قال الدكتور حسن أحمد حسن، ان الصمود الأسطوري للدولة السورية على امتداد أكثر من أحد عشر عاماً في أقذر حرب عرفتها البشرية، وتيقن العالم ومن ضمنه تركيا أن هدف إسقاط الدولة السورية قد سقط، واكد على ان كل من يرغب بدور فاعل في المنطقة تدوير الزوايا، والتفكير الجدي في كيفية إعادة مد الجسور مع دمشق.
وكالة مهر للأنباء – القسم الدولي: الاعتداءات التركية ليست بجديدة على المنطقة ، ولكن إزدادت في الاونة الاخيرة وتيرة الهجمات التركية وإستهداف المناطق الامنة، ويتزامن هذا التصعيد مع استهداف ممنهج ودقيق من قبل الطائرات المسيرة التركية، ما أدى الى نتائج أثرت على المواطنين وحركة نزوح كبيرة وهجرة من المحتل التركي الى المناطق الاكثر أمنا.
وفي الآونة الاخيرة شهدت اعتداءات تركية مستمرة على الاراضي السورية، وهذا يعتبر تجاوز وتعدي على سيادة سوريا، ونلاحظ الطائرات المسيرة التي تقصف متذرعة بحماية أمنها الاقليمي وكأنها هي المسؤول الاول عن المنطقة بالكامل… الدولة السورية ذات سيادة وتتمتع بحرية كاملة ويجب توحيد صف الشعب السوري للتصدي للعدوان التركي.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء “وردة سعد” حواراً صحفياً مع الباحث المتخصص بالجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية الدكتور “حسن أحمد حسن”، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** إعلان وزير الخارجية التركي عن اتصال مباشر مع نظيره السوري كان أوضح إشارة إلى ما قيل عن اتصالات تجري بين الطرفين منذ مدة، فما تقييمكم لهذه الاتصالات، وهل تعني بداية مرحلة جديدة لتسوية الخلافات بين الجانبين؟
من المتعارف عليه نظرياً أن الثابت الوحيد في السياسة أنها متغيرة حسب المصالح، وعندما تكون المصالح العليا للدولة مرتكزة إلى أسس استعمارية، ومرجعية نظرية آنية تخلط بين العرضي والجوهر، أو قائمة على مرجعية عقائدية متزمتة وتضمر الحقد والشر للآخر كائنا من يكون ذاك لآخر ما لم يذعن لمشيئتها، فعندها يصبح التذبذب والتبدل المفاجئ الصفة الرئيسة الطاغية على السياسة…
وهذا ينطبق على السياسة التركية الأردوغانية، وإذا أضفنا إلى ما ذكر حقيقة ارتباط تركيا بالغرب الأطلسي وانضوائها في حلف الناتو كرأس حربة ذات أدوار وظيفية محكومة الأداء بما تراه قيادة الحلف الأمريكية يصبح لزاماً على الباحث والمتابع أن ينتظر الأفعال التي تمارس على الأرض، وألا يعلق آمالاً كبيرة ـ وإن كانت مشروعة ـ على ما يصدر من تصريحات وأقوال، ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليتأكد بأن الصفة الغالبة على السياسة الأردوغانية هي التذبذب والانتقال الحاد من تموضع إلى آخر من دون مقدمات، وفي ضوء هذا يمكن فهم تصريحات الوزير التركي.
لا شك أن تسوية الخلافات التركية ـ السورية سياسياً أقل تكلفة وأفضل مردودية للجانبين السوري والتركي، لكن هذا يتطلب وقبل أي خطوة فعلية نزول أردوغان ونظامه عن الشجرة العالية، وهذا بدوره يتطلب البحث عن السلم المناسب، والتيقن من أن أردوغان فعلاً ينوي النزول، لكنه عاجز ذاتياً عن ذلك، ومن المهم التفكير بتقديم بعض المساعدة لضمان النزول الآمن الذي لا يتناقض مع المصالح العليا للأطراف المعنية ذات العلاقة، ولمن يساعدونه على النزول.
