خاص مرايا الدولية | اسراء جدوع
*بعد أن استطاع الجيش السوري خلال الأيام الماضية، تحرير المدن والقرى في محافظة درعا، نتج عنها استسلام مسلحين إرهابيين ودخول وحدات من الجيش إلي هذه القرى، بدأت الانظار تتجه نحو محافظة إدلب التي تعد الملاذ الأخير للمجموعات الهاربة من المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري، ما يطرح العديد من التساؤلات حول الدور التركي في معركة إدلب القادمة.*
*وبالتزامن مع الحديث حول قرب بدء العملية العسكرية في إدلب، يجب التوضيح أن تركيا أمامها عدة خيارات من الممكن أن تتجه إلي أي منها خلال الفترة المقبلة لتحديد مصير إدلب، وهما كالتالي: إما التوصل إلى تفاهمات نهائية بين روسيا وتركيا لإنهاء ملف ادلب، أو الضغط من الولايات المتحدة الأمريكية على تركيا لسحب يدها من المحافظة… وللإجابة عن هذه التساؤلات كان لنا لقاء مع الخبير الاستراتيجي والعسكري الدكتور كمال الجفا.*
يمشي قطار التسوية في درعا بهدوء وروية كما هو مخطط له وبدون مفاجآت وتشجنات وعنتريات تابعناها في بداية العملية في درعا البلد والتي شابها الكثير من الاشكاليات والاستفزازات من قبل المجموعات المسلحة استوعبتها الدولة السورية وتحاملت على جراحها لكسر الجدران العالية والتوفيق بين السقوف المرتفعه للمجموعات المسلحة في مطالبها غيير المنطقية وبين شروط القيادة السورية التي تحكمها سيادة القانون ومسؤولياتها المنوطة بها في فرض الأمن والأمان وفرض منطق هيبة الدولة وقوانينها على كل شبر من أراضي الجمهورية العربية السورية.
دماء كثيرة سالت وتصرفات مليشاوية وتمرد لأمراء الحرب وتحريض إعلامي كبير رافق تلك العملية التي استمرت جهودها لأشهر خلت لكنها تمشي كما هو مخطط لها.
تسويات متلاحقة واذعان لمنطق القوة والقانون وتسويات بالآلاف مترافقة مع فتح طرقات وتثبيت نقاط وتدعيم مداخل المدن والقرى التي جرت فيها التسويات مع إجراءات أمنية ناعمه تقوم بها الأجهزة المختصة أنتجت ذلك الأنجاز الكبير والرابح فيه هو كل سوريا جيشاً وقيادةً وشعباً موالاةً ومعارضةً لأن منطق التسويات وفق ضوابط وقوانين ومصالحات ومراسيم عفو أنتج حلولاً مقبولة للجميع على مبدأ رابح رابح.
لكن هذه التسويات لم تأتِ من فراغ بل كانت قراءة متأخرة للمجموعات المسلحة والدول الداعمة لها بأن فوضى الجنوب ومنطق الإمارات وقادة المحاور وعصابات التهريب والخطف انتهى دوره إقليمياً ودولياً وأن مهمة هذه الأدوات قد انتهى لصالح مرحلة الاستقرار والتهدئة والاتجاه إلى عملية سياسية مقبولة للجميع مع تنمية مستدامة تدريجياً تنتج بيئات آمنة لمشاريع إقليمية ضخمة تخرج الجميع من حالة الوهن والشلل الاقتصادي الذي أصاب دول الطوق بالرغم من أنها لم تكتوِ بنار الحرب التي أذاقوها للسوريين.
نعم التسوية في درعا مرتبطة برضا أمريكا ورغبة إقليمية وصمت “إسرائيلي” على مضض لوعود تلقتها من الجانب الأمريكي والروسي بأن أمن “إسرائيل” محفوظ ومحمي وتتحمل روسيا المسؤولية في ترسيخ نظام أمني حامي لحدودها بعيداً عن التسخين والتهديد والوعيد لكن ملزم لها بوقف هجماتها الجوية المتكررة على مواقع الجيش السوري وحلفائه داخل سورية.
من تصريحات قادة قسد والاضطرابات والتوتر والفوضى العارمة التي تعيشها مناطق شمال شرق سورية والوعود الأمريكية الفضفاضة التي تلقاها الوفد السياسي والعسكري التابع لقسد أثناء زيارته لأمريكا والذي قرأته القيادة الكردية بعناية بأن لا تغيير على الدعم الأمريكي لقسد في شمال شرق سورية حتى الآن، أي ربطتها بزمن غامض ومبهم وغير محدد ، أي من الممكن أن يتوقف هذا الدعم في أي لحظة مع معلومات مسربة من الوفد الكردي إن الولايات المتحدة الأمريكية قالت لهم عليكم بطرق أبواب دمشق.
