب عادية، فقد أرسَت هذه الحربُ معادلات جديدة وغيّرت طبيعة الصراع بأكمله. وجاءت حرب 2009 و2012 والمعركة التي تدور في هذه الأيام بغزّة، لتعطي مثالاً واضحاً عن تنامي قوة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، بفوارق بسيطة في مجريات الميدان بين ما جرى في تموز 2006 وما يجري الآن على أرض غزّة، فنحن أمام نموذجين متشابهين في أسلوب التنظيم وأنماط القتال والتسليح، وإن اختلف ببعض تفاصيله وارتباط هذا الاختلاف بطبيعة ومساحة أرض المعركة.
في العام 2006 حقّقت المقاومة اللبنانية إنجازاً تمثّل في تعريض فكرة استمرار الكيان للاهتزاز، ففكرة هذا الكيان قامت أصلاً على الهجرة الى فلسطين بلد الأمان الموعود لليهود، الأمر الذي أدّى بفعل ضربات المقاومة اللبنانية الى تهجير أكثر من مليون يهودي من شمال فلسطين الى وسطها وبقاء باقي سكان المغتصبات في الشمال 33 يوماً في الملاجئ وهي أيام الحرب. حوالي 100 الف مغتصِب هاجروا كليّا خارج الكيان من حيث أتوا. ماذا يحصل الآن بفعل الحرب الدائرة في قطاع غزة؟
تمتلك المقاومة الفلسطينية الآن ما كان يمتلكه حزب الله سنة 2006، من حيث منظومة الصواريخ أرض – أرض وصواريخ م- د المضادة للدروع وطائرات الإستطلاع بدون طيار، ولكنّ المقاومة الفلسطينية حققت حتى الآن ما لم يحققه حزب الله للأسباب التالية:
1- عدد أكبر من فئة صواريخ فجر بمختلف مسميّاتها بمدى يتراوح بين 70 الى 90 كلم، حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية حتى اللحظة اكثر من 150 صاروخ من هذه الفئة في حين لم يطلق حزب الله أكثر من 50 صاروخاً طيلة فترة الـ33 يوماً عام 2006.
2- وقوع أغلب المدن الصهيونية وأهّمها تل ابيب وضاحيتها غوش دان تحت مرمى صواريخ المقاومة الفلسطينية، في حين كان حزب الله يتريث في إطلاق صواريخ بمدى أطول مما كان يستعمل، وذلك بسبب سياسة المفاجآت ومعادلات الردع المعتمدة حينها.
3- نقل نتائج وخلاصات تجربة الـ2006، سواء في الاستفادة من تكتيك فعالية الصواريخ في التسبب بأضرار فادحة للكيان الصهيوني وتأثيرها الكبير على جبهته الداخلية، أو فيما يخص تجربة الصواريخ المضادة للدروع بمختلف أنواعها، إضافةً الى تكتيك الأنفاق والخنادق الذي اعتمدته المقاومة اللبنانية في بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب وغيرها من القرى، ولا ننسى أنّ أول تجربة أنفاق وخندقة كانت في موقع مليتا القيادي الذي تحوّل منذ فترة الى معلم سياحي ليتعرف من يريد على بعض إنجازات المقاومة وأساليبها.
4- الاستفادة من تجربة المفاجآت ووضع جدول زمني لتنفيذها يتناسب مع طبيعة المعركة وحاجاتها، ومن بعض هذه المفاجآت استخدام المقاومين في غزّة ألبسة وعتاد الجيش الصهيوني بكل تفاصيلها بما فيها ربطة الحذاء، وهو أسلوب اعتمده حزب الله في أغلب معارك الالتحام مع جنود العدو.
5- استخدام سلاحي الإعلام والحرب الالكترونية بشكلٍ واسعٍ وفعّال، والاستفادة من تجربة تلفزيون المنار ونقل هذه التجربة الى غزّة عبر إبقاء البث مستمراً دون انقطاع لنقل وحشية جيش العدو وإنجازات المقاومة.
