غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
في وجه الانقسام الخطير على الصعيد السياسي الذي يعيشه الواقع اللبناني، ويصل به الى ما يشبه القطيعة وتعطّل قنوات الحوار، يشدّد السيد على ضرورة تخطّيه والعمل لإنقاذ المشتركات في سبيل إنهاء الفراغ الحكومي، الذي يفاقم من حجم المأزق الاقتصادي والمالي، ويفاقم من معاناة اللبنانيين في غياب مركز أساسي على صعيد بنية السلطة التنفيذية وقوامها الدستوري.
أولا: شكّل خطاب السيد صوت العقل والحكمة والمسؤولية الوطنية في مناخ داخلي محتدم بتبادل الاتهامات، وباحتقان سياسي لا يتناسب مع مقتضيات المسؤولية الوطنية في لجم كارثة محدقة اقتصاديا وماليا، يفاقمها استمرار الفراغ الحكومي الى فترة أطول. وهذه مسؤولية جماعية ومشتركة بين جميع القوى والكتل الفاعلة في البلاد، لإنهاء الفراغ في السلطة التنفيذية بصورة عاجلة، تسمح بإطلاق مبادرات وخطوات في طريق احتواء نتائج الانهيار الاقتصادي والمالي، وبدء المعالجات الجدية للمشاكل الكثيرة المتراكمة، التي تنتظر حلولا، وينتظر معها الناس تشكيل الحكومة، وتصديها لمسؤولياتها الدستورية والسياسية، وتبنّيها لخطط واضحة في وجه الانهيار الاقتصادي والمالي.
خطاب سماحة السيد هو نداء العقل والحكمة والمسؤولية الوطنية في وجه المماحكات وتبادل الاتهامات، ونداء المسؤولية لجميع الأطراف أمام الناس وأمام الوطن. وهو بذلك صوت الضمير الوطني والموقف العقلاني المسؤول، الذي يحثّ على التفاهمات والمشتركات بدلا من التناحر في ظرف خطير واستنزافي يجتازه الوطن والمواطن.
ثانيا: نداء سماحة السيد الى سائر القوى والأطراف المعنية لتغليب المشتركات والمسؤولية العامة عن المأزق بدلا تبادل الاتهامات والتشنّج الذي يعزّز الانقسام، يمثّل بالنسبة للناس تعبيرا عن وجدانهم وتطلعاتهم، وقد خبِروا نتائج الأزمات الصاخبة، ودوام الفراغ في مؤسسات السلطة التنفيذية. وقد دفع البلد كلفة عالية لذلك لسنوات طويلة وما يزال. وكلمة السيد هي دعوة إنقاذية لتغليب المسؤولية المشتركة بدلا من التطاحن غير المجدي والعبثي في مركب يغرق.
البلد يستحق من الجميع وقفة مسؤولة، والعمل لبلورة التفاهم الممكن. ونحن لم نلمس في الصراع الدائر سوى لغة الأحجام والحصص، ولم نجد أثرا لجدل الخيارات والمشاريع، أو للنقاش الواجب في سبل الخروج من المأزق. وذلك بالفعل أداء غريب عن منطق المسؤولية الوطنية وأبسط مستلزماتها. وإذا كان المتصارعون جميعا يغرفون وصفات للأزمة من سلّةِ ما هو قائم ومعتمد، أي حلقة الاستدانة وإدارة الأزمة، فما هو مبرّر استنزاف البلد في دوامة الفراغ الحكومي، وإطالة أمد الأزمة، وتأخير التفاهمات الممكنة وغير المستحيلة، خصوصا وأننا لم نلمس في مفردات السجال أي أثر لخطة إنقاذية تخالف مألوف التوجّهات الحكومية السابقة واللاحقة.
ثالثا: إن دعوة سماحة السيد هي صوت العقل، الذي يحثّ على توسيع دائرة المشتركات، والانطلاق لتسريع قيام حكومة جديدة، وعدم الاستغراق في حلقة لحس المبرد والتوتّر السياسي غير المجدي. وما تمثله المقاومة وحزبها وقائدها من هيبة وثقل وتأثير في الحياة الوطنية يمثّل رصيدا داعما للتفاهمات الممكنة، ولاحتواء التباينات لتعجيل ولادة الحكومة الجديدة، انطلاقا من حجم الكلفة المضاعفة، التي يرتّبها دوام الفراغ الحكومي. والناس هم مَن يدفعون تلك الكلفة من مستوى عيشهم، ومن واقعهم الاجتماعي الآخذ بالانسحاق، وبعدما شرع خطر الفقر والعوز يقرع أبواب الشرائح الوسطى، التي كانت حتى الأمس بمنأى عن تأثير الأزمات والمشاكل الاقتصادية.
إن الطريق لكسر الحلقة المفرغة، هو التعجيل بولادة حكومة جديدة، وعدم الاستغراق في الفراغ القائم، وهذه مسؤولية جميع الأطراف المعنية. ولا جدوى من استمرار تبادل الاتهامات وإضاعة الوقت في محاربة طواحين الهواء.