اللواء الدكتور بهجت سليمان
1 – هل تعلم بأن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني – الذي يصورونه لنا بطلا رفض التعاون مع الصهيونية – هو الذي سمح بإقامة ” 13 ” مستعمرة ” مستوطنة ” صهيونية بفلسطين ؛ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهي التي شكلت المقدمات الاساسية لوعد بلفور ، رغم عدم إعطائه مثل ذلك الوعد ، لغاية بنفس يعقوب ؟ ..
2 – وهل تعلم بأن ثلاث موجات هجرة يهودية أساسية إلى فلسطين ، عام 1882 و 1895 و 1905 ، جرت في ظل السلطان عبد الحميد ، و جرى ايضا تأسيس البنى التحتية للكيان الصهيوني . ؟!
3 – وهل تعلم بأن ” 33 ” مستعمرة “مستوطنة ” إسرائيلية ، تأسست في عهده على الأرض الفلسطينية ، كانت آخرها ” تل أبيب ” في ضاحية ” تل الربيع ” من ” يافا ” في آخر سنة من حكمه 1909 ؟!
4 – و هل تعلم بأنه عندما أدرك اقتراب نهايته والتخلي عنه في بداية القرن العشرين .. أرسل رسالة لأحد المراجع الدينية في دمشق ، يقول له فيها بأنهم يحاربونه ، لأنه لم يرض ببيع فلسطين لليهود !!!! .
■ وفي ما يلي بحث للمناضل العربي ( د . ابراهيم علوش ) حول الموضوع :
( السلطان عبد الحميد و حكاية ” رَفْضِهِ تسليم فلسطين لليهود !!! “. )
▪︎ بقلم : المناضل والأكاديمي العربي ” د . إبراهيم علوش ”
** من الفصل الثالث من كتابه : ( مشروعنا: نحو حركة جديدة للنهوض القومي – 2009 ) **
والأغرب طبعاً تلك القصة التي يتسلى البعض بروايتها عن السلطان عبد الحميد وزعمهم رفضه تسليم فلسطين لليهود. والغريب في تلك القصة العجيبة أن السلطان عبد الحميد:
1 ) : كان في حالة تفاوض مع ثيودور هيرتزل حول تقديم ديون للدولة العثمانية.
2 ) : سمح بأول ثلاث مستعمرات يهودية أن تبنى في فلسطين في ظل حكمه، وهي: ريشون ليتسيون، وبتاح تكفا، وزخرون يعقوب في القرى العربية الفلسطينية التالية بالتوالي: عيون قارة، ملبس، زمارين.
3 ) : سمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد جاءت موجة الهجرة اليهودية الأولى إلى فلسطين عام 1882، وبدأت موجة الهجرة اليهودية الثانية حوالي عام 1895، حسب معظم المراجع التاريخية، ومنها مثلاً كتاب الدكتور عبد الوهاب الكيالي “تاريخ فلسطين الحديث” (الفصل الثاني)..
أي أن تينك الهجرتين جاءتا في فترة حكم السلطان عبد الحميد الواقعة ما بين عامي 1876 و1909، وخلالها بدأ تأسيس المستعمرات اليهودية الأولى، وخلالها أيضاً عادت الهجرة الصهيونية إلى الاشتداد عام 1905واستمرت حتى عام 1914. وساء الأمر بالتأكيد بعد وصول جماعة “تركيا الفتاة”، الصهيونية النزعة، إلى الحكم في عام 1908.
4 ) : سمح لليهود بتملك الأراضي في فلسطين، ويشار في هذا الصدد أن كل جهود الحركة الصهيونية حتى عام 1948 لم تسفر عن السيطرة على أكثر من 5,6 بالمائة من أرض فلسطين التي تزيد عن 27 ألف كيلومتر مربع بقليل، ولكن سجلات الطابو تظهر حسب أكثر من مرجع، ومنها كتاب ناجي علوش “الحركة الوطنية الفلسطينية أمام اليهود والصهيونية”، أن ما بين 420 ألف و650 ألف دونم من الأراضي العربية في فلسطين سيطر اليهود عليها خلال فترة الاحتلال العثماني.