6- الاعتماد على شبكة أنفاق كبيرة بعضها مترابط وبعضها منفصل بحسب طبيعة المنطقة، ووضع كل أنواع الأسلحة الصاروخية ومستودعات الصواريخ والذخائر ومشاغل التصنيع وغرف العمليات تحت الأرض، كما يجب الإشارة الى شبكة الاتصالات الأرضية التي تربط كامل منظومة المقاومة في غزة ببعضها لتأمين نظام قيادة وسيطرة غير قابل للإختراق ويؤمن استمرارية التواصل فيما بين القيادة والوحدات الميدانية ووحدات الدعم وغيرها.
أمّا ماذا حقّقت المقاومة الفلسطينية حتى الآن وماذا يمكن أن تفعل المقاومة اللبنانية في أية حربٍ قادمة سواء انطلقت غداً أو بعد سنين؟
أولاً- ما حقّقته المقاومة الفلسطينية:
– الحفاظ على قدرتها على إطلاق الصواريخ في كل الظروف ليلاً ونهاراً، رغم وجود أكبر منظومة مراقبة وأكثرها تطوراً عبر العالم، إضافةً الى الحفاظ على وتيرة رمي الصواريخ.
– الوصول بالصواريخ الى اكثر من 55 مدينة وتجمع سكني على امتداد فلسطين المحتلة، وعجز منظومة القبّة الحديدية أمام رشقات الصواريخ وعدم تمكنها من إسقاط الاّ 15% منها.
– وضع غالبية سكان الكيان الصهيوني تحت النار وإجبارهم على الدخول الى الملاجئ مع كل مرّةٍ تنطلق فيها صفارات الإنذار، إضافةً الى حالة الخوف والهلع.
– الخسائر الكبيرة في الجانب الاقتصادي والتي تتصاعد مع كل يوم من أيام الحرب.
– إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المدنية وتعطيل المطارات الصهيونية واتخاذ أغلب شركات الطيران العالمية قرارات بإلغاء رحلاتها الى الكيان الصهيوني.
– النجاح في تنفيذ تكتيك حقول الجحيم في بقع اشتباك معدّة سلفاً وإيقاع خسائر بشرية في صفوف جيش العدو.
– نجاح المقاومة في أسر جندي صهيوني وهو أمر يمكن أن يتكرّر في العمليات القادمة، ما يؤثر في قدرة وهيبة جيش العدو ومعنوياته ومعنويات الجبهة الداخلية الصهيونية.
– قهر إرادة القتال لدى الجندي الصهيوني والذي تمثل في امتناع البعض من الالتحاق بوحداتهم، في حين عمد البعض الى إطلاق النار على رجليه ليتهرب من الخدمة.
ثانياً- كيف سيكون سيناريو مشاركة حزب الله في الحرب؟
– تعمل المقاومة الفلسطينية ضمن بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كلم، أكثر من نصفها مساحات مبنية ومأهولة ولا تحتوي تضاريس جغرافية معقّدة كالجبال والوديان ولا تستطيع احتواء منصات صواريخ بعيدة المدى، إضافةً الى أنّ غزة في حالة حصار كامل، بينما يعمل حزب الله على مساحة جغرافية تتجاوز الـ4500 كلم مربع في مناطق الجنوب والبقاع اللبناني في بيئة جغرافية مليئة بالجبال والوديان، وبعض قمم هذه الجبال تشرف على ساحة المعارك المحتملة في البقاع والجنوب، مع وجود حدود مفتوحة مع سورية أمّنت للحزب قدرات لوجستية وخطوط إمداد مفتوحة وآلاف المخابئ وكوّات الإطلاق للصواريخ بعيدة المدى.
– السؤال الذي يطرح نفسه بجدية، هل يملك حزب الله فعلاً صواريخ بعيدة المدى، وما مدى فاعلية هذه الصواريخ وقدرتها؟
– بات مؤكداً من خلال المتابعة الموضوعية لمجريات الميدان في غزّة البعيدة عن خطوط الإمداد والتي تمّ نقل كل سلاحها وتكنولوجيا التصنيع اليها عبر التهريب، أنّ حزب الله الذي يسبق المقاومة الفلسطينية تجربةً وتسليحاً يمتلك صواريخ بعيدة المدى، فما هي هذه الصواريخ؟
– إنها صواريخ من فئة زلزال التي تحمل أسماء كثيرة أهمها فاتح 110 وام – 600 التي يتراوح مداها بين 250 و 300 كلم، برأسٍ متفجّر مدمّر بين 500 و800 كلغ يغطّي كامل فلسطين المحتلة من مغتصبات الشمال وصولاً الى النقب.
