ابراهيم الأمين | رئيس تحرير جريدة الأخبار
فتح لأبواب وإقفال لأخرى، بل أكثر من ذلك: هو إعلان عن مرحلة جديدة من الصراع.
هذه خلاصة بسيطة لما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس، في شأن ملف النفط والغاز والصراع مع العدو. وقد يكون ضرورياً فهم خلفية كلام نصر الله وأبعاده ليس في إطار موضعي يتّصل بمسار التفاوض التقني الجاري بين لبنان والعدو بوساطة أميركية، بل بأبعد من ذلك، وبما يتصل بأمن الطاقة في المنطقة ككل. وفي قراءة واقعية، مستندة الى معطيات ومؤشرات، يمكن قول الآتي:
أولاً، حدّد السيد نصر الله الطابع المصيري للمعركة، وقال كلاماً شديد الوضوح بأن هناك من يريد للبنان أن يموت جوعاً واقتتالاً على لقمة العيش، وأن المقاومة مستعدة لمواجهة ذلك بما هو أقسى وأشدّ، وبما ينعكس تبعات مشابهة على كل الأطراف، سواء العدو الإسرائيلي نفسه أو الدول المستفيدة من برنامج الطاقة في البحر المتوسط.
ثانياً، عندما تعلن جهة مثل حزب الله أنها تواجه مسألة مصيرية، وعندما يكون الشرح على لسان شخصية كالسيد نصر الله عن التزامات المقاومة تجاه شعبها وليس تجاه قوى سياسية، فإن الأمر يكون مرتبطاً بخيارات استراتيجية تعني، ببساطة، أن المقاومة باتت في حالة جهوزية عملانية لخوض حرب واسعة وليس القيام بعمليات موضعية من أجل ضمان حقوق لبنان نظرياً وعملياً.
ثالثاً، إشارة السيد نصر الله العلنية الى مسح الأهداف مقابل سواحل فلسطين المحتلة، وقوله صراحة إن المقاومة مستعدة لـ«ما بعد كاريش»، يعني أن المقاومة وضعت كل وحداتها المعنية في حال جهوزية واستعداد لخوض معركة واسعة. ومن البديهي أن أي مواجهة بين المقاومة والعدو قبالة سواحل لبنان وفلسطين تعني، ببساطة، إسقاط الأمن عن كل أعمال التنقيب ومشاريع استخراج الطاقة في كل شرق المتوسط، وأن منطقة البحر المتوسط كلها وليس منطقة بحدّ ذاتها ستتحول إلى مسرح للعمليات. بمعنى أوضح: تقول المقاومة إن المعركة لا تقف عند حدود معيّنة، بل يمكن أن تتجاوزها الى أبعد مما يقدّره الآخرون إذا تطلّب الأمر.
رابعاً، كان الأمين العام لحزب الله شديد الوضوح بأن عملية المسيّرات ما هي إلا رسالة صغيرة، ومن «لا يصدق» عليه «انتظار» الخطوات اللاحقة في حال استمرار تعنّت العدو، ومن خلفه الأميركيون، وعندها سيكتشف الجميع، في لبنان والمنطقة، أن منطق التدرج في الردود سيصل الى حدود لا يبدو أن كثيرين يدركون أبعادها.
سادساً، ثبّت السيد نصر الله النتائج الأولية لعملية المسيّرات بتحديد إطار التفاوض، لكنه كان أكثر حدّة في قوله إن الأمر لا يتعلق بنقاش حول حدود بحرية أو خلافه، بل بالحقوق، وربط الأمر بحاجة لبنان إلى هذه الثروات لمواجهة الأزمة. وفي هذا السياق، لم يكن سهلاً عليه الإشارة المباشرة الى أن من يحاول تخيير لبنان بين الموت جوعاً وبين الحرب، عليه أن يعرف أن خيار الحرب هو الأسهل والأكثر جدوى. ولم يكن السيد مناوراً عندما تحدث عن واقع الأزمة الحالية في لبنان، بل ربما كان شديد الوضوح بأن المرحلة تجاوزت تهديد اللبنانيين بالجوع الى مرحلة تنفيذ هذا التهديد، وبالتالي تجد المقاومة نفسها في موقع الردّ على هذا النوع من الحروب.
وضعت المقاومة نفسها في مرحلة المواجهة التي تقفل كل طرق المناورات ما لم يبادر «عاقل» ما في هذا الكون بالتدخل سريعاً
وبمعزل عن أي تعليقات يمكن أن تصدر من جهات سياسية لبنانية، من الدولة أو خارجها، على تهديد السيد نصر الله بمنع العدو من العمل في كل الساحل الفلسطيني وليس في حقل كاريش فقط، فإن الرد الأبرز سيكون مصدره في العلن والسرّ هو عند العدو. وقد بات واضحاً أن بنداً إلزامياً فُرض على جدول أعمال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لكيان الاحتلال والمنطقة، وهو بند ينصّ على أن في لبنان قوة قادرة على حرق المراكب كلها ومنع أي حركة في كل البحر المتوسط، وربما في ما هو أبعد إن لزم الأمر، ما يُلزم العدو ومعه الأميركيون بردة فعل واضحة: إما السير في خطوات عملانية تقود الى التزام بكامل حقوق لبنان النظرية والعملية، أو وضع المنطقة أمام استحقاق مواجهة لا أحد يعرف الى أين ستنتهي.