إن توقيت الإعلان عن هذا التبدل الذي يبدو دراماتيكياً مهم ويجب أخذه بالحسبان، فإعلان وزير الخارجية التركي شخصياً عن اتصال مباشر تم سابقاً منذ حوالي عشرة أشهر مع وزير الخارجية السوري يعني أن الجانب التركي كان ينتظر ويعمل على تنفيذ واقع افتراضي استوجب التكتم على الاتصال وقت حدوثه، والإعلان عنه اليوم يعني أن تغيرات نوعية استجدت، أو فرضت ذاتها على الأجندة التركية…
وهذا يعني أن أهم ما في الأمر لا يتجسد في التصريحات التركية ذاتها، وإنما في هذه التغيرات أو التبدلات الجديدة في اللوحة الإقليمية والدولية، ومعرفة إن كان التبدل الذي فرضته على السياسة التركية جوهرياً أم عرضياً وعابراً، مع الأخذ بالحسبان الوضع الداخلي التركي، وانخفاض شعبية أردوغان، مع ارتفاع حدة الأصوات الداعية والعاملة على تغيير الواقع الذي آلت إليه الأوضاع بعد مرور أكثر من أحد عشر عاماً على الحرب المفروضة على سورية، والتي كانت فيها تركيا وما تزال حتى تاريخه رأس حربة مسمومة.
** إلى ماذا تعزون هذه الانعطافة في الموقف التركي، المتشدد بل العدائي لسورية ورئيسها؟ وهل هذا التغير محكوم بمعادلات جديدة في المنطقة يستشعرها الرئيس التركي؟
بعيداً عن العواطف الذاتية التي يعيشها أي مواطن سوري ونظرته الموضوعية إلى الوجود التركي على الجغرافيا السورية كقوة احتلال يجب إخراجها وتحرير كل الجغرافيا السورية من سيطرتها المباشرة، وبغض النظر عن الأمنيات المشروعة بوضع نهاية لهذا الاحتلال وغيره أمريكياً كان أم إسرائيلياً، أم إرهابياً مسلحاً، إلا أن الاطمئنان للموقف التركي الجديد المعلن عنه محفوف بالمخاطر، وقد ثبت على أرض الواقع أن أردوغان من أمهر السياسيين بالقفز بين الحفر، واللعب على الحبال لمتناقضة، واستغلال تشابكاتها وتعقيداتها بشكل آني يمكنه من الاستمرار بسياسته العدوانية في تنفيذ مخططاته التي تظهر حقيقتها أحياناً على سقطات لسانه…
وأحياناً بشكل متعمد وعلني عندما يستشعر أن لديه من عوامل القوة ما يكفي للتكشير أكثر عن أنيابه، وإيقاظ الأحلام العثمانية البغيضة والعمل على استعادة دور الخلافة الموؤدة منذ أكثر من قرن، ومن هنا يمكن القول: إن انعطافة أردوغان ليست مِنَّةً، ولا هي لوجه الله، بل جاءت تجلياً عملياً للذرائعية التي تتقنها أنقرة، وما كان لهذا أن يحدث لولا مجموعة عوامل ومحددات، ومنها:
على كل من يرغب بدور فاعل في المنطقة تدوير الزوايا، والتفكير الجدي في كيفية إعادة مد الجسور مع دمشق واسطة عقد المقاومة
1- الصمود الأسطوري للدولة السورية على امتداد أكثر من أحد عشر عاماً في أقذر حرب عرفتها البشرية، وتأكد العالم ومن ضمنه تركيا أردوغان أن هدف إسقاط الدولة السورية قد سقط، وعلى كل من يرغب بدور فاعل في المنطقة تدوير الزوايا، والتفكير الجدي في كيفية إعادة مد الجسور مع دمشق واسطة عقد المقاومة.
2- التأكد التام من عجز الإرهاب التكفيري المسلح على مختلف مسمياته وداعميه من تنفيذ المهمة التي كلف بها على الجغرافيا السورية بفضل تلاحم الشعب السوري وجيشه الباسل واستعدادهما الدائم لمواصلة مسيرة لتضحية، والالتفاف حول قيادة السيد الرئيس بشار الأسد، وقد تجلت أهمية هذه الثلاثية الألماسية: “الشعب والجيش والقائد” في الانتخابات الرئاسية في أيار الماضي، وفرضت على العالم أخذ هذه الحقيقة بالحسبان.