ويشار إلى أن وجهاء القدس قاموا في 24/6/1891، أي في ظل عبد الحميد، “بتقديم عريضة لرئيس الوزارة العثمانية ( الصدر الأعظم ) طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود الروس إلى فلسطين وتحريم استملاكهم للأراضي فيها” ( عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، الطبعة التاسعة، ص. 42).
وبالرغم من ذلك تجد من يزعم بأن السلطان عبد الحميد رفض تسليم فلسطين لليهود!!! فأي منطق أعوج هذا؟!
ولكن الأعجب من هذا المنطق العجائبي هو القول بأن العثمانيين كانوا يحمون الوطن العربي من التغلغل الاستعماري الأوروبي!!!
فلنراجع بعض الوقائع التاريخية إذن التي تظهر بأن الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر كانت حاجزاً جغرافياً سياسياً بريطانيا لمنع تمدد النفوذ الروسي القيصري جنوباً ولمنع الوحدة العربية:
1 ) : ففي عام 1801 عاونت القوات البريطانية العثمانيين على إخراج الفرنسيين من مصر.
2 ) : خلال تأسيس الدولة العربية الحديثة على يد محمد علي باشا في مصر بين عامي 1831 – 1840، عاونت بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى العثمانيين على إخراج محمد علي من سوريا، وقامت بريطانيا بإنزال بري على الساحل السوري، وقصفت بحريتها البحرية المصرية، وأعادت سوريا والمناطق الواقعة تحت حكم محمد علي للعثمانيين.
ونكرر ما قاله ” بالمرستون ” وقتها، وكان وزير خارجية بريطانية آنذاك، في رسالة إلى سفير بلاده في نابولي بتاريخ 21 آذار ( مارس) 1833:
” إن هدف محمد علي الحقيقي هو إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية ، وقد لا يحوي هذا المشروع ضرراًً ما في حد ذاته ولكنه سيؤدي إلى تقطيع أوصال تركيا ، وهذا ما لا نرضى عنه ، وفضلاً عن ذلك فلا نرى سبباً يبرر إحلال ملك عربي محل تركيا في السيطرة على طريق الهند “.
وقد تبنت بريطانيا فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين على خلفية تجربة محمد علي الوحدوية.
وقد ثبت ذلك الدكتور عبد الوهاب الكيالي في “تاريخ فلسطين الحديث”، ص 24، الطبعة التاسعة من رسالة بالمرستون إلى سفيره في إستانبول عام 1840 :
” إن عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين بدعوة من السلطان وتحت حمايته تشكل سداً في وجه مخططات شريرة يعدها محمد علي أو من يخلفه “.
وحول رعاية بريطانيا لتركيا العثمانية في مواجهة روسيا القيصرية نقتطف خلاصة من دراسة موقع قدس نت أعلاه أن ذلك ظهر في مناسبتين :
” ففي المناسبة الأولى- وعرفت بحرب ” القرم” – هزمت في بدايتها روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية فاقتحمت بريطانيا ومعها فرنسا وسردينيا وبروسيا ميدان المعركة وقلبت نصر روسيا القيصرية هزيمة وعقد مؤتمر باريس عام 1856 وقرر ” تمامية السلطنة العثمانية” وتكامل أراضيها. ”
” أما في المناسبة الثانية فهزم روسيا القيصرية الإمبراطورية العثمانية عام 1876 لم يؤد إلى تدخل عسكري واستطاعت روسيا القيصرية أن تفرض على الإمبراطورية العثمانية معاهدة سان ستيفانو، إلا أن بريطانيا نجحت في أن تجند دول أوروبا الكبرى وأن تفرض على روسيا القيصرية الاشتراك في مؤتمر برلين والقبول بنتائجه وأهمها إعادة الولايات التي احتلتها روسيا القيصرية إلى الإمبراطورية العثمانية “.
ورغم ذلك تجد من يقول لك أن العثمانيين كانوا يحاربون النفوذ الأوروبي في الوطن العربي! يا سلام!