هلال عون | كاتب وباحث سوري
من الصعب أن يقدم الانسان تبريرات لعدم الرد على القصف الصاروخي للعدو الصهيوني .
والصعوبة لا تكمن في غموض المبررات المانعة ، ولكن لأن التوضيح يعني الحديث عن موازين القوى وكشف نقاط ضعفنا ، ويعني إقناع المواطن المتلهف للردّ لردّ الإهانة إلى العدو ، ولاسترداد الاحساس بالكرامة والعنفوان .
إن إقناعه بالقبول والسكوت على ضربات العدو أمر يصعب الخوض به نفسيا ومعنويا ، ولا تستطيع القيادة تحديدا الحديث به ، ولا يجوز لها أصلا الحديث به .
ولكن مع كل ما سبق ، سآخذ على عاتقي توضيح بعض النقاط ، لعلها تكون صحيحة ومقنعة .
لا ترد سورية على غارات العدو الصهيوني للأسباب التالية :
– لأن العدو الأمريكي يحتل جزءا من الارض السورية في الشرق بواسطة عملائه الاكراد الانفصاليين ، وبجزء من قوته العسكرية .
– ولأن العدو التركي يحتل جزءا من الارض السورية بواسطة عملائه من التكفيريين ، وبجزء من قوته العسكرية في الشمال .
– ولأن العدو «الاسرائيلي» يحتل جزءا من الأرض السورية في الجنوب .
هذه معلومات يعرفها الجميع ، ولكن تجب الإشارة الى أن هذه القوى المحتلة (القوية) عسكريا عملت خلال حوالي 11 سنة من الحرب على سورية على وصل الاراضي التي تحتلها بدءا من الجنوب ، حيث الاحتلال الإسرائيلي ، باتجاه الشرق ، إلى شرق السويداء ، ثم البادية وتدمر بمحاذاة الحدود السورية الاردنية ، مرورا ب ( التنف ) و الحدود العراقية – السورية ، وصولا باتجاه الغرب الى اللاذقية عبر الحدود الشمالية مع تركيا .
هذه القوى المحتلة عملت خلال حوالى 11 عاما من عمر الحرب على تزنير سورية بحزام ناري عبر قوى الاحتلال والارهاب ، بدءا من القنيطرة مرورا بدرعا والسويداء إلى البادية وتدمر الى التنف الى شرق وشمال دير الزور وشمال وغرب حلب ، الى ادلب الى اللاذقية ، بحيث لا يبقى لسورية منفذا على العالم إلا عبر البحر الأبيض المتوسط .
وقد قدم الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة عشرات الالاف من الشهداء لإفشال هذا المشروع ، واستطاعت سورية ضعضعته و إفشاله .
ما زالت تلك الاحتلالات في الجنوب والشرق والشمال من قبل (اسرائيل وامريكا وتركيا) ، ولكن قطّعت سورية نقاط اتصالها في الجنوب والشرق ومنعت ذلك الحزام الناري ، وأبقت بعض المنافذ البرية عبر الاردن والعراق الى اسيا وبقية العالم .
حزام النار الذي قطّعته وافشلته سورية ، تحلم “اسرائيل” بإعادة وصله وإحيائه لإسقاط سورية ، ولتقسيمها ولجعلها كنتونات متصارعة إلى ما لانهاية لتنفيذ مشروعها بقيادة وإدارة ونهب ثروات المنطقة ، لأن سورية هي قلب ورأس الدول العربية الرافضة لمشروع سيطرة الكيان على هذا العالم العربي التائه .
إن ردّ سورية على الاعتداءات الاسرائيلية (في ظروفنا هذه ) سيقوي حلم “اسرائيل” بإعادة ذلك الحزام الناري الخانق لسورية .
وعملاؤها موجودن في الداخل السوري وينتظرون الإشارة منها ، وهي تنتظر الظرف المناسب بإعادة فتيل المعارك الحدودية .