– هذه الفئة من الصواريخ ستدّك يومياً المنشآت الصهيونية الاستراتيجية، كمحطات توليد الكهرباء ومصافي النفط والمصانع البيتروكيميائية ومراكز القيادة والسيطرة والمطارات المدنية والعسكرية لتخرجها من الخدمة، حيث يستطيع صاروخ واحد تعطيل مدرج أي مطار ليومٍ كامل باحتمال أن يخوض العدو حربه دون سلاح طيرانه، مع الإشارة الى أنّ تل ابيب وحيفا وغوش دان سيكون لها الحصة الأكبر أيضاً، ما سيؤثر بشكلٍ كبير على استقرار الجبهة الداخلية والمسّ بقدرات الدفاع المدني ونقاط الإخلاء والمستشفيات، ويحوّل الكيان الى أرض تسود بها الفوضى.
– المعركة القادمة ستكون على أرض العدو، حيث سيضطر الى الدفاع عن الجليل الأعلى في سياق عملية خاطفة ستنقل قدرات حزب الله الصاروخية قريبة ومتوسطة المدى الى الداخل الفلسطيني، لتصبح تل ابيب تحت رحمة صواريخ فجر من غزة ومن قوات حزب الله المتقدمة في الجليل.
– اعتماد حزب الله على سيارات الدفع الرباعي الخفيفة كمحمولات لصواريخ غراد وفجر سيؤمن له مستوى حركية عالية، في الوقت الذي ستتولى وحدات المضاد للدروع المحمولة والتي تواكب القوات الخاصة للحزب إخراج المدرعات والدبابات الصهيونية من أرض المعركة.
– في هذا السيناريو ستُكلّف صواريخ أرض-بحر إخراج أية قطع بحرية صهيونية من المعركة عبر استهدافها سواء كانت في موانئها أو في حالة الحركة، وان كان حزب الله استخدم صواريخ سي – 802 الصينية فمن المرجّح امتلاكه الآن صواريخ ياخونت ذات المدى الذي يصل الى 300 كلم ويعمل فوق سطح الموج، ولا ننسى زوارق الطوربيد الصغيرة وغواصات عديمة البصمة الرادارية والتي يمكنها التسلّل الى أي مكان دون كشفها لتنفيذ عمليات استطلاع او مهمات قتالية.
– الطائرات بدون طيار لن تقتصر على فئة مرصاد وابابيل الصغيرة، فربما قد يكون حزب الله امتلك أحدث نماذجها المسلحّة والتي توازي طائرات الرصد الصهيونية.
– بطاريات من صواريخ سام سترافق أية قوات متقدمة في الجليل للتعامل مع طائرات الهليكوبتر الهجومية الصهيونية التي لن تتأثر بضربات مدارج المطارات ممّا يبقيها في الخدمة للتعامل مع الأهداف المتحركة والمتقدمّة.
ختاماً، إن استطاعت نافذة جحيم غزّة التي لم تُفتح كلهّا بعد أن تفعل ما فعلت حتى الآن، فماذا يمكن لبوابة جحيم حزب الله أن تفعل؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لم نتطرّق الى القدرات السورية أو الإيرانية في سياق المعركة الشاملة.
إنها مسألة سنوات بيننا وبين زوال هذا الكيان الغاصب. هو كلام إن قرأه الصهاينة سيدركون مدى صدقه وجدّيته، لأنهم يعرفون أكثر من غيرهم أنّ أسطورتهم قد بدأت بالتلاشي، وحاخاماتهم يدركون الأمر أكثر من قيادتهم السياسية والعسكرية. أيها الصهاينة، الى مزيدٍ من الغباء بما يؤمن لنا النصر ويحرقكم في آتون الهزيمة.