غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
ما زالت خارج التداول الرسمي والحكومي والسياسي دعوة الخلاص والرؤية الإنقاذية الواقعية، التي طرحها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله. ومن الواضح أن الواقع السياسي العقيم والتائه ما زال يسبح في حالة اغتراب وانعدام وزن بعيدا عن هموم الناس ومعاناتهم الخانقة.
أولا: ما تقدّم به سماحة السيد من اقتراحات وأفكار في مناخ الكارثة الاقتصادية والمالية، كان تعبيرا أمينا وصادقا عن حمية قائد المقاومة وحرصه على مصالح شعبه ووطنه في ظروف شديدة الصعوبة والحرج، يتحسّس قائد المقاومة معاناة شعبه في ظلها، ويتّجند مع أخوته ورفاقه، راميا بثقل المقاومة وعلاقاتها في سبيل المساعدة على تخطّي المحنة الخطيرة، التي تمثّل بتفاعلاتها وارتداداتها حالة غير مسبوقة، يجمع الخبراء على أنها تعرّض البلد لكارثة شديدة الخطورة.
وفي هذا السياق، تقدّم السيد برؤية متقدمة وسبّاقة، نعلم جميعا أن الواقع السياسي، الذي يتباكى وينتحب، لا يجرؤ على السير بها لأنه أدمن الخنوع أمام الأميركي المتغطرس، وهو يخشى إغضابه، على الرغم من دروس التجارب المرة، التي تظهر لأي عاقل حصيف وجهة العمل المجدي لتحقيق المصالح الوطنية. ولعل سماحة السيد، بدافع من حرصه وحكمته، تحاشى تقليب المواجع وفتح حساب المسؤولية عن الكارثة، التي كانت حاصل خيارات سياسية واقتصادية ومالية، كان حزب الله مع بعض القوى والشخصيات الوطنية قد انتقدوها وعارضوها وحذروا منها في ذروة انتفاخ وتغوّل النهج الإعماري الريعي. وبهذا الترفّع، وبحكمته ونبله، أعطى السيد الأولوية لنداء العمل المشترك للإنقاذ، وتجاوز محاكمة المنطق الخاطئ وتعيين المسؤولية عن الكارثة، التي قاد البلاد إليها في تجبّره وعناده، وهي لم تكن أبدا قدرا محتوما لا بديل عنه، أو لا سبيل لردّه وتحاشيه.
ثانيا: أخذ السيد بيد سائر شركاء الوطن في سبيل الخلاص وأولوية تخطي الكارثة بدلا من فتح الحسابات والمناكفات في وقت حرج وثمين، فقدّم نداء العمل المشترك راسما الخطة والأهداف التي يدعو سائر الشركاء للتحرّك على أساسها. وفي هذا مأثرة جديدة لقائد المقاومة ولحكمته في تقديم الأولويات الوطنية والشعبية والهمّ المصيري على المجادلات والمناكفات غير المجدية. وعسى الآخرين في الواقع السياسي يتّعظون بدل أن يقع لبنان في مآل بيزنطي معروف النتائج، ودوامة سجالات في السقوط الحرّ الى الهاوية السحيقة.
إن نداء سماحة السيد هو فرصة لسائر الأطراف والقيادات للتلاقي حول العناوين الإنقاذية التي اقترحها، وبلورة الصياغة المشتركة للمشروع الإنقاذي المنشود، بدءً من وقف الكارثة وصولا الى القيامة والنهوض من جديد بذات الحمية والتصميم. وهذا يستدعي توافر الوعي والإرادة عند معظم القيادات المعنية، كما يتطلّب تحركا شعبيا داعما لهذه المبادرة الوحيدة، التي تحمل أمل الخروج من الكارثة بحلول واقعية وممكنة. ولذلك، المطلوب اليوم تحريك أوسع نقاش ممكن عبر وسائل الإعلام وفي البلدات والأحياء والمناطق اللبنانية بدون استثناء، لإطلاق حملة شعبية واسعة ما أمكن، لترجمة هذا البرنامج وتحويله الى خطة تنفيذية دون أيّ تأخير. ونتوقع من سائر الوطنيين في مختلف أنحاء لبنان أن يبادروا بسرعة الى دراسة خطاب الإنقاذ، والبدء بالتحرّك الشعبي لتحويله الى خطة وطنية.
ثالثا: إن بلادة الواقع السياسي وقصوره الفكري وتخلّفه الثقافي تدعونا الى التأكيد على أهمية التحرّك والمبادرة لملاقاة الجهد، الذي نثق بأن قيادة حزب الله لن تبخل أو تتردّ في بذله حيث تستطيع، لتكوين إرادة مشتركة مع سائر الأطراف السياسية في البلاد، وبلورة خطة إنقاذية. ولكن احتضان وتفعيل هذه الخطة يستدعي استقطاب وتكوين قوة ضغط واسعة وفاعلة ما أمكن، حتى لا يتبدّد أمل الخلاص في رتابة وبلادة السلوكيات البيروقراطية الأثيرة عند الواقع السياسي، كما نعرفه. وقد سبق أن تكفّل بدفن ووأد الكثير من الأفكار والفرص في دوامة إدمان استلابه لقوة العادة، ولارتهانه الى مراكز السيطرة الاستعمارية في العالم.
إننا نهيب ختاما، بسائر الأطراف السياسية والقيادات المسؤولة وجميع وسائل الإعلام أن تتحرك بأسرع وقت ممكن وعلى الفور، لتنظيم نقاش وطني شامل حول خطة الإنقاذ، وحثّ الهمم وحشد الطاقات لفرضها، وكسر حواجز التبلّد وجدران المصالح والارتباطات الخارجية، التي تقف في طريق إنقاذ البلد، وهو، كما برهن قائد المقاومة، هدف وطني ممكن التحقّق وليس مستحيلا، ورصيد المقاومة وقائدها سيكون يقينا، كما نعرف وندرك، عنصر دفع وتحفيز، ورصيدا قويا، يسهّل على لبنان اجتياز هذه المحنة والتعافي، متطلعا الى طرق أبواب المستقبل الواعد بهمّه أبنائه المخلصين والمبدعين، وهم غالبية ساحقة تنتظر صحوةً وخطة عمل.