يجب الأخذ في الاعتبار عند الحديث عن الردّ السوري ، ظروف سورية الراهنة ، التي تعمل بكل طاقتها للخروج منها ، وقد بدأت البوابات تنفتح لهذا الخروج ، (وقد تشارك بعد اقل من ثلاثة اشهر في القمة العربية في الجزائر) .
الحديث عن الردّ السوري يجب ان يأخذ في الاعتبار أيضا الوضع الاقتصادي والمعيشي القاسي جدا للشعب السوري ، والحصار الاقتصادي الخانق ، وكلفة الحرب الواسعة مع « اسرائيل» في هذه الظروف .
ويجب أن يأخذ في الاعتبار وضع الطاقة النفطية والكهربائية المعرقلة لإعادة عملية التنمية الزراعية والصناعية .
و يجب الأخذ في الاعتبار أن العدو يحلم بمبررات تدفع امريكا والغرب ، وحتى بعض العرب لتشجيعه على ضرب المؤسسات الاقتصادية المدنية في سورية كمحطات الكهرباء ومصافي وحقول الغاز والنفط في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية .
ويجب إدراك أن كلفة اعادتها هي عشرات المليارات من الدولارات ، فهل نستطيع تحمّل ذلك ، في ظروف تبحث فيها الدولة عن توفير القطع لاستيراد القمح لتأمين رغيف الخبز للمواطنين .
وفي ظروف نعلم ، ويعلم العدو أن الأنظمة العربية لن تدفع سنتا واحدا لسورية ، بل قد تنقض بالمشاركة بدفع تكاليف الحرب عليها مع العدو ، كما حصل منذ اكثر من عشر سنوات .
يجب أيضا الأخذ بالاعتبار أن الجيش العربي السوري يعيد بناء قوته ، وخاصة الجوية التي هشمتها الحرب .
ويجب الأخذ بالاعتبار ، وهي وجهة نظري، أن المواطن العربي السوري الشريف ليس اكثر حماسا من القيادة السياسية و العسكرية ، ليس فقط لردع العدو ، بل ولتحرير جميع الأراضي السورية المحتلة ، ومنها الجولان ، وهي (القيادة ) تعمل على ذلك ، وتحضّر لمعركة التحرير .
ولكن لا بد من أخذ موازين القوة بالاعتبارات ، وبحسابات دقيقة، لتكون المعركة رابحة ، بعيدا عن ردات الفعل التي قد تكون مدمرة .
أما بخصوص روسيا ، والحديث عن منعها لسورية من الردّ فهذا كلام لا قيمة له في الواقع ، وهو مجرد وهم ، وصل إلى عقولنا نتيجة جهود امبراطوريات الإعلام المعادي التي تعمل على فك الترابط بين سورية وروسيا من خلال التشكيك بالدور الروسي الذي كان فاعلا ومؤثرا جدا في مواجهة الارهاب ، وما زال دور روسيا قائما في اعادة ترميم قوة الدفاع الجوي السوري ، بعيدا عن علاقتها ب «اسرائيل» فهي دولة عظمى لها سياستها التي تطمح بدور عالمي ، ولا تتطابق بالضرورة مع سياسة الدولة السورية .
وأما الحديث عن منع روسيا لسورية من استخدام صواريخ S300 ضد الكيان الاسرائيلي فهو حديث غير مقنع ، وغير مدعوم ، والذين يتحدثون بذلك لم يطّلعوا على اتفاقية تلك الصواريخ مع سورية، ولا ادعي انني مطلع عليها ، ولكن بالعقل : لماذا تستورد سورية هذه الصواريخ إذا كانت المعاهدة تنص على منع استخدامها ؟!
أما عدم استخدامها ، فبرأيي : لأن استخدامها مؤجل لمعركة كبرى قادمة مع العدو الاسرائيلي .
وقد حدث ما يشبه ذلك قبيل حرب تشرين ، حيث امتنعت سورية انذاك عن استخدام صواريخها الحديثة ضد غارات اسرائيلية مشابهة للغارات التي تحدث الآن ،ولم يتم استخدامها إلا مع بدء حرب تشرين .
بلدنا نيوز
https://www.baladna-news.com/?p=36344