حيّان نيوف | باحث سوري في الشؤون السياسية.
قال الشيخ محي الدين ابن عربي :
دخلت يوماً بقرطبةَ على قاضيها أبى الوليد بن رشد ، وكان يرغب فى لقائى لما سمع وبلغه ما فتح الله به علىَّ فى خلوتى ، فكان يُظهر التعجُّبَ مما سمع . فبعثنى والدى إليه فى حاجةٍ ، قصداً منه حتى يجتمع بى ، فإنَّه كان من أصدقائه ، وأنا (آنذاك) صبىٌّ ما بقل وجهى ولا طرَّ شاربى . فعندما دخلت عليه ، قام من مكانه إلىَّ محبَّةً وإعظاماً ، فعانقنى وقال لى : نعم ! قلت له : نعم ! فزاد فرحه بى لفهمى عنه ، ثم استشعرتُ بما أفرحه ، فقلت : لا ! فانقبض وتغير لونه وشك فيما عنده . وقال لى : كيف وجدتم الأمرَ فى الكشف والفيض الإلهى ، هل هو ما أعطاه لنا النظر ؟ قلت : نعم ولا ، وبين نعم ولا تطيرُ الأرواحُ من موادِّها والأعناق من أجسادها ! فاصفرَّ لونُه .
إجابة ابن عربي بين (نعم ولا ) على سؤال ابن رشد. دليل على أنه لم ينكر حق العقل في معرفة الوجود ولكنه يرفض إدعاءة بإحتكار معرفة الوجود بل يقدم الكشف كبرهان على معرفة حقيقة الوجود ، اذا ابن عربي جمع بين النظر والكشف ليكمل بهما المعرفة …
وقد جاء في الكتاب الكريم في جواب موسى ع لفرعون عندما سأله ( وما رب العالمين ) وهو سؤال عن الحقيقة المطلقة
فقال :
( رب السموات والارض وما بينهما ان كنتم موقنين )
ثم استدرك وقال :
( ربكم ورب آبائكم الأولين )
ثم استدرك مرة أخرى فقال :
( رب المشرق والمغرب وما بينهما ان كنتم تعقلون )
فأراد موسى في المرة الأولى القول بأن الله محيط بعوالم الكشف ان كنتم من أهلها..
وفي المرة الثانية أراد القول بأن الله محيط بعوالم النقل التي أخبرتم بها ..
وفي المرة الثالثة أراد القول أن الله محيط بما يعطيكم أياه النظر وما تحده عقولكم وأبصاركم ..