3- الموقف الداعم والمشرف من بقية أقطاب محور المقاومة للمواقف السورية، وبخاصة حزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتيقن الجميع أن موضوع البازارات السياسية محذوف من قاموس من يتبنون المقاومة منهج تفكير وعقيدة حياة.
4- السقف العالي الذي رآه أردوغان بأم العين في مواقف سماحة الامام الخامنئي دام ظله الوارف وفخامة الرئيس إبراهيم رئيسي، والإعلان الرسمي أن سورية وضمان سيادتها على كامل أراضيها خط أحمر إيراني، وأن أي تصعيد ميداني جديد يمكن أن تقدم عليه أنقرة فإن طهران إلى جانب دمشق.
5- المواقف الواضحة والدقيقة التي عبر عنها فخامة الرئيس بوتين، ورفض أي تصعيد عسكري تركي في الشمال السوري، مع التأكيد على أن أي توغل بري تركي لن يخدم مصالح تركيا ولا سورية، بل سيقدم خدمة مجانية للإرهاب المسلح الذي يجب القضاء عليه، وأية خلافات يجب تسويتها سياسياً مع الدولة السورية وليس عبر التصعيد الميداني عسكرياً.
6- تداعيات الاشتباك المزمن على جغرافية المنطقة بين القوى الفاعلة على الساحتين الإقليمية والدولية، وتراجع الهيبة والسطوة الأمريكية، وتآكل الدور والقدرة الأمريكية على توجيه الأحداث وفق البوصلة الأمريكية جراء الإنجازات النوعية والجوهرية لمحور المقاومة التي مهدت لخلق البيئة الإستراتيجية المطلوبة التي تمكن روسيا والصين وبقية القوى الصاعدة من إسدال الستار على ما يسمى بنظام الأحادية القطبية.
** مع الإعلان عن الاتصالات التركية السورية تحسست الجماعات الإرهابية المسلحة رأسها وخرجت للتظاهر وحرق الأع لام التركية… هل تتوقع أن يضحي أردوغان بهذه الورقة الآن؟ وما هو الثمن الذي ينتظره مقابل ذلك؟
التظاهرات التي نفذها المسلحون اعتراضاً على التصريحات التركية يمكن أخذها على أكثر من احتمال، فقد تكون كما ورد في السؤال تحسساً لرأسها المهدد، ويقينها بأن حظوظها لن تكون أفضل من حظوظ بقية الأدوات وأصحاب الأدوار الوظيفية التي يتم إلقائها عند أول منعطف بعد انتهاء مدة صلاحيتها للاستخدام؛ وهذا هو ديدن السياسة الأمريكية، وكل من يدور في فلك واشنطن.
هذا أحد الاحتمالات الممكنة، لكني شخصياً لا أعطيه الأرجحية، فالجماعات الإرهابية المسلحة المنتشرة في تلك المناطق ليست ظاهرة قائمة بذاتها، بل تابعة بالكلية للتركي الذي يحكم السيطرة على أدق تفاصيل تحركاتها، ويرسم لها بشكل مسبق كل صغيرة وكبيرة في أقوالها وأفعالها، ويشرف بشكل مباشر على تنفيذها الأدوار المكلفة بها لضمان إرباك الجيش السوري والاعتداء على المواطنين وحياتهم في المناطق القريبة من أماكن انتشر المسلحين.
استناداً إلى كل ما ذكر، وإلى غيره من المدخلات التي تؤثر على المخرجات وتحددها بشكل مسبق قد تكون التظاهرات التي تم تسويقها إعلامياً لعبة أمنية تركية لتخفيف الضغط الروسي ـ الإيراني عن أردوغان، وتسويق صورة تتحدث عن أن سكان منطقة /30كم/ يرفضون الدولة السورية، وبالتالي هذا تجديد بشكل غير مباشر لدعوة إقامة ما أسماه أردوغان “منطقة آمنة”، وما العدوان العسكري التركي الأخير على بعض نقاط الجيش العربي السوري، والرد السوري الفوري والحازم إلا الشاهد على موضوعية مثل هذا الاحتمال.