لكن التنسيق الأمريكي الروسي والتوتر في العلاقات الأمريكية التركية وحملة التصعيد العسكري الروسي في أدلب، والذي يقابله صمت امريكي وأوروبي يوحي بأن الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة الإعداد النهائي للانسحاب وترتيب عملية سياسية ما، مع الدولة السورية وبرعاية وضمانه روسية وهي في المدى المنظور وليس ضمن خطط بعيدة الأمد، أي لن تتعدى أشهر قليلة.
التصريحات التركية المتوترة والموقف الحاد الذي أعلنه أردوغان في الأمم المتحدة ضد الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، وتصاعد الهجمات الروسية على وحدات عسكرية وميليشات مسلحة مرتبطة بالجيش والقيادة التركية وممولة منها واستهداف مقرات ومواقع ومعسكرات ل “فيلق الشام” ووصول القصف والأستهداف إلى منطقة عفرين ولأول مرة منذ العام ٢٠١٨ هذا يعني أننا أمام مرحلة جديدة عنوانها العريض تنسيق روسي أمريكي ولجم وتحطيم الأحلام والأطماع التركية في سورية.
بالتالي، أعتقد إن تأخر تركيا في تطبيق اتفاق طريق M4 ومماطلتها في إيجاد حلحلة لمحتويات قمة شوتشي في العام 2020 بسبب رغبتها في الحصول على ضوء أخضر أمريكي في اجتياح مناطق شمال شرق سورية وإكمال حزامها الأمني الذي بدأته في عفرين وثم تل أبيض وراس العين وعلى ما يبدو أن ضوء أخضر أمريكي باستكمال المشروع التركي في الشمال السوري وبالتالي هناك مهمة أمريكية محددة لتركيا من قبل أمريكا عليكم التركيز على أفغانستان لأنها أرض الحرب القادمة في شرق أسيا.
على ما يبدو أن الإدارة الأمريكية حالياً تلتزم جانب الصمت والمراقبة لما يحدث في سورية من أنفراجات بدأت بوادرها بأجتماع وزراء الطاقة الأربع لتفعيل خط الغاز والربط الكهربائي العربي وتسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية والاجتماعات المكثفة لوفد الخارجية الأمريكية في نيويورك مع دول كانت في محور الحرب على سورية ولكنها اليوم أقرب إلى الموقف السوري في تقييمها لما يجري في الميدان السوري ، وإن كان ما يجري في درعا أو الموقف العدائي لتركيا وضرورة انسحاب قواتها من الشمال السوري وحق الدولة السورية في بسط سيطرتها على كل المناطق المتمردة إن كان في الشمال الغربي أو الشمال الشرقي.
هذه التحركات والمواقف لابد أنها حصلت على ضوء أخضر أمريكي، وهناك معلومات مؤكدة بأن الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت رسالة إلى دمشق مفادها موافقتها على ماتقوم به الدولة السورية في الجنوب شريطة عدم وجود معارك تؤدي إلى مقتل مدنيين تدفع الرأي العام الأمريكي إلى مهاجمة الرئيس الديمقراطي لسكوته عما يحدث في سورية، ونقصد هنا دعم الولايات المتحدة لخيارات الدولة في الجيش وإنهاء التمرد لكن بدون حدوث معارك ضخمة تستفز وتحرض الرأي العام الأمريكي.
بالتالي قيصر معطل، وظهرت بوادره في وصول بواخر النفط الإيراني إلى السواحل السورية وعدم حدوث أية استفزازات أمريكية او إسرائيلية.
إدلب تتجه إلى معركة لامحالة وأدركت الدولة السورية أن استمرار الوضع الشاذ في إدلب مع ما يرافقه من عمليات تغيير ديمغرافي، وعمليات تتريك مستمرة لكل مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخدمية لا يصب في مصلحة سورية ووحدة أراضيها وبالتالي يصعب مشكلة الحل النهائي في سورية ويسنح لتركيا بفرض أمر واقع لايكمن تغييره مستقبلاً.
لذلك وضعت القيادة السورية ملف إدلب في سلم أولوياتها واقنعت الجانب الروسي أن هذا الملف يجب أن ينتهي ولا مجال للصبر إلى ما لانهاية.
عمليات القصف الجوي والتمهيد الناري وتحطيم مقرات ودشم وتحصينات المجموعات المسلحة في الخطوط الأمامية والخلفية ووصل عمليات الاستهداف إلى مناطق “درع الزيتون” يدل على أن قرار الحسم قد اتخذ ولا عودة عنها والمرحلة الأولى منه ستكون كل منطقة جبل الزاوية وسهل الغاب أي جنوب الطريق الدولي سراقب اللاذقية بالكامل .
قد تكون المعركة البرية خلال أيام لكن لن تتجاوز الأسابيع، لأن الوضع الأقليمي والدولي والميداني لصالح القيادة السورية، خاصة في ظل التفاهمات الأمريكية الروسية والتوتر التركي الأمريكي.
نعم هي تطورات ميدانية وعسكرية وسياسية تصب في مصلحة سورية وأعتقد أن القيادة السورية دخلت في مرحلة قطاف ثمن الصبر والنصر والاستراتيجية التي اتخذتها خلال العشرية السوداء.