ايهاب زكي | باحث فلسطيني في الشؤون السياسية .
كلما حاول العدو”الإسرائيلي” ترميم صورته المتقزّمة أمام تعاظم قدرات محور المقاومة، يأتي السيد نصر الله بكلمتين على ما فعلوا أو قالوا فيحيله ركاماً، فقد أصبحت”إسرائيل” تحترف الثرثرة لا سواها، فقديماً كان أعداؤها يثرثرون وهي تحترف القتل والتدمير، أمّا في زمن محور المقاومة باتت تثرثر فيما أعداؤها يراكمون أسباب القوة والقدرة، فمنذ العام 2000 وخصوصاً بعد العام 2006، حيث انسحاق القدرة”الإسرائيلية” على تحقيق نصرٍ سريعٍ وحاسم، مع الاحتفاظ بأمن الجبهة الداخلية، مروراً بالحرب على سوريا بكل ما أنتجت من خبراتٍ عسكرية، لم تعد خيارات”إسرائيل” المتاحة ذات شأنٍ، فهي تتراوح بين الثرثرة وتعظيم حركة التطبيع باعتبارها إنجازاً تاريخياً، وهذه الخيارات لا وزن لها على ساحات الصراع أو مآلاته، ولكن ما هو أخطر من الخيارات النافقة، هو أنّ”إسرائيل” لا تملك قدرة الخروج من بوتقة خياراتها النافقة إلى مساحة خياراتٍ حية، حيث لو أنّها امتلكت تلك الخيارات لرأينا مفاعيلها ميدانياً بعدوانٍ جديد وحربٍ جديدة.
وكما قال السيد نصرالله في خطابه بيوم القادة الشهداء، بأنّ “حديث رئيس أركان العدو عن التغيير في نمط الاستهداف هو كلام سخيف”، حيث قال كوخافي على سبيل التهديد بأنّ “كيانه يفكر في قانونية استهداف المدنيين في غزة أو لبنان، في حال وجود أسلحة أو مواقع عسكرية داخل أحياءٍ سكنية”، والسؤال فعلاً كما تساءل السيد نصرالله، “منذ متى يتورع جيش العدو عن استهداف المدنيين؟ فتاريخه لا يحفل إلّا بالمجازر شديدة الدموية”، فاستهداف المدنيين وقتلهم هي العقيدة التي قامت عليها”إسرائيل”، فقد تم إبادة قرى بأكملها وعائلات بأكملها، ولولا هذه المجازر التي مارستها العصابات الصهيونية لما قامت لهم”دولة”، وهذه العقيدة لم تتغير منذ إنشاء كيان العدو، لكنها تتطور وتصبح أشد إجراماً وأكثر دموية، فهذا”الجيش” سليل عصابات”الهاغاناه وشتيرن” وغيرهما الإرهابية، لا يتورع عن قصف مبنىً سكني من عدة طوابق، ويتواجد به عشرات المدنيين من عائلاتٍ وأطفالٍ ونساء، لمجرد تواجد شخص مطلوب، فتهدم المبنى على رؤوس ساكنيه بطائرات”اإف 16″، كما فعلت حين اغتيال الشهيد صلاح شحادة في غزة، أو وقت اغتيال الشهيد السيد عباس الموسوي، حيث كانت تعرف بوجود زوجته وطفله معه داخل السيارة.
تحدث السيد حسن نصرالله بما يخص الوضع الإقليمي في نقطتين لافتتين، الأولى أنّه أعلن عن استراتيجية هجومية لمحور المقاومة في منع إعادة إحياء داعش، وهذا تحوّل نوعي كبير على المستوى الميداني، حيث اعتمد محور المقاومة استراتيجية دفاعية للحؤول دون تمرير المشاريع الأمريكية، وقد كانت استراتيجية عبقرية في حينها، نظراً للفجوة الهائلة في موازين القوى حينها، فانتجت هذه الاستراتيجية تقليصاً هائلاً في ميزان القوة، حيث اعتمد محور المقاومة وقتها استراتيجية القضم الجغرافي عبر هجمات مركزة ومحسوبة، بينما حديث السيد نصرالله عن اعتماد استراتيجية هجومية يعني تفوقاً في ميزان القوة لصالح محور المقاومة، ويعني أنّ الميدان أصبح عجينةً لينةً في كف محور المقاومة، يستطيع تشكيلها كيفما يشاء وحسبما تقتضي مصالحه وأهدافه، وهو ما يعني الوأد المبكر للمحاولات الأمريكية بإعادة إحياء داعش، كما أنّه ينسحب على بقية الأدوات الأمريكية مما يسمى”هيئة تحرير الشام” وما تسمى”قسد”، وأعتقد أنّه يتوجب على الولايات المتحدة قراءة هذا التحول الفارق بتأنٍ وبكثيرٍ من الواقعية.
أمّا النقطة الثانية اللافتة التي تطرق لها السيد نصرالله، فهي ما تسميه”إسرائيل” بـ”الأيام القتالية”، فهي تهدد في كل مناسبةٍ ومن باب الضغط النفسي على حزب الله، بأنّ انتقام الحزب لشهيده في سوريا سيؤدي لاندلاع مواجهة، حتى يتجاهل الثأر لشهيده في سوريا، ثم قام رئيس أركانها بعقد جلسة ثرثرة، تشبه حلقات القهوة الصباحية لعجائز القرى النائية والمنعزلة عن مجريات الحياة والواقع، فقال السيد نصرالله إنّ ما تسمى بـ”الأيام القتالية” ليست مأمونة العواقب لتبقى أياماً، بل قد تنقلب إلى مواجهةٍ كبرى أو مواجهةٍ شاملة، وهذه رسالة لـ”إسرائيل” تعني باختصار”سنقتل جندياً(إسرائيلياً) وقتما نحدد ذلك، وحينها ليس أمامكم سوى خيارين حصراً لضمان السلامة، إما الصمت وإما الثرثرة، أمّا خيار الأيام القتالية فسيكون كارثة كبرى على كيانكم”، وقد يمنحهم السيد نصرالله بعد قتل جنديهم خيار إطلاق البالونات الحرارية وقصف عدة أشجارٍ بعدة قذائف مدفعية، من باب ممارسة الثرثرة النارية، التي أصبحت تجيدها”إسرائيل”، أمّا التهور والدخول إلى لعبة”الأيام القتالية”، ستدرك”إسرائيل” حينها، أنّها وقعت في الفخ الذي تُفتح منه بوابة الزوال، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ ااستراتيجية الهجومية في مواجهة”إسرائيل” لم تُفعّل بعد، ولكن حديث السيد نصرالله عن أنّ محور المقاومة يقيس الأزمنة والأمكنة يشي بأنّها قيد التفعيل ولو بعد حين.