** بما أننا نتحدث عن جماعات إرهابية تخدم من يمولها في شمال سورية… هناك من يرى أن بإمكان أطراف أخرى أن تحركها أيضا لتخريب أي مصالحة تركية سورية… فإلى أي حد يسيطر النظام التركي على هؤلاء؟ وماذا خصوصا عن اليد الأميركية الصهيونية التي تعارض أي حلحلة في الوضع السوري؟
سؤال مهم وموضوعي، فالجماعات الإرهابية المسلحة المنتشرة في الشمال السوري أداة لتنفيذ المشروع الصهيو ـ أمريكي في المنطقة، وتركيا بدورها أداة أيضا للمشروع ذاته، والجانبان تابعان للمايسترو الأمريكي، وقد منحت تركيا مهمة قيادة أولئك لضمان ضبط إيقاع تحركاتهم وفق المارش المعتمد، وأي خروج عن هذه الصورة العامة التي حدد أبعادها المايسترو الصهيو ـ أمريكي يجب وضعها على طاولة التشريح والتحليل الجدي والعميق.
بإختصار شديد يمكن القول: إن إمكانية تحرك المسلحين الإرهابيين لتخريب تفاهمات سورية ـ تركية إذا تمت تبقى متدنية، فاليد العليا في المنطقة لتركيا، وهي الرئة التي يتنفس من خلالها أولئك جميعاً، وبالتالي صنابير استمرارية حياة أولئك ومتطلباتها اليومية بالكامل بيد التركي الذي ينفذ دوراً مرسوما له من قبل واشنطن.
ويدرك الأشقاء الإيرانيون والأصدقاء الروس أن تركيا ما تزال رأس حربة الناتو وخط تماسه الجنوبي، وهذا لا يلغي إمكانية أن يفكر أردوغان بشق عصا الطاعة إذا ضمن سلامته، أو بشكل تدريجي مع استمرار تآكل لهيبة والنفوذ الأمريكي، وهذا الأمر يضاعف من أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به كل من موسكو وطهران لتشجيع أردوغان ودفعه للإسراع أكثر بشق عصا الطاعة، لكن ليس على حساب الأمن الوطني السوري قط.
** هناك حديث يجري في الكواليس عن إمكانية انسحاب القوات الأميركية من الأزمة السورية وحتى من قاعدة التنف… هل تؤيدون مثل هذه الفرضية؟ أم أن إخراج القوات الأميركية لن يتم إلا بالمقاومة والضغط العسكري؟
خروج القوات الأمريكية من سورية بخاصة، ومن المنطقة بعامة حتمي، والمسألة مسألة وقت، وهذا الخروج لن يكون بحافز إنساني أمريكي، ولا يعني ترك أبناء المنطقة وشعوبها ودولها وشؤونهم الذاتية، بل هو صفحة جديدة من صفحات الصراع المُزمن التي تضمن اشتباكاً مباشراً حيناً وغير مباشر أحياناً أخرى.
والمنطقة لن تعرف الاستقرار طالما أن الكيان الصهيوني المزروع فيها قائماً على القتل والاحتلال والإجرام، وهذه الصفات متأصلة في الكيان الإسرائيلي وأحد أسباب ظهوره إلى الوجود ودعمه بكل أسباب القوة التي تمكنه من الاستمرار بهذا الدور المتناقض مع كل ما له علاقة بقوانين المجتمع الإنساني وأعرافه، ومعطيات الواقع تؤكد أن هذا الكيان يتعثر وتزداد إخفاقاته في تأدية الدور والمهمة التي أوجد من شأنها؛ وهي “حماية مصالح قوى الهيمنة والاستكبار الغربي” إلى درجة لم يعد قادراً من الدفاع عن وجوده وبقائه لولا مساعدة أولئك ودعمهم، الأمر الذي يتطلب اعتماد مقاربات جديدة…
فمخرجات الاشتباك الحاد بين واشنطن وأتباعها وبين القوى الصاعدة والمتمسكة بحقوق الدول المستقلة في اختيار نموذج الحياة الذي يناسبها، وفي استثمار خيراتها وثرواتها يميل لصلح إرادة لشعوب والدول المستقلة، ولضمان عدم الانجراف نحو حافة الهاوية تبقى تركيا المرشح الأكفأ والأكثر أهلية للعب دور تبريد حدة الاشتباك المزمن، وهذا يفسر الدور الجديد الممنوح لها في موضوع تسويق الحبوب الأوكرانية، وإبقاء الأمور تحت السيطرة على اتجاه دول البلقان تحاشياً لانفجار لا تستطيع أية قوة تحمل مسؤولية تداعياته.
ما يهمنا من الأفكار السابقة الإشارة إلى أن الانعطافة التركية قد تكون بالتنسيق مع واشنطن والحلف الذي تقوده، وليست بالضرورة تحدياً للإرادة الأمر يكية، ولا اقتراباً من محور موسكو ـ طهران، بل لضبط إيقاع لاشتباك وإبقائه تحت السيطرة مضمونة العواقب.
عندما تبدأ توابيت الجنود الأمريكيين تعبر الأطلسي فالموقف الأمريكي سيتبدل، وستجد واشنطن ذاتها مُرغمة على الخروج
الأمر الآخر الذي تجدر الإشارة إليه في معرض الجواب على هذا التساؤل يتعلق بتحرر إرادة شعوب المنطقة من شبح الإعجاز الأمريكي، والتعامل مع واشنطن بأنها قدر لا يمكن مواجهته إلا بالانضمام إلى قافلته والسير في المنحى الذي تحدد مفاصل صنع القرار الأمريكي، وقد أوصلت السياسة الإجرامية للإدارات الأمريكية المتعاقبة الجميع إلى قناعة مفادها أنه حيث توجد القوات الأمريكية والتدخل الأمريكي يكون الاضطراب وغياب الأمن وعدم الاستقرار…
وبالتالي لا بد من التفكير والعمل على التخلص من الرهاب الأمريكي بدفعه إلى الخروج من المنطقة مهما بلغت التضحيات، ومهما تكن التكلفة، وقد يكون من المفيد مساعدة الأمريكيين في دفعهم للإسراع في الإقدام على ذلك بعد بضعة عمليات مدروسة وموجعة، ولا شك أنه عندما تبدأ توابيت الجنود الأمريكيين تعبر الأطلسي فالموقف الأمريكي سيتبدل، وستجد واشنطن ذاتها مُرغمة على الخروج، والتاريخ الحديث مكتظ بالتجارب والشواهد التي تؤكد صحة هذا الأمر…
** على الصعيد الاستراتيجي كيف تقيمون انعكاسات الحرب في أوكرانيا على الأزمة السورية؟ وهل تتوقعون انفراجات معينة في الواقع السوري المأزوم والمحاصر؟
موضوعياً تفجر الصراع مع روسيا في أوكرانيا التي تمثل منطقة إستراتيجية للأمن القومي الروسي يفترض أن يدفع موسكو للتمسك بأوراق قوتها الجيوبوليتكية أكثر، ووجودها في سورية من أهم تلك الأوراق، فضلاً عن اتضاح الموقف غير الودي من روسيا عبر اصطفاف بعض الأطرف الفاعلة في الحرب على سورية “تركيا ـ الكيان الإسرائيلي”، ويفترض أن يؤدي ذلك إلى زيادة الدعم الروسي لسورية، لكن الصراعات الكبرى لا تدار بمثل هذه المباشرة والبساطة، بل لكل شيء حسابات معقدة، ولكل جولة من جولات الصراعات المزمنة محدداتها وقواعد اشتباكها التي تختلف باختلاف الثقل الجيوبولتيكي لأطرافها…
فمحددات السياسة العامة لروسيا كقوة عظمى عالمياً يختلف عن محددات السياسة لإيران أو تركيا كقوة إقليمية كبرى، ومحددات السياسة لدولة كسورية تختلف عنها عند حزب أو جهة مقاومة لم تصل بعد إلى مرحلة الدولة، لكن المشترك بين أولئك جميع يتجلى في توحيد الجهود وتكامل الأدوار، وكما أن أطراف المحور المعادي ينسقون جهودهم وتكامل أدوارهم، فمن الطبيعي أن يكون ذلك واضحاً ومعتمداً لدى محور المقاومة ومن يدعمه، وبفضل هذا التكامل الخلاق يعيش العالم برمته اليوم مرحلة ولادة نظام عالمي جديد لما تعلن ولادته بعد، كما يعيش مرحلة احتضار نظام الأحادية القطبية الذي لما يعلن عن موته ودفنه بعد.
سورية باعتراف الصديق والعدو شكلت العقدة الأصعب والأقسى في طريق المنشار الأمريكي الذي اجتاح المنطقة ليغير خرائطها، ومن حق أي متابع أن يسأل نفسه: ماذا لو لم تصمد سورية؟ وأي واقع كانت تعيشه المنطقة لو أن إرادة السيد الرئيس بشار الأسد قد اهتزت؟، أو رضي المساومة على المبادئ والثوابت السورية؟، وهل كان بإمكان أحد في الكون الحديث عن قرب انتهاء نظام الأحادية القطبية؟!…
هذا يعني أن سورية طرف أساسي وفاعل من أطراف المحور الصاعد، ومن حقها أن يكون نصيبها متناسباً وحجم التضحيات التي قدمتها بعد إتمام إنجاز الانتصار في هذه الجولة من جولات الصراع المعقد والمستمر بين قوة الحق وحق القوة… بين أنصار إرادة الشعوب، وأصحاب مشروع قهر الشعوب ونهب ثرواتها وخيراتها.
** بعدما عقد مجلس النواب العراقي جلسة استثنائية لتناول ملف الاعتداء التركي بحضور وزيري الخارجية فؤاد حسين والدفاع جمعة عناد ورئيس أركان الجيش الفريق أول ركن عبد الأمير يار الله ونائب قائد عمليات الم شتركة الفريق أول ركن عبد الأمير الشمري… أوصت لجنة الأمن والد فاع بانسحاب جميع القوات التركية. بنظركم ما هي الإجراءات التي يُمكن أن يتخذها العراق لإيقاف تكرار الاعتداءات التركية ؟
العقبة الكأداء أمام العراقيين أن إرادة الشعب العراقي ممثلاً بمجلس النواب في اتجاه، وإرادة حكومة الكاظمي التي بيدها مقاليد الحكم وإدارة شؤون البلاد في اتجاه آخر
لا شك أن اجتماع مجلس النواب العراقي بحضور المسؤولين المذكورين خطوة مهمة وضرورية، وما أوصى به يصب في خدمة المصالح الوطنية العراقية، لكن العقبة الكأداء أمام العراقيين أن إرادة الشعب العراقي ممثلاً بمجلس النواب في اتجاه، وإرادة حكومة الكاظمي التي بيدها مقاليد الحكم وإدارة شؤون البلاد في اتجاه آخر…
سبق وأن قرر مجلس النواب العراقي خروج القوات الأمريكية بجميع مظاهرها من العراق، وكان هذا القرار موضع ترحيب وارتياح الشعب العرقي بكل مكوناته، لكنه لم ينفذ، أي أن إرادة الشعب لم تنفذ، بل صودرت وجاءت النتائج حتى الآن على عكس ذلك، حيث تغول الوجود العسكري الأمريكي في العراق، والأمر ذاته ينسحب على الاعتداءات التركية المتكررة، بل واحتلال أراضٍ عرقية وإقامة قواعد تركية عليها، وهذا ما يجب وضع نهاية له…
الشعب العراقي قال كلمته عبر توصية مجلس النواب، ولوضع التوصية موضع التنفيذ من المهم إطلاق يد الجيش العراقي في الرد على الاعتداءات التركية، أو تكليف الحشد الشعبي بذلك، وكلا الأمرين مستبعد بوجود حكومة الكاظمي، والبديل الموضوعي المتاح هو باعتماد المقاومة الشعبية للوجود التركي حيث يوجد ويتحرك، مع التأكيد على الإسراع ببلورة إرادة الشعب العراقي وتشكيل حكومة وطنية عراقية تضع مصالح العراق في أول سلم اهتماماتها، وليس تنفيذ مشيئة أعداء العراق…
مستقبل المنطقة ودولها يرسمه ويحدده أبناء المنطقة وشعوبها المؤمنة بحقها في الحياة بحرية وكرامة وسيادة، والمصممة على تحرير إرادتها من كل أشكال السيطرة الأجنبية، ويبقى نهج المقاومة هو الأنجع والأجدى، ومهما ارتفعت ضريبة المقاومة وتكلفتها تبقى أقل بكثير من تكلفة التبعية لقوى الظلم والهيمنة والاستكبار، وإننا لمنتصرون بإذن الله رغم أنوف طواغيت الكون.